{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَاتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولا} (سورة بني إسرائيل : 91 -94)
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} هذه تسع آيات الجملة ومذكورة في التوراة والقرآن الكريم وقد أُظهرت في مواعيدها المناسبة ولكن بطريقة كانت تناسب بشرا رسولا. (تشحيذ الأذهان مجلد7 رقم9 ص464) {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا}. لقد طلبوا تسعة أشياء ولكن الناس زعموا لسوء الحظ أنها لم تتحقق فذهبت مزاعمهم مذاهب شتى. لو تدبّروا قليلا لعلموا أنها قد عُرضت كسؤال صحيح. فقد جاء في سورة البقرة: {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} (البقرة: 26)، أي ستكون للمؤمنين جنات فيها عنب ونخيل وما شابهها. ثم ورد: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} (البقرة: 26) ثم قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَاتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} (البقرة: 211)، وقال في آية أخرى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} (الرحمن: 55) ثم قال: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} (الرحمن: 57) ثم قال: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} (الرحمن: 71). ثم أشار في سورة الواقعة: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} (الواقعة: 18)
باختصار كل هذه الدعاوي كانت موجودة في القرآن الكريم فأي خطأ ارتكبوه إن طلبوا شيئا من تلك الأشياء؟ ثم انظروا ما أصوبه من جواب: قل لهم سبحان ربي فلم يَعِد وعودا كاذبة بل سوف يتحقق ذلك حتما أما أنا فبشر رسول. عندما فتح الصحابة – رضي الله عنهم – العراق والعجم والشام والعدنَ وقعت بيوت الملوك في قبضتهم ونكحوا بناتهم أيضا. كانت تلك البيوت من الذهب والفضة ووقعت في أيديهم البساتين والقنوات في مكة والمدينة وحل بخصومهم عذاب الله وقدجاء الملائكة لنصرتهم – رضي الله عنهم -. لقد عُرج بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ونال كتابا عظيما أي القرآن. باختصار تحقق كل شيء كما تتحق نبوءات بشر رسول عادة. (ضميمة جريدة بدر قاديان عدد:3/ 3/1910م)
لم يطلب الكفار تلك المعجزات مما اقترحوها من عند أنفسهم بل طلبوها بناء على فهمهم للقرآن الكريم والكتب السابقة. فقد جاءت في مطالباتهم آيات رحمة وآيات غضب وآيات تشكل قاسما مشتركا.
أما آيات الرحمة فهي: 1 – {تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ}.
أما آيات الغضب فهي: 1 – {تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَاتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا}
أما الآيات التي تشكل قاسما مشتركا فهي: {يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ}.
هذه تسع آيات طلبوها. 1: لقد طلبوا الينابيع والبيوت من الذهب بناء على هذه الآيات.
ا- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (البينة: 8 – 9).
ب – {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} (البروج: 12).
ج- {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ} (المرسلات: 42 – 43).
أي ما دام المتّقون قد وُعدوا بالظلال والعيون فأرِنا ينبوعا واحدا تملكه وأنت أمام المتقين.
د – ثم قال الله مخاطبا النبي – صلى الله عليه وسلم -: {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} (الضحى: 9) و: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الشرح: 5) فلا بد أن يكون إظهار الغنى ورفع الذكر من خلال بيت من زخرف.
هـ- {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} (الفرقان: 11).
2: طلبوا سقوط السماء كسفا بناء على الآية التالية:
ا- {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ * فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} (الطور: 45 – 46).
ب- {إِنْ نَشَا نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} (سبأ: 10).
3: وقد طُلب إتيان الملائكة بناء على آية: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر: 23) {وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} (البروج: 21) و: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (العلق: 18 – 19).
“كُلًّا” و”قبيلا”: أي الآية التالية تفيد الشهادة: {وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا} (النساء: 167).
4: وطلبوا الصعود إلى السماء بناء على آية:
ا- {وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 4 – 6) أما الإتيان بكتاب فبناء على آية: {رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} (البينة: 3 – 4)
وطلبوا قراءته: بناء على آية: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: 4) وقوله: {اقْرَا كِتَابَكَ} (الإسراء: 15).
لقد طلب الكفار هذه الأمور بإغواء من اليهود. والسبب في ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أعلن أنه مثيل موسى – عليه السلام – فقالوا لا بد أن تتحقق في شخصك ما جاء في التوراة من النبواءت في حق نبي مقبل.
فقد جاء في سِفر التثنية: لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ آتٍ بِكَ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ. أَرْضِ أَنْهَارٍ مِنْ عُيُونٍ وَغِمَارٍ تَنْبَعُ فِي الْبِقَاعِ وَالْجِبَالِ * أَرْضِ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَكَرْمٍ وَتِينٍ وَرُمَّانٍ. أَرْضِ زَيْتُونِ زَيْتٍ وَعَسَل. (التَّثْنِيَة 8: 7 – 8)
وفي رؤيا يوحنا اللاهوتي: وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوف … وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ. (رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ 7: 9)
فطلبوا الينابيع والحدائق بناء على العبارات المذكورة. وفي سِفر الخروج ذُكرت نذور كثيرة لموسى وفي الإصحاح ذُكر الذهبُ أيضا فطلبوا بناء عليه بيتا من زخرف. في سِفر الخروج: هَا أَنَا آتٍ إِلَيْكَ فِي ظَلاَمِ السَّحَابِ … كُلُّ مَنْ يَمَسُّ الْجَبَلَ يُقْتَلُ قَتْلاً. (اَلْخُرُوجُ 19: 9 – 12) وفيه أيضا: وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَرَوْنَ الرُّعُودَ وَالْبُرُوقَ وَصَوْتَ الْبُوقِ وَالْجَبَلَ يُدَخِّنُ … وَقَالُوا لِمُوسَى: تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ. (اَلْخُرُوجُ 20: 18 – 19) فبناء على ذلك طلبوا: “أن تسقط السماء”. وقد ورد أيضا: وَيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ لأَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَنْزِلُ الرَّبُّ أَمَامَ عُِيُونِ جَمِيعِ الشَّعْبِ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ. (اَلْخُرُوجُ 19: 11) فقالوا بناء على ذلك: “تأتي بالله”.
وفي سِفر الخروج أيضا: هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكًا أَمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي الطَّرِيقِ وَلِيَجِيءَ بِكَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعْدَدْتُهُ. (اَلْخُرُوجُ 23: 20). وجاء أيضا: وَأَمَّا مُوسَى فَصَعِدَ إِلَى اللهِ. فَنَادَاهُ الرَّبُّ مِنَ الْجَبَلِ. (اَلْخُرُوجُ 19: 3) وجاء أيضا: فَوَقَفَ الشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَمَّا مُوسَى فَاقْتَرَبَ إِلَى الضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ اللهُ. (اَلْخُرُوجُ 20: 21) فبناء على ذلك قالوا: أن ترقى في السماء وتأتي بكتاب.
فلما ورد في سِفر الخروج 19: 2 – 3 ذكر الإتيان بالأحكام بالصعود إلى السماء لذا قالوا بأنك تدّعي كونك مثيل موسى فاصعد إلى السماء وأتِ بكتاب.
من الغريب أن أول أمرٍ وُجِّه إليهم كان: لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. (التَّثْنِيَة 5: 8) ولكنهم نسوا الأمر نفسه وتركوه وشرعوا في مطالبات لم يستفيدوا منها شيئا.
وانظروا الآن: 1 – لم يتمكن موسى أن يوصل قومه إلى الأرض الموعودة بل ظل قومه يهيمون في الفلاة أربعين عاما بدلا من الحصول على الينابيع والأنهار أما قوم النبي – صلى الله عليه وسلم – فوصلوا إلى أرض كانت فيها أنهار وينابيع وجنّات أليست تلك جنات عدنٍ يسيل فيها جيحون وسيحون والدجلة والفرات والنيل؟ ما حقيقة أراضي بني إسرائيل مقابل أراض وصلتها أمة محمد – صلى الله عليه وسلم -؟
2 – ألم يحفظ اللهُ رسوله – صلى الله عليه وسلم -؟ ألم يوصله إلى المدينة حين خرج – صلى الله عليه وسلم – من مكة؟
3 – ألم ينزل الملائكة لنصرته ألم يشهد – سبحانه وتعالى – على صدقه – صلى الله عليه وسلم – في مواطن كثيرة بواسطة الملائكة لدرجة فُتحت العراقان والشام ومصر التي لم يتمكن بنو إسرائيل من فتحها. ألم ينزل الملائكة في معركة بدر وحنين والأحزاب؟
4 – ألم يكن في يده – صلى الله عليه وسلم – ويد أصحابه – رضي الله عنهم – كتاب يقرأونه؟ ألم ينزل هذا الكتاب من السماء؟
5 – هل هناك كلام في كون “فدك” جنة؟ ألم تقع جنات خيبر والطائف في قبضته – صلى الله عليه وسلم -؟ نعم كان بشرا رسولا لذا أُعطيت هذه الآيات بحسب قدرٍ وسنة جرت مع الرسل من قبل.
لقد أنزل الله فضله عليه – صلى الله عليه وسلم – إذ وصلت القناة إلى مكة والمدينة أيضا كما جاء: أَفْتَحُ عَلَى الْهِضَابِ أَنْهَارًا وَفِي وَسَطِ الْبِقَاعِ يَنَابِيعَ. أَجْعَلُ الْقَفْرَ أَجَمَةَ مَاءٍ وَالأَرْضَ الْيَابِسَةَ مَفَاجِرَ مِيَاهٍ * أجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ الأَرْزَ وَالسَّنْطَ وَالآسَ وَشَجَرَةَ الزَّيْتِ. أَضَعُ فِي الْبَادِيَةِ السَّرْوَ وَالسِّنْدِيَانَ وَالشَّرْبِينَ مَعًا. (إِشَعْيَاءَ 41: 18 – 19) وقد تحققت جميع الوعود التي وردت في إشعياء 42 و60. (تشحيذ الأذهان مجلد7 رقم8 ص399 – 402)
عندما طلب كفار مكة من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن ترقى في السماء قال الله لنبيه أن يردّ عليهم: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا}. أي أن ربي بريء من الرد على هذه الأسئلة غير اللائقة ومن تصرفات عبثية ومن أن ينقض سنته لأن ذلك يخالف حكمته. إنما أنا بشر رسول وصعود بشر رسول إلى السماء بالجسد المادي يخالف سنن الله. (نو الدين الطبعة الثالثة ص98)