يقول الخليفة الأول رضي الله عنه:
أوجّه أنظاركم إلى أمر فاسمعوا جيدا سواء كنتم صغارا أو كبارا، شبابا أو شيوخا وإن طال الدرس. يقول الله تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}.
المؤمن الذي يجتنب اللغو هو الذي يفلح ويفوز.
هذه نقطة معرفة، أي ما لم تكون فيهم هذه العادة لن يفلحوا. ولكن كم من نقاشات عبثية تجري في الإسلام في هذه الآيام. منها: الأول: هل وُلد آدم في الجنة أم في الأرض. 2 – هل خرجت حواء من آدم أو العكس صحيح؟ 3 – ماذا كان شكل جسم آدم. 4 – كيف كان لباسه؟ 6 – ماذا كانت تلك الشجرة؟ 7 – أين نزل آدم حين دُفع؟ 8 – من أي خشب كانت سفينة نوح؟ 9 – ماذا كان الحيوان الذي ذهب للاستطلاع. 10 – لقد حُملت في السفينة الفيلة والأحصنة فكأن كل دابة حُملت فيها. 11 – من أية شجرة كانت عصا موسى؟ 12 – كم كان طول موسى؟ يقولون بأن طول عصاه كانت سبعين ذراعا، كان طول موسى أيضا سبعين ذراعا وقد قفز إلى ارتفاع سبعين ذراعا وقتل عوج بن عنق ولكن ضربته أصابت كعبه أي أن كعبه كان مرتفعا من الأرض بقدر 210 ذراعا. كان على نهر النيل جسر مصنوع من عظم ساقه. وعندما جاءت موجة النبي نوح – عليه السلام – لم يبلغ الماء إلا إلى كعب “عوج” المذكور.
باختصار، قد ذُكرت قصص طويلة جدا. أنا متضايق سلفا من مثل هذه الأمور، أما الآن فقد شُختُ وأنصحكم ألا تعبثوا بكتاب الله. اقرأوا التفاسير وإذا وُجدت فيها قصص مثلها فاتركوها. يبدو أن اليهود والنصارى والمجوس دسّوها. لقد كثرت القصص بشدة متناهية لدرجة لا نستطيع أن نقرأ القرآن الأصلي إلا بالكاد. فقد كُتبت آلاف الأوراق. لقد كُتبت حول آية قصةً أن ملِكًا جلس على سرير ورُبطت بالسرير أوتاد طويلة/عصيٌّ طويلة ورُبطت النسور أيضا فطارت بمحفة الملك إلى السماء، والعياذ بالله. لقد أنعم الله عليّ فلا يمكن أن أقترب من مثل هذه اللغويات. يسأل الناس: هل يمكن لله أن يكذب؟ ولكن عليهم أن يبُتُّوا في قدرة الله على الكلام أولا، هل هو يتكلم الآن أيضا أم لا؟ ثم يسألون: إذا كان الله قد وعد بإدخال الأشرار في الجحيم، أفلا يمكنه أن يُدخل الأبرار؟ أستطيع أن أناقش هذا الموضوع بفضل الله تعالى. لقد فهمت الغاية من القرآن ولكن هؤلاء الناس فهموها بصورة مختلفة تماما. يزعم البعض أن الصيغ الواردة في القرآن غريبة، يجب أن تُحلَّ. ما هي صيغة: {يَتَّقْهِ} (النور: 53)؟ هناك من يقول بأن تراكيب هذه الصيغة صعبة يجب حلُّها. إذا كان الله يُقحم المؤمنين في النار ويُدخل الفجار في الجنة لكان نزول القرآن عبثا. لقد قام الناس بكثير من اللغو في معرفة الله أيضا.
يقول المسيحيون أن الله يمكن أن يتجسد كما تجسد فعلا. ويقول الهندوس بأن الله تحوّل إلى تمساح، ثم سلحفاة، وذات مرة صار خنزيرا. فيقولون: أنت سلحفاة وسمكة وأسد أيضا.
أقول مشهدا بالله ومشهدا هَرَمي أنني أفكر في كل ليلة أنني قد لا أكون حيا صباح الغد. وأقول بأن الكلام مثل المذكور أعلاه لغو وعبث تماما، لا يفيد ديننا ولا دنيانا ولا صحتنا. لم يخُض في هذه النقاشات الصحابة – رضي الله عنهم – ولا أئمة الحديث ولا أئمة الفقه ولا أئمة التصوف رحمهم الله قط. عندما صار المسلمون فاتحين، وقرأوا آلاف الكتب، أدخلوا فيها تلك الأمور.
أنصحكم أنه إذا كان في سؤال فائدة في أمور تتعلق بالله والرسول والملائكة ويوم الجزاء والأخلاق يمكن أن تناقشوها وإلا فاتركوها. لا ندري كم كان طول عصا موسى، ومن أي خشب كان، وأين كان مهبط آدم، ومن أي خشب كانت سفينة نوح. كان من أساتذتي شخص من الروافض اسمه منشي قاسم على، كنت أدرس الفارسية على يده، فكان يقول لي: اكتُب اليوم قصة المجلس، واكتب اليوم قصة الخلوة، اكتب اليوم قصة الربيع، اكتب اليوم قصة الخريف. وأمرني ذات يوم: احفظْ هذه القصص كلها واقرأها عليه. كنت أقرأها عليه عن ظهر غيب بكل طلاقة، فأنال استحسانه ثم أحرقها فورا. وقد سبق لي أن قرأتُ ألقابا تقع فيما يقارب ثماني صفحة. وقد استفدتُ منها أن شطبتُ تلك الألقاب كلها. والألقاب التي أحتفظ بها هي: عزيز، عزيزي الكريم، صاحبي، السلام عليكم. والذين لا أحبهم أخاطبهم بـ صاحبي فقط، وفي ذلك إشارة إلى أنك في واد وأنا في واد آخر. باختصار، لا حاجة لنا إلى مثل هذه الأمور بل إننا بحاجة إلى أركان الإسلام الخمسة والأخلاقِ.
حقائق الفرقان – مجلد 3 ، تفسير سورة المؤمنون