من هو أحمد الذي يشؤ به في آية الصف 6؟
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ – الصف
يتبيّن من الآية نفسها من هو “أحمد” لقوله تعالى (فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ) أي أن أحمد المقصود قد جاء فعلا، وبالنظر إلى سياق سورة الصف نجد أن موضوعها هو سيدنا النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مثل (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) و (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وهكذا هو السياق وموضوع السورة بكاملها. فيثبت أن المقصود من “أحمد” الذي جاء إنما هو المصطفى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ولم يأت أحد قبل سيدنا النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ولا في زمنه نبي باسم “أحمد” غير خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وخير من يشرح لنا هذا الموضوع هو سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بنفسه، فالرسول الذي بشر به المسيح بن مريم عليهما السلام اسمه محمد، واسمه أحمد، وهو هو نبينا صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بصريح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
“لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِب.” (رواه البخاري 3532 ومسلم 2354)
وقد ورد أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا: يا رسول اللّه أخبرنا عن نفسك، فقال:
“دعوة أبي إبراهيم، وبًشْرى عيسى، ورأت أُمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام.” (رواه ابن إسحاق، قال ابن كثير: إسناده جيد وله شواهد من وجوه أخر).
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: “إني عند اللّه لخاتم النبين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبُشْرى عيسى، ورؤيا أمي التي رأت أُمّي التي رأت وكذلك أُمَّهات النبيين يرين” (أخرجه الإمام أحمد عن العرباض بن سارية مرفوعاً)
وروى أحمد عن أبي أمامة قال، قلت: يا رسول اللّه ما كان بدء أمرك؟ قال:
“دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أُمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام” (أخرجه الإمام أحمد)
وحديث النجاشي الذي رواه أحمد وأصحاب السيَر وغيره.
كما أن “أحمد” و “محمد” صفة بصيغة تفضيل للفعل الثلاثي حَمَدَ، فهو أحمد الناس لربّه وهو محمد عند الله وعباده.
أما لماذا اختار المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام لقب “أحمد” بدلاً من “محمد” فالأمر ذو دلالة حيث أن اسم “أحمد” كما سلف هو محمد الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهي إشارة لساعة انتهاء النبوة من بني اسراءيل (وإنه لعلم للساعة) أي ساعة تحول النبوة من اسرائيل لإسماعيل وأيضاً لبعثة خادمه سيدنا أحمد عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام المسيح المحمدي أي الذي يظهر من أمة النبي الكريم (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) بفضل اتّباعه وتطبيق سنته حق التطبيق، فكان لفظ “أحمد” جامع للنبي وخادمه وظلّه بإسم واحد وكأنه يشير إلى المماثلة التامة بين الشخصين ولذلك كان سيدنا أحمد عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ظل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أي خير من طبق سنته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام.
لماذا سميت الجماعة الإسلامية “الأحمدية”؟
“لقد سُمّيتْ هذه الفرقة بـ”الفرقة المسلمة الأحمدية” لأن نبينا كان له اسمان اثنان؛ أحدهما محمد والآخر أحمد . أما محمد فكان اسمًا جلاليًّا، وكان يتضمن نبوءة أن النبي ﷺ سوف يعاقب بالسيف هؤلاء الأعداء الذين هجموا على الإسلام بالسيف، فقتلوا مئات من المسلمين. ولكن أحمد كان اسمًا جماليًّا، وكان يشير إلى أن النبي ﷺ سينشر الأمن والصلح في العالم. لقد قسّم الله هذين الاسمين بهذا الشكل؛ فقد تم ظهور اسم أحمد في الفترة المكية من حياة النبي ﷺ، حيث كان التعليم هو التحلي بالصبر. ثم تمّ ظهور اسم محمد ﷺ في الفترة المدنية، حيث اقتضت حكمة الله تعالى ومصلحته قطعَ دابر المعارضين. ولكن أُنبئ أيضًا أن ظهور اسم أحمد سوف يتمّ مرة أخرى في الزمن الأخير أيضًا، وسوف يُبعث شخص تظهر بواسطته الصفات الأحمدية للنبي ﷺ (أي الصفات الجمالية)، فبالتالي ستتم القضاء على جميع الحروب. فلهذا السبب رأيتُ مناسبًا أن تُسمى هذه الفرقة بالفرقة الأحمدية، ولكي يفهم كل واحد عند سماع اسمها أن هذه الفرقة أنشئت لنشر الأمن والصلح في العالم، ولا علاقة لها مطلقًا بالحرب والجدال.” (مجموعة الإعلانات؛ ج3، ص365- 366)
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ