{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (سورة آل عمران : 97)
لما كان مسجد مكة المعظمة لعبادة الله حتى قبل زمن أبي الحنفاء، إبراهيم – عليه السلام – الذي كان بريئا من الشرك تماما، لذا سمِّي بيت الله. فيقول الله تعالى: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. (نور الدين، الطبعة الثالثة، الصفحة: 153)
إن أكبر دليل على أنه لماذا نؤمن بإبراهيم؟ وهل نتخلى عن التوراة؟ هو أن أول بيت وُضع لإقامة وحدانية الله الخالصة هو في واد مكة. كلمة “مكة” تُطلَق على مقام يحشد فيه الناس بكثرة هائلة.
{مبارَكا} كان هذا هو الوجود المبارك الذي كان أمانا لأهل الأرض. ففي البيت نفسه وُلد أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير – رضي الله عنهم -. فقال الله تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} (النور: 38)، وقال أيضا: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ} (النور: 37). أي قد أراد الله أن يجعل أهل هذا البيت كبارا. (ضميمة جريدة بدر قاديان، العدد: 1 – 8/ 7/1909م)
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (سورة آل عمران : 98)
{مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} المزية الأولى لمكة هي أنها معبد إبراهيم – عليه السلام -. لا يمكن لليهود والنصارى أن يقدموا مكانا لمتبوعهم هو تحت سيطرتهم.
الآية الثانية: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} وقال أيضا: {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (العنكبوت 68) أي هناك فوضى وقلاقل سائدة في العالم كله ولكن ليس لها أثر في مكة.
الآية الثالثة: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} والذي لا يدرك هذه النبوءة فليسمع أن حج بيت الله سيبقى جاريا في الناس.
{وَمَنْ كَفَرَ} أي مَن كفر مع وجود الأدلة. (المرجع السابق)
{مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} هو مكان محترم عند اليهود والنصارى.
{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} هذه نبوءة عظيمة. تتغير الإمبراطوريات في العالم ولكن حرمة مكة والحجَ ستبقى قائمة إلى يوم القيامة. (تشحيذ الأذهان، المجلد 8، رقم9، الصفحة: 447)
إن مكة المعظمة هي مظهر ثالث للإسلام. ويقول الله تعالى بحقها:
أولا: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}. ثم بيّن تلك الآيات البينات فقال: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} … أولا، إن مكة هي مقام إبراهيم. وثانيا: الأمن مضمون لمن يدخله. ثالثا: كلِّف الناس بحجه. (نور الدين، الصفحة: 2 ب، الطبعة الثالثة)
{وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، إن تقدّم العالم كله يتوقف على اجتماع قومي. عندما بدأت الحضارة في جميع البلاد المتحضرة تكوّنت النوادي والمؤسسات. لقد خلق الله تعالى أسبابا غريبة للاجتماعي القومي في دين النبي – صلى الله عليه وسلم -، ووضع فيها دوافع روحانية لم يَعُد بسببها خطر لتفكُّك تلك المؤسسات.
لقد فرض الله خمس صلوات لاجتماع أهل الحارة كل يوم. كل الناس ينامون في بيوتهم ليلا، وإذا اقتضت الحاجة إلى المساعدة فيما يمكن أن يحدث ليلا فالمساعدة متوفرة عند صلاة الفجر في الصباح الباكر. ثم يبدأ الناس بالذهاب والعودة إلى السوق، ويواجه المرء أمورا خارجية مختلفة، وبهذه المناسبة تحين الصلاة بعد الظهيرة. وصلاة العصر تمثّل نهاية المشاغل اليومية ولكن لم يصل معظم التجار وأهل الحِرَف إلى بيوتهم إلى الآن، وإذا احتاجوا إلى مساعدتنا في الأمور المتعلقة بهذا الوقت فإن صلاة العصر جماعة مناسبة جدا لها. ثم يصل المرء إلى بيته مساء، وإذا كان هناك بعض الأمور التي تمت في غيابه وتقضي اجتماعا فإن صلاة المغرب مناسبة لها. ثم حوالي الساعة التاسعة أو العاشرة يحين الوقت لينفصل الناس من بعضهم بعضا.
من المناسب أن يودّع الناس بعضهم بعضا في هذا الوقت. وهذا الوقت بالتحديد هو وقت صلاة العشاء. ولو كلِّف أهل البلاد كلهم بالحضور في هذه الاجتماعات خمس مرات كل يوم لكان تكليفا بما لا يطاق. لذا حُدِّد يوم واحد في الأسبوع أي يوم الجمعة لاجتماع المسلمين كلهم من المدينة. ولكن لما كان الاستحمام وتغيير اللباس والنظافةُ ضرورية لهذا الاجتماع من أجل الحفاظ على الصحة لذا حُدِّد الموعد له قرب منتصف النهار. ولم ير الدين العالمي أي الإسلام الشدةَ مثل موسى -أي مَن عمل يوم السبت فليُحرق- مناسبة، وحسب الاجتماع لمدة طويلة مخلا بالصحة فجعل هذه الصلاة نصف صلاة الظهر، وأمر خطيبا أن يخطب بحسب مقتضى الحال والحاجة. وأمر الناسَ أن ينتشروا بعد صلاة الجمعة. ولاجتماع أهل البلدات والقرى حدّد صلاة العيد. وبما أن هذا الاجتماع يكون حاشدا ويُعقد مرتين فقط في العام ويكثر فيه الناس لذا أمرهم أن يغيّروا اللباس ويستخدموا العطور كما عند صلاة الجمعة. وبناء على كثرة الناس في هذا الاجتماع أُمر أن يكون اجتماع العيد في الميدان خارج المدينة حتى لا يواجه الناس شح الهواء المنعش. وبما أن الميدان يصبح مكان الاجتماع وكان هناك خوف حر الشمس في العمران لذا حدِّد وقت العيد في بداية النهار.
الدافع الروحاني في صلاة العيد هو الصلاة ذات ركعتين كما هناك محاضرة بعد الصلاة حول أمور ضرورية.
توجد عادة المهرجانات في الأقوام كلها، وهي مبنية على مصالح دنيوية مفيدة. إن مهرجانات الأديان والأقوام كلها تخلو تماما عن التوحيد الخالص، إذ يُعبد في بعضها غير الله، وبعضها مبنية على أفكار دنيوية فانية لا بقاء لها ولا علاقة لها مع عظمة الله. أما المهرجان الإسلامي أي العيد فيفوق مهرجانات العالم كلها في الروحانية.
ثم كانت هناك حاجة إلى مكان رئيسي لاجتماع المسلمين كلهم حتى ينخرط الإخوة من البلاد المختلفة في سلك علاقة الإسلام، ولكن أولا كان من المحال أن يجتمع المسلمون كلهم وجُلّهم في مثل هذا الاجتماع بمن فيهم الغني والفقير، وكذلك لم تُتوقع فائدة كبيرة من حضور الفقراء والمحاجين لذا فقد أُمر: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.
والمعلوم أيضا أن الرفاهية المتزايدة والاستكبار هما المرضان الفتاكان للأغنياء والمعاديان لتقدّمهم. السفر الطويل، وهجر الأحبة والأقارب وتحمل البرد والحرّ والاطلاع على علوم البلاد المختلفة وفنونها، والإلمام بالمذاهب والعادات المختلفة يستأصل الكسل والأنانية جيدا.
إن شعائر الحج تعادي الكِبر والأنانية أيما معاداة. كم يشجع الناسَ الماديين والغارقين في الملذات تركُ أسباب الزينة والتجمُّل والمشيُ إلى عدة أميال مع الفقراء حاسري الرأس! باختصار، ما هو الحج؟ إنه مدعاة لجعل المسلمين محنّكين ونشيطين.
لا شك أن القدرة التي يملكها الأثرياء على نقل فوائد دولة إلى أخرى، لا يملكها الفقراء بوجه عام. أيّ مكان كان الأنسب ليكون مكانا رئيسا لهذا الغرض؟ لم يكن هناك مكان أنسب من مكة لأنها أولا وقبل كل شيء مبدأ الإسلام. وثانيا: هي تذكار الذين بسبب سعيهم وجهدهم استُؤصلت أقوى أنواع الوثنية من العالم، وقامت وحدانية الله الخالصة.
هذه المدينة كانت المولد الحقيقي للذين صدرت منهم كافة المساعي الجميلة لنشر الإسلام. فإذا كان هناك شيء تذكاري في العالم يمكن أن ينفخ الحماس فلا يمكن أن يكون أفضل من مكة. فكان ممكنا بل ضروريا أن يصاحب الأغنياء -الذين وجب عليهم الحج- بعض من خدامهم أيضا للحج، كذلك يمكن أن يصل إلى هناك بعض من الفقراء مدفوعين بالحب، لذا فقد قرّر الإسلام من أجل الوحدة الكاملة أن يكتفي جميع الناس برداءين اثنين، ويكون الأغنياء والفقراء على السواء على وضع بسيط، حاسري الرأس، دون أن يلبسوا قميصا لكي تبلغ الوحدة فيهم درجة الكمال.
(1) هذه الحالة تسمّى حالة الإحرام. لقد سمعتُم شيئا من الجمال العقلي، فاسمعوا المزيد منه. المرحلة الأولى للزينة والجمال هو الحلاقة وقصّ الشعر، ولكن ذلك ممنوع في تلك الأيام، وهذا ما يجده محبو الأناقة محالا. ونظير هذا الوضع مذكور في الكتب المقدسة.
“كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِ افْتِرَازِهِ لاَ يَمُرُّ مُوسَى عَلَى رَاسِهِ. إِلَى كَمَالِ الأَيَّامِ الَّتِي انْتَذَرَ فِيهَا لِلرَّبِّ يَكُونُ مُقَدَّسًا، وَيُرَبِّي خُصَلَ شَعْرِ رَاسِهِ“. (العَدَد 6: 5)
(2) ثم في هذا المسجد -الذي سأُثبت وجوده وعظمته لاحقا- هناك عبادة على غرار عبادة إبراهيمية، وتسمَّى الطواف وهو عبارة عن الدوران حول مسجد الله بضع مرات كدوران الفراشة حول المشعل. وإذا أردتم أن تروا الدليل على هذا الطواف فانظروا في سِفر المزامير 26.
(3) ثم السعي بين الصفا والمروة تذكارا لأمّ إسماعيل، هاجر عليها السلام. عندما ترك إبراهيمُ هاجرَ هنا سألتْه: إلى من تسلّمنا؟ قال إبراهيم – عليه السلام -: إلى الله وبأمره. فقالت هاجر: فلن يضيّعنا الله إذًا. فعندما هرولت هنا وهناك بشدة العطش بحثا عن الماء أعانها الله بزمزم. مثل هذه التذكارات كانت رائجة في أولاد إبراهيم – عليه السلام -، انظروا: سِفر التكوين 35: 15. بل حمل يشوع من البحر 12 حجرا- ذُكرت في سِفر يشوع4، تذكارا فقط ووضعها خارج البحر. أما تقليد الإتيان بحزمة أول الحصيد المذكور في اللاويين 23: 10 الذي يعتقد به المسيحيون تذكارا لقيام المسيح حيا.
(4) ثم الذهاب إلى جبل عرفات شعيرة ضرورية من شعائر الحج، حيث لا يوجد حجر ولا شجر، بل هناك ذكرٌ ودعاء منه فقط. لقد قال موسى أيضا لفرعون: “هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيُعَيِّدُوا لِي فِي الْبَرِّيَّةِ“.
(5) ثم هناك حلق الرأس، وسببه أنه ظل مكشوفا إلى عدة أيام ووقع فيه الغبار. فأيّ سبيل أفضل لعامة الناس من حلق الرأس أو قص الشعر بدلا من غسله؟ عادة الحلق والدليل عليها مذكور في الكتب المقدسة. انظروا: سِفر أيوب 1: 20. وجاء في سِفر العدد: وَيَحْلِقُ النَّذِيرُ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ رَاسَ انْتِذَارِهِ، وَيَاخُذُ شَعْرَ رَاسِ انْتِذَارِهِ“. (اَلْعَدَد 6: 18) أما في سِفر اللاويين 14: 9 فقد ذُكر: يحْلِقُ كُلَّ شَعْرِهِ: رَاسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَحَوَاجِبَ عَيْنَيْهِ وَجَمِيعَ شَعْرِهِ يَحْلِقُ“؟ ثم اقرأوا في إنجيل متى 8: 4 السماح بذلك واتباع هذه العادات.
القربان: “وَإِذَا مَاتَ مَيْتٌ عِنْدَهُ بَغْتَةً عَلَى فَجْأَةٍ … يَاتِي بِيَمَامَتَيْنِ أَوْ بِفَرْخَيْ حَمَامٍ إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ * فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً … وَهذِهِ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ: يَوْمَ تَكْمُلُ أَيَّامُ انْتِذَارِهِ يُؤْتَى بِهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، * فَيُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ لِلرَّبِّ خَرُوفًا وَاحِدًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا مُحْرَقَةً، وَنَعْجَةً وَاحِدَةً حَوْلِيَّةً صَحِيحَةً ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا صَحِيحًا ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ * وَسَلَّ فَطِيرٍ مِنْ دَقِيق أَقْرَاصًا مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقَ فَطِيرٍ مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ مَعَ تَقْدِمَتِهَا وَسَكَائِبِهَا“. (اَلْعَدَد 6: 9 – 15) وانظروا أيضا: سِفر التكوين 8: 20، و12: 8.
كثرة القرابين: انظروا سِفر أخبار الأيام الثاني 7: 5، وسفر الملوك 8: 5. بقي القول بأن هناك تقليد الناقوس الأبدي في الكتب المقدسة للاجتماع. أما الإسلام فقد فرض مقابل ذلك كلمات الآذان الجميلة. وفي الحجّ: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
استقبال القبلة: صحيح تماما دون شائبة من الشك أن السجود يمثّل أقصى درجات التواضع والعبودية. لا شك أنه فعل جميل ولكن لا بد أن يكون له اتجاه. ويجب أن يكون فيه خَلقٌ لذلك فقد عيّن الشارع جهة معينة بنفسه، وفي ذلك منافع كثيرة.
أولا: يجب على الجميع أن يعبدوا المعبود الحقيقي مجتمعين على قلب رجل واحد.
ثانيا: أن يكون هناك ما يميّز بين المسلمين والمنافقين، لذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلي في مكة مستقبلا البيت المقدس وعندما جاء إلى المدينة استقبل مكة بعد فترة وجيزة. فقد أطلع القرآن الكريم بنفسه على هذا السر حيث يقول: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}.
ثالثا: كيلا يقع الخلل في نظام الجماعة وليبقى المسلمون من العالم كله متجهين إلى جهة واحدة.
رابعا: استقبال القبلة علامة ملة إبراهيم وما عمل به أولاده بالتواتر.
“فَمَزَّقَ يَشُوعُ ثِيَابَهُ وَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ إِلَى الْمَسَاءِ“. وكذلك في الملوك الأول 8: 28 – 48.
إن أسلوب دخول القدس مذكور في سِفر اللاويين 16، سفر النبي ملاخي 3: 14. وفي إشعيا 45: 14: “وَلَكِ يَسْجُدُونَ. إِلَيْكِ يَتَضَرَّعُونَ قَائِلِينَ: فِيكِ وَحْدَكِ اللهُ“.
الدعاء في بيت الله مقبول: انظروا: أخبار الأيام الثاني 7: 15، والمزامير 99: 9، والمزامير 138: 2.
“فَلَمَّا عَلِمَ دَانِيآلُ بِإِمْضَاءِ الْكِتَابَةِ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ، وَكُواهُ مَفْتُوحَةٌ فِي عُلِّيَّتِهِ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْم“. (دَانِيآل 6: 10)
ما هي حقيقة الحجر الأسود؟ إنه حجر غير منحوت. لما كانت الحجارة المنحوتة تُعبَد فاتخذ إبراهيم وأولاده حجارة غير منحوتة تذكارا أو علامة. فقد جاء في سفر التكوين: “بَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَاسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا، وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَاسِهِ. (سِفْرُ التَّكْوِينِ 28: 18، و35: 15) وفي يشوع 4: 5 – 6: وَارْفَعُوا كُلُّ رَجُل حَجَرًا وَاحِدًا عَلَى كَتِفِهِ حَسَبَ عَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ * لِكَيْ تَكُونَ هذِهِ عَلاَمَةً فِي وَسَطِكُمْ” (يَشُوع 4: 5 – 6). لا يستطيع القساوسة أن ينكروا هذه الأمور.
في الزمن الراهن أيضا -ناهيك عن الزمن الماضي- تسود لغة تمثيلية هذه. إن كثيرا من القصص في الهند توجد في لغة تمثيلية، كما أن لغة تمثيلية معمول بها في كثير من الجرائد. إن اللغة التمثيلية في قصة الإسكندر ودارا معروفة. يعترف بها المسيحيون أيضا ويحسبون 12 حجرا ليشوع إشارة إلى 12 حواريا، ويرون صليب المسيح الكبش إشارة إلى قرابين اليهود بل يحسبون الختان أيضا علامة على قتل عيسى بن مريم. الحزمة التي أُمر بإتيانها في سِفر اللاويين 23: 10 يحسبونها قيام المسيح حيا.
أقول بأنه قد ورد في إنجيل متى 21: 33 – 42 ما مفاده: إن الله تعالى عمّر بني إسرائيل وجعلهم مشرفين على حديقة (أي شريعة) ولكنهم عصوا أمره لدرجة قتلوا الابن المتسامح الوحيد لذا سيعاقبهم الله، الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ. والموضوع نفسه مذكور في إشعيا 28: 16، ودانيال 2: 34. كان اليهود يسمون الأقوام الأخرى أيضا حجرا، وكان بُناة القوم هؤلاء يحقّرون بني إسماعيل منذ القِدم إلا العرب ص 509 لأنهم كانوا قوما غير مثقفين …. لقد ذُكر الكلام عن مكة في إشعيا 28: 16، ومتى 21: 42، ودانيال 2: 34 أنه قد نُصب حجر غير منحوت في زاوية بيت الله وكان يقال أنه يُلمَس باليد فقط علامةً للبيعة والإقرار. وكان المراد من ذلك أنه سيكون حجر الزاوية في مدينة مقدسة، والبيعةُ على يده ضروريه. فمن سقط عليه يتمزق ومن سقط عليه هو سيسحقه. انظروا حالة بابل بحسب البيان في سِفر دانيال 2.
يقول الجهال بأن المسلمين يعبدون الحجر. فليقل لي الآريون والمسيحيون ما المراد من العبادة أصلا؟ لا بد من الحمد والمدح والدعاء والتركيز في العبادة. فليقولوا لي هل يمدح المسلمون هذا الحجر أو يدعون منه ويركزون عليه؟ لا يوجد ذكر الحجر في أيّ من العبادات الإسلامية بل لا يوجد فيها ذكر مكة أيضا. فكيف يمكن عبادته؟ إذا كان لمسه باليد أو تقبيله عبادة فإن جميع الناس يعبدون زوجاتهم، والذين يعبدون الله سيكونون عابدين باللسان فقط. الحق أن هذا الكلام هو بلغة التمثيل في المقام المقدس أن حجر الزاوية لبناء النبوة الطاهرة سيخرج من مكة. بل قال المسيح نفسه في إنجيل متى 21: 33 أنه مثال. انتهى.
الدليل على وجود الكعبة وبيت الله:
جاء في سِفر التكوين 12: 6 – 9 ما مفاده: بنى إبراهيمُ مذبحا للرب في كنعان. ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيل وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ. وَلَهُ بَيْتُ إِيلَ مِنَ الْمَغْرِبِ وَعَايُ مِنَ الْمَشْرِقِ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَدَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ. ثمَّ ارْتَحَلَ أَبْرَامُ ارْتِحَالاً مُتَوَالِيًا نَحْوَ الْجَنُوبِ“. (سِفْرُ التَّكْوِينِ 12: 6 – 9)
إن بيت إيل المذكور هنا هو مكة حتما لأن كنعان تقع في حدود الجزيرة العربية. وقد ورد أنه بنى مذبحا ثم ارتحل ونصب خيمة في مكان، ومن هناك بنى مذبحا آخر، وذكر بيت إيل في الجنوب، أي بيت إيل البحري. اليَمُّ يعني البحر. والكلمة الواردة هناك هي بيت إيل يم، وورد في الأخير أن إبراهيم رحل رويدا رويدا إلى الجنوب. ويقول المسيح أن أميرة الجنوب بل أميرة مدينة سبأ جاءت إلى سليمان. من الواضح أن بيت الله الذي يُسمَّى مكة تقع في جنوب كنعان. وإضافة إلى ذلك فقد ورد عن إبراهيم في سِفر التكوين 13: 3 أنه رحل إلى الجنوب ووصل من الجنوب إلى بيت إيل. والجملة الواردة بعدها في التراجم الحالية ليست جملة التوراة. إن توافق التقاليد القومية والتواتر العملي في البلاد، وعادة الختان ضمن عبادات إبراهيمية، والاتفاق في تقليد القربان وإجماع أقوام العرب كلهم على هذه التقاليد نسلا بعد نسل يشهد بجلاء أن لإبراهيم علاقة مع هذا المسجد الذي يُسمّى بيت الله.
ثم ليس هناك أمرٌ في قانون الطبيعة وليس هناك علم ضروري وبديهي يُكرهنا على الانحراف من هذا الاعتقاد.
لقد جاء في إشعيا 60: “تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَاتِي مِنْ شَبَا … كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ (ابن إسماعيل) تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ. تَصْعَدُ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَأُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي.*
مَنْ هؤُلاَءِ الطَّائِرُونَ كَسَحَابٍ وَكَالْحَمَامِ إِلَى بُيُوتِهَا؟ * إِنَّ الْجَزَائِرَ تَنْتَظِرُنِي، وَسُفُنَ تَرْشِيشَ فِي الأَوَّلِ … * بَنُو الْغَرِيبِ يَبْنُونَ أَسْوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ يَخْدِمُونَكِ. لأَنِّي بِغَضَبِي ضَرَبْتُكِ، وَبِرِضْوَانِي رَحِمْتُكِ* وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ دَائِمًا. نَهَارًا وَلَيْلاً لاَ تُغْلَقُ … وَبَنُو الَّذِينَ قَهَرُوكِ يَسِيرُونَ إِلَيْكِ خَاضِعِينَ، وَكُلُّ الَّذِينَ أَهَانُوكِ يَسْجُدُونَ لَدَى بَاطِنِ قَدَمَيْكِ، وَيَدْعُونَكِ: مَدِينَةَ الرَّبِّ، «صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ * عِوَضًا عَنْ كَوْنِكِ مَهْجُورَةً وَمُبْغَضَةً بِلاَ عَابِرٍ بِكِ … إلخ.
في إشعيا 54: 1 – 10: تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. (لم يكن في مكة وفي قوم قريش نبي ورسول، لذلك سُمُّوا عاقرا) أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ، لأَنَّ بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ، قَالَ الرَّبُّ. (المسلمون أكثر عددا من اليهود. والنصارى والمجوس المعاصرون انفصلوا عن أورشليم، فهم ليسوا أولاد أورشليم الظاهرية) أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ، وَلْتُبْسَطْ شُقَقُ مَسَاكِنِكِ. لاَ تُمْسِكِي. أَطِيلِي أَطْنَابَكِ وَشَدِّدِي أَوْتَادَكِ، * لأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الْيَسَارِ، وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَمًا، وَيُعْمِرُ مُدُنًا خَرِبَةً. لاَ تَخَافِي لأَنَّكِ لاَ تَخْزَيْنَ، وَلاَ تَخْجَلِي لأَنَّكِ لاَ تَسْتَحِينَ. فَإِنَّكِ تَنْسَيْنَ خِزْيَ صَبَاكِ، وَعَارُ تَرَمُّلِكِ لاَ تَذْكُرِينَهُ بَعْدُ * لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ، وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، إِلهَ كُلِّ الأَرْضِ يُدْعَى * لأَنَّهُ كَامْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ الرُّوحِ دَعَاكِ الرَّبُّ، وَكَزَوْجَةِ الصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ، قَالَ إِلهُكِ * لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ، وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ. * بِفَيَضَانِ الْغَضَبِ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ، قَالَ وَلِيُّكِ الرَّبُّ. * أَنَّهُ كَمِيَاهِ نُوحٍ هذِهِ لِي. كَمَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ تَعْبُرَ بَعْدُ مِيَاهُ نُوحٍ عَلَى الأَرْضِ، هكَذَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلاَ أَزْجُرَكِ.“
هذا المضمون ممتد في سِفر إشعيا 54،. في إشعيا 60: “قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. 2لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى. 3فَتَسِيرُ الأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَالْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ.” (إِشَعْيَاءَ 60: 1 – 3) انتهى باختصار.
نستطيع أن نقول بكل يقين بأن هذا كله وصفُ مكة، وإلا قولوا لنا أين كانت تُجمع جِمال عيفة وشبا؟
وأين كانت أغنام وكباش قيدار وبنايوت تقدَّم كنذر؟ إذا أُريدتْ المبالغة في مدح شيء في العبرية تُطلَق عليه كلمة “ملكة” أو امرأة. وإذا أنكرتم فانظروا سِفر حزقيال: 16 … إلى آخره. (فصل الخطاب، 167 إلى 175)