الأصل أنَّ الله تعالى سمى أزواج النبي ﷺ أمهات المؤمنين والمؤمنين حصرا. وبرّ الأُم والإحسان إليها منصوص عَلَيْهِ بالقطع كما أثبتنا في المنشور. فمن يبتغي وراء ذلك تفسيرات لآيات في مواضع أخرى يريد أن تكون ناسخة لهذا الحكم فقد اتهم الله بالتراجع عن آية محكمة وألغى قول الله ﷻ المتعلق بأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أنهن أمهات المؤمنين وأن مجرد قول “أف” هو معصية عند الله ﷻ.
لذلك فقوله تعالى:
{إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارً}
كان في سياق رواه البخاري أنه حدث حين أكل النبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم العسل في بيت حفصة رَضِيَ اللهُ عَنها وأرْضاها وأطال البقاء فغارت بعض نساءه رَضِيَ اللهُ عَنْهُن وقررن أن يحدثنه ﷺ حول ذلك فقرر ﷺ أن لا يأكل من العسل ولذلك قال تعالى له:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}
أي أن الحرام هو ما حرمه الله تعالى وأن أي تحريم أو امتناع فهو أمر شخصي لا ينسحب على الآخرين حسب الظرف والضرورة كما قال تعالى عن تحريم يعقوب (إسرائيل) بعض الطعام على نفسه بسبب مرض أو ضرورة. لا بد أن التحريم لم يكن تشريعاً من دون الله بل أمر خاص به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أولاً ثم لعدم خلق مشكلة بين أزواجه اللاتي يحبهن ويقدرهن رَضِيَ اللهُ عَنهن ثانيا .. من هنا وردت قصة العسل التي تنطبق على هذا المبدأ .. هذا التعليم الرباني شهادة لعظمة الخلق النبوي .. أي يا أيها الناس انظروا لهذه السيئة (اذا صح التعبير) التي وردت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هي عندكم حسنة بل قد لا تجدها عند المحسنين منكم.
أما الطلاق فلم يثبت أن طلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إحدى زوجاته أبدا بل ورد العكس كما في صحيح البخاري من رواية ابن عباس عن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنه سأل النبي ﷺ هل طلق إحدى زوجاته فأجاب بـ “لا“. كما أن من علو مكانة نساء النبي ﷺ هي أن لا يتزوجهن أحد من بعده تكريماً لهن وهذا كاف بالرد على الطاعنين فيهن رضوان الله عليهن. فهل في زواج الأرملة إيذاء لزوجها الميت؟ إن كان كذلك، فلماذا إذن يسمح الإسلام بإيذاء المؤمنين بسماحه لأراملهم بالزواج من بعدهم، وإن لم يكن فيه إيذاء فلماذا منع زوجات الرسول ﷺ من التزوج من بعده؟
ما دام زواج الأرملة جائز بينما زوجات الرسول ﷺ مستثنيات من القاعدة لكونهن أمهات المؤمنين فما كان لمؤمن أن يتزوج بأمه. فلم يحرم زواج نسائه من بعده لأنه فيه أذى له، بل هو محرم لأنهن أمهات المؤمنين.. لذا قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}
لا بد من جمعها مع قوله تعالى:
{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}
أي أن جميع زوجات النبي ﷺ هن أمهات المؤمنين ولا يجوز التزوج بأحدهن من بعده لهذا السبب والمقام العظيم الذي شرفهن الله تعالى به.
فهذه الآية تتحدث عن حالة إذا تحققت فالله سوف يعوضه عمن تركته خيراً منها ولا يعني أن هنالك خير منهن أبدا كقوله تعالى:
{قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِى ۖ وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِىٓ إِلَىَّ رَبِّىٓ ۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌۭ قَرِيبٌۭ}
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُۥ ۚ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَٰفِرِينَ}
فهل يصح أن نعتقد بأن النبي ﷺ يمكن أن يكون ضالا أو مقصراً في تبليغ رسالة الله ﷻ؟ فهذا وصف لحال مغاير للواقع يقصد به محاججة ومخاطبة وتعليم لما قد يحدث في حال المخالفة والمخالفة غير واردة أصلا. ومثال عَلَيْهِ أيضا قوله تعالى:
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌۭ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ ۚ أَفَإِي۟ن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ}
فلا يمكن أن نعتقد للحظة أنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يمكن أن يقتل لورود نص يمنع ذلك “ولو تقول علينا بعض الْأَقَاوِيل“، فهذا في سبيل المحاججة. وكذلك ورد النص حول تقلد أزواج النبي ﷺ لمنصب أمهات المؤمنين وعدم إباحة الزواج بهن من بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وقد أسبغ الله تعالى لقب أمهات المؤمنين على أزواج النبي ﷺ رضوان الله عليهن وذلك بعد أن رفع كل رجس وأذى قد يتبادر إلى أذهان المغرضين حولهن وطهرن من فوق سبع سموات وبنص صريح. يقول تعالى:
{وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًۭا}
فهل يرى الذي ينشر الشبهة حول هذه الآية بأن الله تعالى والعياذ بالله وبّخ نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عندما قال له “لم تحرم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضات أزواجك” و “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” و “عبس وتولى” ؟ هل كان الله يعنف النبي ﷺ ويوبّخه ؟
الجواب حاشا وكلا بل هذا هو التعليم والتربية الإلهية الذي سجّله القرآن الكريم ليشهد ﷻ على مصدر تربية النبي ﷺ وأزواجه رضوان الله عليهن أجمعين، ويكفي فخراً أنَّ مَن ربّى النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأزواجه هو الله تعالى وليس أحداً من البشر .. مع ذلك يسميه الخصوم توبيخاً ! سبحن الله !
فهذه التربية الإلهية لم يختص بها غير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأزواجه رضوان الله عليهن أجمعين.
أما قوله تعالى “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت” فقد جاءت في سياق الحديث عن زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا عن غيرهن، ولن يفيد الشيعة التفافهم على النصوص الواضحة ولن يتغلبوا على القرآن الكريم أبداً مهما التفّوا. نسأل الله تعالى أن يفتح بصيرتهم اللّهُمّ آمين.
والخلاصة هي أنَّ نجمع النصوص لا أن نقتطع منها ونبني عقيدة هوائية فنضل سواء السبيل.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ