يذكر القمي (توفي في القرن الرابع الهجري) في تفسيره لهذه الآية:
{وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}
“قوله: {وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قال: فإنه حدثني أبي عن وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن أبي الأعز عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالس في أصحابه إذ قال إنه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم، فخرج بعض من كان جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون هو الداخل، فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام.” (تفسير القرآن، علي بن ابراهيم القمي)
كذلك جاء في كتاب “المناقب” لابن شهر آشوب:
“وقال النبي صلى الله عليه وآله: يدخل من هذا الباب رجل أشبه الخلق بعيسى، فدخل عليٌّ عليه السلام فضحكوا من هذا القول، فنزل: (وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ).” (وأيضا في “بحار الأنوار” 39)
فضرْب ابن مريم مثلا يعني تمثيل المسيح بمثيل له وشبيه، والرواية تقول بوضوح بأنه كان تشبيها وتمثيلا لعلي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بعيسى عَلَيهِ السَلام، ولا يخفى على أحد بأن تشبيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأمر الله تعالى علياً رَضِيَ الله عَنْهُ بعيسى عَلَيهِ السَلام إنما هو تشبيه للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الذي سيخرج من نسله كما في الرواية التي دعى فيها النبي ﷺ لعلي رَضِيَ الله عَنْهُ:
“اللهم أعطه جلادة موسى واجعل في نسله شبيه عيسى” (“غيبة النعماني”، ص 144-145 “بحار الأنوار”، جزء 28)
ويتضح ذلك من حديث أن المهدي من نسل فاطمة رَضِيَ اللهُ عَنها:
عن أم سلمة ؓ أن النبي ﷺ قال: “المهدي من عترتي، من ولد فاطمة” (رواه أبو دَاوُدَ، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” 4284 وقال: صحيح)
وفي ذلك أيضا دلالة على أن المسيح هو الإمام المهدي نفسه كما في حديث لا مهدي إلا عيسى.
أما قصة الزبعري الواردة في عدد من كتب التفسير فهذه الرواية بما فيها من وجوه الوهن والخلل ضعيفة لا يعبأ بها ونقل عن الحافظ ابن حجر أن الحديث لا أصل له ولم يوجد في شيء من كتب الحديث لا مسنداً ولا غير مسند. ويمكن القبول بها على فرض صحتها بعيدا عن أسباب النزول لأنها تستشهد بآية (مثل عيسى كمثل آدم) وآية (الذين سبقت لهم منا الحسنى) وغيرها مما يوهم أن جل القرآن الكريم والعياذ بالله كان مجرد سجال بين الزبعري وبين الله تعالى وكذلك توقّف الآية عن العمل إذ لا يستنبط منها أي فائدة مستقبلية حيث لن يدعي أحد بأن نبياً يُعبَد كالأصنام من دون الله حصب جهنم ما دام الرد قد مضى على ذلك وسبق، وذلك كله لا يصح أن يُظن بكتاب الله العَزِيز. فالرواية إن صحت فهي حوار قد يكون جرى مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فاستخدم فيه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام تلكم الآيات سابقة النزول لإقحام الزبعري فنقلها المفسرون وكأنها سبب للنزول مع عدم ادعاء أحد منهم ذلك.
أما التراشق بين السنة والشيعة حول دعوى التحريف كما في قول القمي أن قراءة الآية يضجون بدلاً من يصدون و رد الشيعة بروايات البخاري حول تحريف قراءة والليل اذا يغشى فمردّه إلى القراءات لا النصوص القرآنية الثابتة.
والخلاصة هي أن الآية تلمّح إلى أمر مستقبلي أيضا وهو أن مثيل المسيح عَلَيهِ السَلام سوف ينزل وسوف يلقى صدودا من المسلمين (قومك) أنفسهم قبل غيرهم، فلا تكن في مرية منه وَإِنَّهُ لعلم للساعة كما يتضح بجلاء من الآيات البينات.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ