نقل بعض أهل الحديث عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبيّ ﷺ أنّه قال:
“المهدي يواطئ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي.”
وفي بعضها “لا تذهب الدنيا -أو لا تقوم الساعةـ حتّى يبعث الله رجلاً وفي بعضها “حتّى يملك الناسَ رجلا”- من أهل بيتي يواطئ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي.”
ولكنها زيادة معلولة كما سنرى.
● روى هذا الحديثَ بعض محدّثي أهل السنّة عن ابن مسعود ؓنفسه، كما في مسند الإمام أحمد كالتالي:
“حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبي ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي».” (مسند أحمد، ج 1، ص 377)
“واسمه اسمي”
فقط !
كما ورد في عدّة مواضع أيضا من المسند مثل: مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ص 377. وكذلك ج 1، ص 376 – 377.
● روى البعض الآخر من محدّثي أهل السنّة كالترمذي في سُننه هذا الحديث عن ابن مسعود، وفيه (واسمه اسمي) فقط، ثمّ قال الترمذي: “وفي الباب: عن عليّ، وأبي سعيد، وأم سلمة، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن صحيح.” وهو كالتالي:
“حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي، أخبرنا أبى أخبرنا سفيان الثوري، عن عصام بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي».” (سنن الترمذي، ج 3، ص 343)
وفي سنن الترمذي أيضا:
“حدثنا عبد الجبار بن العلاء العطار، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي».” (سنن الترمذي، ج 3، ص 343. قال عاصم: هذا حديث حسن صحيح.)
● توجد لهذا الحديث بهذا اللفظ أسانيد أخرى ترجع إلى كلّ هؤلاء الصحابة -غير ابن مسعودـ تتفّق في خلوّها من زيادة (واسم أبيه اسم أبي).
● لقد حذا أكثر الحفّاظ حذو الترمذي، فقد أخرج الطَّبرانيُّ الحديثَ في معجمه الكبير عن ابن مسعود ؓمن طرق كثيرة أخرى بلفظ «إسمه اسمي».
والحديث: “حدثنا موسى بن زكريا، نا محمد بن يحيى الأزدي، نا داود بن المحبر، نا المحبر بن قحذم عن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ: «لتملأن الأرض جورا وظلما، فإذا ملئت جورا وظلما بعث الله رجلا اسمه اسمي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما».” (المعجم الأوسط للطبراني، ج 8، ص 178)
● أخرج الحاكم في “المستدرك على الصحيحين” الحديث المذكور عن ابن مسعود بلفظ (يواطى اسمه اسمي) فقط، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يُخرجاه. كما تابعه على ذلك الذهبي في تلخيص المستدرك، ورواه البَغَوي في “مصابيح السنّة” عن ابن مسعود دون الزيادة، وصرّح بحُسن الحديث.
● صرّح المقدسي الشافعي بأنّ أئمّة الحديث لم يرووا تلك الزيادة، فقال ـبعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون الزيادة- : “أخرجه جماعة من أئمّة الحديث في كتبهم، منهم الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه، والإمام أبو داود في سننه، والحافظ أبو بكر البيهقي، والشيخ أبو عمرو الداني، كلّهم هكذا أي بدون زيادة (واسم أبيه اسم أبي).”.
ثمّ أخرج المقدسي الشافعي جملة من الأحاديث المؤيّدة له، مُشيراً إلى من أخرجها من الأئمة الحفّاظ كالطبراني، وأحمد بن حنبل، والترمذي، وأبي داود، والبيهقي، عن عبد الله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وحذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
● استقصى الحافظ أبو نعيم الاصفهاني (ت 430 هـ) في كتابه «مناقب المهدي» طُرق هذا الحديث عن عاصم بن أبي النجود، عن ابن مسعود، حتّى أوصلها إلى 31 طريقاً، ولم يُرْوَ في واحد منها عبارة (واسم أبيه اسم أبي)، بل اتفّقت كلّها على رواية (اسمه اسمي)، وقد نقل نصّ كلامه الكنجي الشافعي (ت638هـ) في كتابه «البيان في أخبار صاحب الزمان عليه السّلام» ثمّ عقّب على ذلك بقوله: “ورواه غير عاصم، عن زَرّ ـوهو عمرو بن حرّة ـ عن ابن مسعود، كلّ هؤلاء روَوا (اسمه اسمي)، إلاّ ما كان من عُبيد الله بن موسى، عن زائدة عن عاصم عن ابن مسعود، فإنّه قال فيه «واسم أبيه اسم أبي».
إذن الحديث من دون الزيادة المزعومة مرويٌ عن خمسة من الصحابة، أو ستة مع حديث أم سلمة الذي عرض له الترمذي، ناهيك عن كونه مروي عن زر عن ابن مسعود من طريقين، هما: عاصم عن زر، والثاني: عمرو بن مرة عن زر خالٍ من هذه الزيادة.
لا يمكن إهمال اتفاق هؤلاء الائمة الحفاظ على إسقاط الزيادة (واسم أبيه اسم أبي) لو كانت مروية حقا عن ابن مسعود ؓ!
إذن فهذه الزيادة المعلولة لا اعتبار لها مع اجتماع هؤلاء الأئمّة على خلافها، ومن ثم فالحديث الحق هو:
“يواطئ اسمه اسمي.”
كما أن الزيادة على فرض صحتها لا تخالف إذ تُحمَل على تطابق الصفات لا الإسم، وفي هذا يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“وأمّا توارد اسم الأبوين كما جاء في حديث نبيّ الثقلَين، فاعلم أنه إشارة لطيفة إلى تطابُق السرَّين من خاتم النبيين. فإن أبا نبينا صلى الله عليه وسلم كان مستعدّا للأنوار فما اتفق حتى مضى من هذه الدار، وكان نورُ نبيّنا موّاجًا في فطرته، ولكن ما ظهر في صورته، والله أعلم بسرّ حقيقته، وقد مضى كالمستورين. وكذلك تشابهَ أبُ المهدي أبَ الرسول المقبول.” (سر الخلافة)
ويقول عليه السلام: “واعلم أن المراد من مواطأة الاسمين مواطأة روحانية لا جسمانية فانية، فإن لكل رجل اسم في حضرة الكبرياء، ولا يموت حتى ينكشف سرّ اسمه سعيدًا كان أو من الأشقياء والضالين. وقد يتفق توارُدُ أسماء الظاهر كما في “أحمد” و”أحمد”، ولكن الأمر الذي وجَدْنا أحقّ وأنشد، فهو أن الاتحاد اتحاد روحاني في حقيقة الاسمين، كما لا يخفى على عارفٍ ذي العينين.” (سر الخلافة)
وقد كان كان اسم المسيح الموعود عليه السلام بالفعل أحمد. أما غلام فهو جزء من اسم العائلة؛ فقد كان اسم أبيه ميرزا غلام مرتضى، واسم أخيه ميرزا غلام قادر. ومع أن “غلام” هي جزء من اسم العائلة، فهي تعني الخادم والعبد، وتشير أيضا إلى حقيقة مواطأة اسم الإمام المهدي لاسم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إن المواطأة لا تعني المطابقة، وإلا لقال صلى الله عليه وسلم: اسمه اسمي. ومن المواطأة تعني أيضا التقديم والتهيئة والتمهيد، وأيضا اتباع الخطوات؛ أي كأنه يضع أقدامه حيث وضع النبي صلى الله عليه وسلم أقدامه، وتبعه في كل صفة من صفاته. وهذا ما تحقق فعليا في الإمام المهدي عليه السلام، وما يشير إليه اسم “غلام أحمد”؛ أي خادم أحمد حيث مرزا تعني من بيت النبي ﷺ، وغلام أي خادم، أحمد أي اسم النبي ﷺ. ففي الحقيقة لا يواطئ مُحَمَّدا ﷺ إلا مرزا غلام أحمد.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ