“حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ “ إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ ”.“(البخاري)
يحتج خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية كثيراً بحديث اللبنة الأخيرة بأنه يعني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قطع كل سبيل لبعثة نبي في أمته من بعده مع أنهم جميعا يعتقدون بنزول المسيح عَلَيهِ السَلام من بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو نبي ! يقولون بأن حديث اللبنة يعني أن النبي ﷺ هو أخر لبنة أو طابوقة في قصر النبوة حيث بقيت لبنة واحدة فقط ليتم بناء القصر وأن عيسى ابن مريم عَلَيهِ السَلام يشغل طابوقة قبل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فاذا عاد بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فهو قبله بالأصل. هذا هو تفسيرهم للحديث ومعنى ختم النبوة أي ليست القضية كمال الشريعة المحمدية بل ترتيب الأنبياء كطابوق في قصر اكتمل إلا طابوقة واحدة وهي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ! بالتأكيد هذا يسيء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم والدين، الإساءة الأولى هي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بذلك ليس له أي أفضلية على من سبقه من الأنبياء بل مجرد “كِمالة عدد” كما يقال في المثل الدارج، والإساءة الثانية هي للدين حيث يعني ذلك أن النبوة هي مجرد عدد وكان العدد ناقصاً فاكتمل بطابوقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم !
أما الجماعة الإسلامية الأحمدية فتفسر هذا الحديث بأنه يعني أن القصر يمثل الشريعة، ومع أن شريعة كل نبي كانت كاملة له وَلقومه الذين بُعِث فيهم ألا إن الشريعة المحمدية كانت هي اللبنة الأخيرة في هذا البناء الجميل للشرائع فوصل إلى الكمال بالشريعة المحمدية فلا شريعة بعدها ! أما ابن مريم عَلَيهِ السَلام فإن نزوله وهو تابع لشريعة أخرى (شريعة موسى عَلَيهِ السَلام) يعني كسر اللبنة الأخيرة أي الشريعة المحمدية الخاتمة بالإضافة لكونه بهذا القياس نبي سابق ولاحق وكأن الله تعالى رفع لبنة عيسى إلى السماء ثم أعادها إلى القصر بعد موت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ! فالحق أن عيسى توفي كما توفي سائر النبيين وعلى رأسهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وسيبعَثَ الله تعالى في أمة النبي ﷺ نبياً تابعاً لشريعة سيده مُّحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلا يكسر بذلك ختم النبوة ولا شريعة الإسلام الخاتمة ولن يكون سابقا ولاحقا بل خادماً مخلصاً لصاحب الشريعة الخاتمة سيدنا وسيده مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
لنترك العلّامة وشيخ أهل الحديث الإمام ابن حجر رحمه الله يشرح لنا باختصار معنى حديث اللبنة الأخيرة في في كتابه فتح الباري الوارد في الحديث رقم 3341 في صحيح البخاري. يقول ابن حجر:
“فَالْمُرَادُ هُنَا النَّظَرُ إِلَى الْأَكْمَلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَعَ مَا مَضَى مِنَ الشَّرَائِعِ الْكَامِلَةِ.“
(فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دارالريان للتراث، المجلد 6، الصفحة 364. صحيح البخاري » كتاب المناقب » باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، حديث رقم 3341)
فمعنى اللبنة الأخيرة وختم النبوة هو كمال الشريعة المحمدية وليس ترتيب الأنبياء كما يظن خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ