بخصوص “أصابت امرأة وأخطأ عمر” فقد قال الخليفة الرابع رحمه الله في دروس القرآن أن حضرة عمر رضي الله عنه إنما قالها امتعاضا من موقف المرأة، وكأنه يقول “انظروا” وكأنني لا أعرف هذه الآية وما يقوله القرآن الكريم حول المهر!
وهذا الكلام في محلِّّه تماما، لأن حضرته كان يريد ألا يغلي الناس المهور، وهذا ما حض عليه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه والذي قال: {عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا} (مسند أحمد، كتاب باقي مسند الأنصار)
أما الآية الكريمة: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } (النساء 21) فهي لا تتحدث عن المهر بل عن العطايا التي يعطيها الزوج زوجته من هدايا وهبات وغيرها، فهذه لا حد لها، ويستطيع الزوج أن يعطي زوجته ما شاء.
الواقع أن وقوف المرأة واعتراضها على حضرة عمر رضي الله عنه كانت وقاحة، وكثيرا ما يستدل بهذه الرواية من فيهم نزعة التمرد على الخلافة. وإلا فالأدب يقتضي أن يرفع المسلم أو المسلمة رأيه للخليفة بأدب وليس على الملأ، ويضع في حسبانه أنه قد يكون مخطئا في رأيه، ويقدِّم الأمر بكل تواضع، وكثيرا ما يكتشف من لديهم قضايا كهذه أن موقفهم خاطئ وأن الخليفة ملمٌّ بما ظنوه قد غاب عنه.
علما أن هذا الأمر لم يكن افتراضا محضا.. بل هنالك في الروايات ما يفهم منه ذلك، قد رجعت إليها بنفسي في حينها، ورأيت كلاما لسيدنا عمر رضي الله عنه يفيد الامتعاض. فمن شاء فليبحث وسيجد.
يجب ألا ننسى أن هناك من وقف أيضا في وجه النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بالعدل! فهؤلاء الوقحون كانوا موجودين في زمن حضرته صلى الله عليه وسلم أيضا، ولكن ماذا قال حضرته صلى الله عليه وسلم عند ذلك؟ تنبأ بأن هؤلاء سيكونون هم وذرياتهم من الخوارج، الذين بلغ بهم التنطع الظن أنهم أعلم بالدين من علي رضي الله عنه، فخرجوا عليه وكفروه.
وهذا نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ فَقَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ وَهُوَ قِدْحُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ} (صحيح البخاري، كتاب المناقب)
– ملاحظة: المقالة جمعت من مداخلات للأستاذ تميم أبو دقة!