الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال:
“كانت لي امرأة أحبُها وكان أبي -أي عمر بن الخطاب رضي الله عنه- يكرهها، فأمرني أبي أن أطلقها فأبيتُ فذكرتُ ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك.” (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)
بالتأكيد مع جهلنا بحقيقة الحال والسبب والظروف المؤدية إلى طلب سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من ابنه تطليق زوجته، مع جهلنا هذا وعدم علمنا بحقيقة الموضوع والظرف فليس لنا إلا أن نقول بأن من الأكيد أن لسيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سبب شرعي وقد قال الصواب، فلعله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كان يعلم من هذه المرأة ما يجهله ولده كأن تكون خائنة أو على شفير الخيانة في مال زوجها وعرضه والله تعالى أعلم فطلبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من ولده أن يطلقها. إذن وبدون أدنى شك لن يأمر الفاروق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بما يخالف شرع الله تبارك وتعالى بل قال الحق. وإذا سلّمنا بأن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أخطأ في ذلك حاشا لله في ذلك وهو غير وارد البتة ولكن على سبيل الجدال، فماذا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؟ هل أخطأ هو الآخر؟ أم أن هنالك سبب وجيه جعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يوافق عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الموضوع؟ وأنقل فيما يلي ما جاء في شرح كتاب “رياض الصالحين” للإمام النووي رحمه الله حول هذا الحديث:
“ليس كل والدٍ يأمر ابنه بطلاق زوجته تجب طاعته؛ فإن رجلاً سأل الإمامَ أحمد بن حنبل رحمه الله، قال إن أبي يقول: طلق امرأتك، وأنا أحبها، قال: لا تطلقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته لما أمره عمر، فقال له الإمام أحمد: وهل أبوك عمر؟ لأن عمر نعلمُ عِلم اليقين أنه لن يأمر عبد الله بطلاق زوجته إلا لسبب شرعي، وقد يكون ابن عمر لم يعلمه؛ لأنه من المستحيل أنَّ عُمرَ بأمر ابنه بطلاق زوجته ليفرق بينه وبين زوجته بدون سبب شرعي. فهذا بعيد.” (شرح رياض الصالحين، ابن العثيمين، باب بر الوالدين وصلة الأرحام، 203/3)
وقد أورَدَ الإمام شمس الدين ابن المفلح الحنبلي رحمه الله هذه الرواية عن الإمام أحمد في القرن السابع الهجري كما يلي:
“قال سندي: سأل رجلٌ أبا عبد الله -أحمد بن حنبل- فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي؟ فقال: لا تطلقها. قال: أليس عُمر أمرَ ابنه عبد الله أن يطلق امرأته. قال: حتى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه.” (الآداب الشرعية لابن مفلح، 1/ 475)
فليس عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ولا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذين يخالفون القُرآن الكَرِيم والعياذ بالله بل لا بد ولا شك أن قولهما هو الحق.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ