ما معنى حديث عجب الذنب؟
“وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ يَعْنِي الْحِزَامِيَّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ، إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ، خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ.” (صحيح مسلم، كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، 5388)
دون الخوض في تفاصيل الإعجاز العلمي الذي ينتشر اليوم على مواقع الإنترنت كالنار في الهشيم، يُفهَم هذا الحديث على جماله وبساطته والعبرة منه كما فهمه الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم والمحدّثون أنفسهم بأنه يحث الناس على أصلهم الترابي وأنهم مهما عملوا للدنيا فلن يبقى لهم منها وفيها إلا عجز الذنب أي العظم الصغير الذي لا يتجاوز حجم حبة الحمّص والمسمّى بـ العصعص، والعبرة أن الله تعالى يعيد الإنسان كما بدأ أول مرة من بدايات صغيرة جداً فإذا هو خصيم مُّبِينٍ، فلا يأخذه الزهو والعجب فينسى الله تعالى الذي خلقه فسوّاه فعدله وهداه نعمة القلب والعقل اللذان يقودانه إلى الله تبارك وتعالى.
فالإنسان ميّتٌ في هذه الدنيا مهما عمل وسعى، وكل ما جمعه وكنزه سيؤول أخيراً إلى من يرثه طوعاً أو كَرهاً، ولن يتبقى منه ككيان وُلِدَ وعاش في الدنيا إلا العصعص (عَجْب الذَنَب) الذي يحتقره الإنسان لصغره وعدم معرفة جدواه، وهو في الحقيقة آخر ما يتبقى في الدنيا من جسده الحامل لصفاته الوراثية التي قد يستخدمها البشر من بعده في الدراسة واستعادة الخلايا وتخليقها، كل ذلك الجسد سيزول في الدنيا بعد أن يأكله التراب، وسيبقى منه جزء صغير فقط وهو عظم الذَنَب وفيه آخر صفات الإنسان الوراثية التي تحمل بصمته وخريطة خلاياه وصورته، وبعد أن يزول هذا الجزء تزول آخر بقايا الإنسان في الدنيا ويصبح فيها من العدم. ولهذا رأى الإمام مُسْلِم أن يُدرج هذا الحديث في باب (مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ) أي بين الدنيا والآخرة، لأنه آخر أملاك الإنسان وبقايا كيانه في الحياة الدنيا. ولمّا كان الكلام على العموم، فلا يمنع من وجود بعض الجثث المحنطة بالكامل وليس العصعص وحده، والعكس أيضاً، حين يقوم بعض الناس بحرق جثامين أحبتهم والاحتفاظ برماد أجسادهم في زجاجات ولن يبقى وجود للعصعص ولا لغيره، فهذه شواذ والحديث يتكلم عن القاعدة العامة.
هكذا فَهِمَ الصحبُ الكرام رِضوانُ اللهِ عَلَيهِم أجْمَعِِينَ والمحدّثون هذا الحديث على بساطة عبارته وعبرته؛ فلا تغتر أيها الإنسان، فلن يبقى منك ولك في هذه الدنيا إلا هذا القدر النزير من كيانك الذي إذا رأيته بعينك احتقرته ولم تكترث له ولمغزاه. ولذلك ورد الحديث في “كتاب الفتن” في “صحيح مُسْلِم” وتحت باب “ما بين النَّفْخَتَيْنِ” ليشير إلى قيام الساعة أي ساعة الإنسان بين يدي رَبِّهِ وبداية كل شيء كما كان في أصله وقيام العدل والإحسان الإلهي العظيم.
وبهذا نختم وقفتنا هذه مع هذا الحديث الشريف، وأما الإعجاز العلمي فهو جانب آخر من جوانب هذا الحديث الكريم.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ