لقد وردت عبارة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هذه في جميع سياقاتها موجّهةً ضد مَن يسبّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ويصفه بأبشع الألقاب مِن القسس المنصرين (وليس القسس المحترمين) الذين يؤلفون الكتب والمقالات والمؤتمرات في الطعن واللعن ضد نبينا خاتم النبيين مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فكان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يردّ عليهم بما وُصفوا به في الحديث الشريف؛ حيث وردت نبوءة حول المهدي أنَّ أتباع الدجال سيكونون مستحقين للقب ذرية البغايا كما يلي:

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: «أَكْثَرُ تَبَعِ الدَّجَّالِ الْيَهُودُ وَأَوْلَادُ الْمَوَامِسِ».”

(كتاب “الفتن” لنعيم ابن حماد: ص 154 وكيع، عن سفيان، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل قال: ولم يسنده إلى النبي ﷺ: 1534. وفي: ص 151 سويد بن عبد العزيز عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن مكحول، عن حذيفة، وابن شابور، عن النعمان بن المنذر، عن مكحول، عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ابن أبي شيبة: ج 15 ص 159 ح‍ 19373 وكيع، عن شيبان، عن واصل، عن أبي وائل قال: كما في ابن حماد بتفاوت يسير. وفيه “المومسات “. وفي النهاية: ج 4 ص 373 مرسلا، عن أبي وائل، وفيه “أكثر تبع الدجال أولاد المياميس” وفي رواية أولاد الموامس “. وفي الدر المنثور: ج 5 ص 354 عن ابن أبي شيبة، وفيه “أولاد الأمهات”. وذكره ابن العيني في “عمدة القاري” بشرح صحيح البخاري – ج 13 – 2455 – 2730 – تتمة المظالم والغضب – الشروط)

وقد جاء وصف الدجال ومَن يمهّد له في الحديث الشريف أيضاً بظبية الدجال

يقول حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:

فلا شکّ أن البغایا قد خرّبن بلداننا، وأضللن شبّاننا، و بہن وبوُلْدِهِن حَقَّ قولُ نبیِّنا المصطفٰی کما تعلم وتری۔ وصدَق ما قال سیّدُنا ونبیُّنا فی علامات آخر الزمان۔ فإن نطفۃ البغایا قد خامرَ أکثرَ وُلْدٍ وتُمْلَأُ منہ أکثرُ البلدان، وما نقَصنَ بل یزددن کَمًّا وکَیفًا خُبثًا وضرًّا، وکلّ یوم هلمّ جرًّا. وهذا ما قدّر اللّٰہ لہذا الزمان وأتاح وطوبٰی لمن أعرض عنہن و راح. و ویل للذین تمایلوا علی رغائب الشہوۃ، و مالوا إلی هذہ الفئۃ الفاسقۃ، بدون نظر إلی العاقبۃ. یموتون لاستیفاء اللّذّۃ، ویتلُون تِلْوَ البغایا کسکاری الحانۃ، وینہضون علی أثرهن کجدایا الظَبْیۃ و أَجْرِیۃِ الکلبۃ، ویدورون بہن کما یَدُرْنَ فی أهواء النفس الأمّارۃ، وقد سمّاهن رسولنا صلی اللّٰہ علیہ وسلم ظَبیۃ الدجّال، وقال قد قُدّر خروجُہن قُدّامۃَ هذا المحتال۔ لیُنذِرنَ بظہورہ کدلالۃِ کثرۃ الفأر علی الطاعون الأَکّال۔ والسرّ فیہ أن البغایا حزبٌ نجِسٌ فی الحقیقۃ، ویُظہِرن علی الناس طہارتہن ونظافتہن بأنواع الزینۃ والألبسۃ والتہاب الخدّ والنعومۃ. وهذہ دجلٌ منہن کالدجّال وشابَہْنَہ بأتمّ المشابہۃ، فجُعلن کإرهاص لہ علامۃً لہذہ المماثلۃ.” (الخزائن الروحانية، المجلد 16، لُجَّۃ النُّور، خُطبۃً اِلھَامِیَّۃً، الصفحہ 429-431)

هذا الأثر الذي ذكره المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أي “ظبية الدجال” له أصل ثابت في كتب الحديث واللغة. ولنأخذ أولاً ما ورد في أهم كتب الحديث وهو مسند الإمام أحمد كما يلي:

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “ مَعَ الدَّجَّالِ امْرَأَةٌ تُسَمَّى طَيْبَةَ، لَا يَؤُمُّ قَرْيَةً إِلَّا سَبَقَتْهُ إِلَيْهَا، تَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ دَاخِلٌ عَلَيْكُمْ فَاحْذَرُوهُ “. (1457، مسند أحمد، ط الرسالة، ج 2، ص 520)

ويبدو أن ثمة خلط حدث عند المُحدِّثين أو المحقّقين وذلك بين لفظي “ظبية” و “طيبة“، وقد يكون مردُّ ذلك إلى التنقيط الذي ظهر متأخراً والله أعلم، وهذا يؤكده التعليق في حديث مسند أحمد طبعة الرسالة لحديث هاشم برقم 19438 مجلد 32 ص 183 كما يلي:

.. هاشم: هو ابن القاسم أبو النضر، وعبد الحميد: هو ابن بهرام صاحب شهر بن حوشب، وأبو طيبة- ويقال: أبو ظبية، وهو أصح فيما ذكر الحافظ في “التقريب”- هو السلفي الكلاعي، وشرحبيل بن السمط- وليس من رجال الإسناد- هو الكندي الشامي.“. أهـ

أما كتب اللغة فقد ورد الحديث في المراجع التالية:
  1. كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي. 
  2. المحكم لإبن سيده. 
  3. أساس البلاغة للزمخشري.
  4. حياة الحيوان الكبرى للدميري. 
  5. تاج العروس للمرتضى الزبيدي. 
  6. مجمع البحرين للشيخ فخر الدين الطريحي.
    وغيرهم
أصل الحديث في كتب العلماء

أصل هذا الحديث عند الأزهري في التهذيب عن الليث كما يلي:

“”وقال الليث: … وإذا خرج الدجال تخرج امرأة قدّامه تسمى ظبية، وهي تنذر المسلمين.” (تهذیب اللغة، الأزهري، المجلد 2)

وهذا الذي أورده أبو خليل الفراهيدي في كتاب العين فقال:

والظبية شبه العجلة والمزادة وإذا خرج الدجال تخرج امرأة قدامه تسمى ظبية وهي تنذر المسلمين.” (كتاب العين، الفراهيدي)

وكذلك هو قول الزمخشري كما يلي:

ويقال للمبشر بالشرّ: أنت ظبية الدجّال وهي امرأة تخرج معه تعدو وتسبق الخيل تدخل الكور فتخبر به“. (أساس البلاغة، الزمخشري 1/296)

وأورد الزبيدي ذلك أيضاً في تاج العروس كما يلي:

ظبية الدجال: تخرج قبل الدجال تدخل الكور فتنذر به؛ قاله الليث والزمخشري. وإِذا خرج الدجَّال تخرج قُدَّامه امرأَة تسمى ظَبْيَةَ، وهي تُنْذِر المسلمين به.” (تاج العروس للزبيدي 19/651)

وأورده الدميري في كتاب “حياة الحيوان الكبرى” وهو أحد أهم كتب الأدب والبلاغة عن “ابن سيده” كما يلي:

وظبية اسم امرأة تخرج قبل الدجال تنذر المسلمين به، قاله ابن سيده.” (حياة الحيوان الكبرى، محمد بن موسى الدميري أبو البقاء الشافعي ت 808 هـ، ص 656)

وكذلك أورده ابن منظور في معجمه:

وَإِذَا خَرَجَ الدَّجَّالُ تَخْرُجُ قُدَّامَهُ امْرَأَةٌ تُسَمَّى ظَبْيَةَ ، وَهِيَ تُنْذِرُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ .” (معجم لسان العرب، ابن منظور، حرف الظاء، ظبا، الجزء 9)

والليث هو كما جاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي والمزهر في اللغة للإمام السيوطي هو الإمام الليث بن المظفر الكناني أحد أهم علماء العربية، وصاحب الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو الذي أكمل كتاب معجم العين ونشره. وكان من أكتب الناس في زمانه، بارع الأدب بصيرا بالشعر والغريب والنحو، وكان كاتبا للبرامكة معجبين به. وهو حفيد نصر بن سيار الكناني آخر ولاة خراسان للدولة الأموية. (انظر “معجم الأدباء”، ياقوت الحموي، 2/283. وكذلك انظر “المزهر في علوم اللغة وأنواعها”، جلال الدين السيوطي، ص 62)

قال الإمام ابن حجر العسقلاني عن الليث:

عن إسحاق بن راهويه قال: كان الليث رجلا صالحا ومات الخليل ولم يفرغ من «كتاب العين» فأحبّ الليث أن ينفق الكتاب كلّه فسمى لسانه الخليل فإذا رأيت في الكتاب «سألت الخليل» أو «أخبرني الخليل» فإنه يعني الخليل نفسه، قال: وإذا قال «قال الخليل» فإنما يعني بذلك الليث لسان نفسه.” (لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني أبو الفضل شهاب الدين; المحقق: عبد الفتاح أبي غدة، 4/494)

ومعنى الظبي والظبية أيضا الحيوان سريع الحركة والانتقال وهو يشير كذلك إلى الحمار أو وسيلة النقل التي يستخدمها الدجال وبها يقوم بمهامه ويعلن عنها حول العالم.

بناء على ما سبق فهذا الأثر ثابت في كتب الحديث واللغة كما تقدم، ومن عساه الذي يُدخل في العقيدة أمراً من عنده ثم ينسبه للنبي ﷺ في أهم كتب الحديث وهو مسند الإمام أحمد بن حَنْبَل رحمه الله ثم يُجمع عليه أكابر المسلمين العرب من أهل اللغة دون أن يكون من كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم !

بناء على ما سبق فإن هذا الأثر هو حتماً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. أما بالنسبة للمسلم الأحمدي فهو فوق ذلك كله على يقين أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لا ينطق عن الهوى بل يتلقى العرفان ودقائق العلوم من عند الله تبارك وتعالى، ولذلك فالحديث ثابت واستدل به المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام للإشارة إلى صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عندما حذّر المسلمين من فتنة طبية الدجال وهو ما يسبقه من مغريات وتمييع لرجال المسلمين وتثبيط لهممهم في النهوض والتصدي للهجمة الدجالية على الإسلام واستخدام الدجال له للتنقل والترويج لدجله. فالحمد لله تعالى الذي بَعَثَ بالحق خادم النبي ﷺ ليزيل غشاوة الغفلة ويقتل الدجال بحربة السماء.

فهذا دليل صدق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الذي أطلق هذه الصفة على أعداء الإسلام تماماً، كما أخبر الحديث الشريف.

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد