السؤال
ما مدى صحة الحديث الذي يقول أن عيني الصحابي قتادة بن النعمان سقطتا فأعادهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى وجهه ثانية؟
الجواب
إسناد هذا الحديث مرسل من قول ابن إسحق وقد ضعّفه الإمام الذهبي (انظر: تاريخ الإِسلام، المغازي، ص 194). وأخرجه الحاكم من طريق الواقدي (انظر: المستدرك 3/ 334 برقم 5281)، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة 3/ 99 – 100) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن قتادة بن النعمان. وفي إسناده يحي الحمّاني، قال عنه ابن حجر: “حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث.” (انظر: تقريب التهذيب 2/ 352)، وعمر بن قتادة مقبول (انظر: تقريب التهذيب 2/ 62)، واختُلف على الحماني فيه، ففي بعضها دون عمر بن قتادة، وأخرجه أيضًا أبو القاسم الأصبهاني في (دلائل النبوة 3/ 1031) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة مرسلًا. وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى الطبراني وقال: “وفيه من لم أعرفه“. وفي موضع آخر عزاه إلى الطبراني وأبي يعلي، وقال: “وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم، وفي إسناد أبي يعلى يحي بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف.” (انظر: مجمع الزوائد 6/ 113 و 8/ 298).
فالحديث مضطرب السند. والمتن أيضاً فيه اختلاف، ففي رواية ابن إسحاق كان ذلك يوم بدر، بينما في رواية البيهقي كان في يوم أحد، وقال ابن عبد البر: “وقيل يوم الخندق.” (انظر: الاستيعاب، لابن عبد البر 3/ 238).
إذن الحديث ضعيف الرواية وفي روايته اختلاف واضح، فهل يصح الخبر؟
لا مانع من صحة هذا الخبر مع اختلاف ألفاظه بل هو صحيح لتعدد طرقه وشواهده، إذ قد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه كان يشفي المرضى كحديث مسح النبي ﷺ على رِجْل عبد الله بن عتيك رضي الله عنه لمّا انكسرت ساقه في قصة قتل ابن أبي الحقيق اليهودي حيث قال رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأن النبي ﷺ قال له: “«ابسط رجلك»، “فبسطت رجلي فمسحها، فكأنها لم اشتكها قط.” (رواه البخاري، كتاب المغازي، باب قتل أبي رافع 7/ 340 – 341).
وكذلك ما حدث لسيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يوم خيبر حين كان يشتكي عينيه “فجئ به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لما سأل عنه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع“. (صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر 7/ 476. وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، فضل علي رضي الله عنه 15/ 176).
وحدث لسيدنا سلمة بن الأكوع رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عندما أُصيبت ركبته يوم خيبر، فيقول: “فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فنفث فيه (أي في موضع الإصابة) ثلاث نفثات، فما اشتكيت حتى الساعة.” (صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر 7/ 475).
فكل هذه تدل على أن الخبر صحيح أو قد يصح ولكن تفاصيل روايته فيها اختلاف ولا يضر الخبر بعمومه، فقد يكون معنى سقوط عينيه فقد بصره مؤقتاً فدعى له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كما يفعل عادة ونفث في عينيه فبرأ، ثم تحول اللفظ إلى ما هو عليه بفعل الإرسال والضعف في الرواية. فالمهم أن الشفاء ثابت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ولا ينافي هذا الخبر. ويدعم ذلك ما أخرجه الإمام الحاكم في (المستدرك 23/ 258) وعنه البيهقي في (دلائل النبوة 3/ 100) من طريق إبراهيم بن المنذر، قال:
“أخبرنا عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني رفاعة بن رافع بن مالك قال: “لما كان يوم بدر. . رُميتُ بسهمٍ، فَفُقئت عيني، فبصق فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ودعا لي فما آذاني منها شيء.” (المستدرك للحاكم 23/ 258، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.)
ورغم تعقب الذهبي له وقوله عن أحد رواته: “عبد العزيز ضعّفوه”. وعزو الهيثمي له إلى البزار والطبراني في الكبير والأوسط وقوله: “وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف” (مجمع الزوائد 6/ 82)، إلا أن الفائدة منه هي أن الحديث قد ورد عند الحاكم بلفظ خالياً من أن “عين قتادة وقعت على وجنته فردّها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بيده” بل “رُميتُ بسهمٍ، فَفُقئت عيني، فبصق فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ودعا لي فما آذاني منها شيء.“
وقد أورد ابن كثير رحمه الله هذا الحديث عن البيهقي وقال: “وهذا غريب من هذا الوجه، وإسناده جيد، ولم يخرجوه.” (انظر: البداية والنهاية، لابن كثير 3/ 291).
أي أن القضية هي دعاء النبي ﷺ عند إصابة عين قتادة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وليس حمل عينه التي سقطت على يديه وردّها إلى حجرها في وجهه. ولهذا لا مانع لصحة الخبر مع كثرة شواهده وثبوت شفاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم للمرضى في أحاديث صحيحة كثيرة.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ