وردت هذه الرواية عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:
“كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا بِغَدِيرِ خُمٍّ فَنُودِيَ فِينَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَكُسِحَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟» قَالُوا بَلَى. قَالَ: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟»، قَالُوا بَلَى. قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ». قَالَ: فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: هَنِيئًا يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ.” (مسند أحمد، كتاب أول مسند الكوفيين)
الحديث فيه نبوءة لما سيحدث لاحقاً مشيراً إلى وقت ارتفاع الخلافة بعد أن يسيء الناس تقديرها وأهميتها. وبالطبع كل ما حدث هو بسبب الخوارج والمنافقين والذين يهمهم فقط عرض الدنيا، فكانت الخلافة صمام الأمان للمسلمين وارتفعت حين لم يعد المسملون في قمة إيمانهم.
فالخروج على سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كان هو الذي أنذر بارتفاع نعمة الخلافة. فالحديث إذن هو إنذار بعدم الخروج على سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حين يصبح على الناس طاعته لكونه الخليفة الرابع. وكان سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أول المهنئين لسيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ معترفاً بهذا الشرف الذي سيناله وعدم جواز الخروج عليه حين يصل الأمر بيده.
وبالفعل، فحين أشاع المغرضون من الخوارج أن علياً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لا ينوي الأخذ بثأر سيدنا الشهيد الخليفة الثالث عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فقدْ أدى ذلك إلى اقتتال المسلمين العظام فيما بينهم في سفسطاين علي وأُمّ المؤمنين رَضِيَ اللهُ عَنْهُا وأرْضاها، وكذلك أشاعوا فذكر سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هذه الرواية للدفاع عن نفسه من هذه التهم، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ:
“شَهِدْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرَّحَبَةِ يَنْشُدُ النَّاسَ: أَنْشُدُ اللَّهَ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ»، لَمَّا قَامَ، فَشَهِدَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ بَدْرِيًّا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَحَدِهِمْ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ «أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجِي أُمَّهَاتُهُمْ» فَقُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ».” (مسند أحمد)
وبهذا فقد دفع سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أيضاً الفكرة الفاسدة التي في أذهان الأخوة الشيعة حول إمامته الدنيوية مؤكداً فقط على طاعته كخليفة واحترام أمهات المؤمنين. أي أن الحديث الشريف يدفع كل الظنون السيئة حول سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ التي يشيعها إلى اليوم المضللون من الشيعة هداهم الله. فالحديث ببساطة يقول أَطِيعُوا علياً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فالحقّ معه مهما كثرت الإشاعات وبدا لكم غير الذي تتمنون. فلا تسيئوا الظن بعلي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فهو مع الحق والحقُّ معه.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ