{عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ غَضِبْتَ وَقُمْتَ قَالَ إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ وَقَعَ الشَّيْطَانُ فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ} (مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين)
أي أنه ما صبر العبد على الشتم، ولم يأخذ بجواز أن يرد دون تجاوز أو عدوان، إلا وكان له ملاك يرد عنه. وإذا رد الملَك على الشاتم فإن ردَّه لا يذهب سُدى، بل يستجاب بحق الشاتم ويقع به ما أراد أن يوقعه بمن شتمه.
أما إذا اختار العبد أن يرد بنفسه، فإن الشيطان سيتهيأ وسيصبح سيد الموقف، وقد تغلبه الثوائر النفسية فيقع في التجاوز، وسيخسر نُصرة الملَك التي لا تخيب.
وقد تابع النبي صلى الله عليه وسلم ناصحا بالصبر فقال:
{يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا نَصْرَهُ وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ يُرِيدُ بِهَا صِلَةً إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا كَثْرَةً وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً} (مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين)
أي أنه ما صبر عبد على مظلمة، ولم يحاول دفعها بنفسه خوفا من أن يقع في إثم، بل آثر أن ينتصر الله له، إلا زاده الله عزا (ومنها الشتم والاتهام بالباطل وغير ذلك من المظالم)، وما تطوَّع أحد وأعطى راجيا وجه الله تعالى إلا كثَّر الله له الخير وباركه، وما اتخذ أحد باب المسألة واستعطاف الناس إلا ازداد حاجة وفقرا.
وقد ورد في حديث آخر:
{عن أبي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ} (سنن الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله)
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
جزاكم الله خيراً