المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية ..170

الإعجاز في ظرف الزمان “إذا”

الاعتراض :

أومأ المعترضون إلى أن المسيح الموعود عليه السلام يخطئ في استعماله لأداة الشرط الظرفية (إذا)، إذ يأتي بها للدلالة على الماضي فيربط فعل جواب الشرط الماضي التابع لها بالفاء. هذا رغم أنه معروف بأن (إذا) هي ظرف للمستقبل فقط. وكأن هناك فرق بين (إذا) وباقي أدوات الشرط في استعمالها بما يتعلق بالقواعد التي نقلناها في المقالات السابقة.

الرد:

1: لا بد هنا من التنويه إلى أن هذه القواعد التي نقلناها عن النحو الوافي، في المقالات التالية:

اقتران الفعل الماضي بالفاء في جواب الشرط 1 -أهي فاء عابثة أم فاء هادفة

البلاغة في اقتران الفاء بالفعل الماضي في جواب الشرط – أهي فاء عابثة أم هادفة..5

تنطبق على (إذا) تماما كما تنطبق على باقي أدواة الشرط، حيث يقول النحو الوافي في ذلك قبل عرضه لكل هذه القواعد:

“تسري الأحكام الآتية على الأدتين “إذا” الشرطة، و”كيف” الشرطية، في حالتي اعتبارها جازمتين عند فريق، أو غير جازمتين عند آخر. فعلى كلا الاعتبارين لا بد من خضوع هاتين الأداتين للأحكام التي ستذكر.” [النحو الوافي (4/ 444)]

ومن هذا المنطلق فلا مجال للتفريق بين (إذا) وغيرها من أدوات الشرط كما حاول المعترضون أن يدجلوا على الناس.

2: صحيح أن ظرف الزمان (إذا) قد غلب في استعماله الدلالة على المستقبل، إلا أنه في الحقيقة قد يدل أيضا على غير المستقبل، إذ قد يستعمل كظرف زمان للدلالة على الماضي وعلى الحال. وما يحدد دلالته هذه في أي زمن يقصد به، هو القرائن اللفظية أو الحالية أو الذهنية العقلية.  وفي هذا يقول النحو الوافي:

” وهي (إذا) ظرف للمستقبل في أكثر استعمالاتها، وتكون للماضي بقرينة؛ نحو قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} ؛ لأن الآية نزلت بعد انفضاضهم.

وقد تكون ظرفًا للحال بعد القسم؛ نحو قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ؛ لأن الليل والغشيان مقترنان، ” [النحو الوافي (2/ 278) ]

ويؤكد النحو الوافي كل هذا، مع تأكيده إمكانية اقتران جوابها بالفاء بما يلي:

“وهي (إذا) ظرف للمستقبل، وقد تجيء للماضي كقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} لأن الآية خطاب للرسول عليه السلام في حادثة مضت وقت نزول الآية الكريمة. وقد تكون للحال …ثم قال الخضري: وهو منصوبة بجوابها عند الأكثر، لا بشرطها؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، واقتران جوابها بالفاء أو “إذا” الفجائية لا يمنع عمله فيها؛ لتوسعهم في الظرف. ..” [النحو الوافي (4/ 441)]

ومن كل هذا يثبت أن المعترضون يجهلون هذه النكات رغم أنهم يحمّلون أنفسهم شهادات في اللغة.

فخلاصة الكلام أن الظرف الشرطي (إذا) قد يأتي دالا على الماضي، وذلك عندما يكون الحديث عن أمور مضت زمانا. وبهذا يكون استعمال المسيح الموعود عليه السلام للظرف إذا للدلالة على الماضي من أهم المظاهر الإعجازية التي غابت عن أذهان حملة الشهادات والمتخصصين في اللغة.

وقد جمعنا في مقال سابق (مظاهر الإعجاز 68) ما يقارب ال 45 جملة من كلام المسيح الموعود عليه السلام جاءت فيها (إذا) للدلالة على الماضي. مثال ذلك :  قول المسيح الموعود عليه السلام: ثم إذا تُوفي أبي فقام مقامه في هذه السِّيَر أخي الميرزا غلام قادر. (نور الحق)  فهنا الظرف (إذا) جاء للدلالة على الماضي، لأن المسيح الموعود عليه السلام، يتحدث عن أحداث كلها ماضية حدثت قبل كتابته هذه السطور، ولا جدال في كون فعل جواب الشرط هنا ماض لفظا ومعنى وحقيقة. ولا ينكر ذلك إلى من يتعمد الدجل.  وهذا مثيله الآية القرآنية التي عرضها صاحب النحو الوافي : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا } (الجمعة 12). وكفى بهذا تبكيتا للمعارضين، وإثباتا للإعجاز اللغوي في كلام المسيح الموعود عليه السلام.