المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..219

الدّخْل والدّخول مصادر للفعل دخَل اللازم والمتعدي في نفس الوقت

“ومن دخله كان آمنا”

الاعتراض:

يقول المعترضون إن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في الفقرة التالية:

“واعلم أن الله ورسوله كثيرا ما يستعملان استعارات في الكلام، فيغلط فيها رجل لا ينظر حق النظر، والذي يفسّرها قبل وقتها ويعتقد أنها محمولة على الظاهر وما هي محمولة عليه، ولكنه يُخطئ لدخله قبل وقت الدخل، فيصرّ على خطئه.” (حمامة البشرى)

وموضع الخطأ في الكلمات (لدخْله) و(الدخْل) ، فيقولون إن هذا خطأ صرفي فلا بدّ من اشتقاق المصدر من الفعل (دخَل) على وزن (الدخول) وليس الدخل.

وزاد المعترض في ترهاته وعدّ كل هذه الفقرة من قبيل العسلطة اللغوية فقال ما يلي:

“الإشكال أولا في كلمات: لدخله قبل وقت الدخل!!

وقد عدتُ إلى القاموس، فرأيتُ أنّ كلمة “دخل” تعني: التدخُّل. (القاموس الجديد، ص 447)

أما “وقت الدخل” فيبدو أنه يقصد بها: وقت التحقُّق، لأنّ من معاني الدخل في الأردو: “الاستيلاء”. (المرجع السابق)

فترجمتُ الفقرة وأعدتُ ترتيب بعض العبارات، حتى صارت كما يلي:

واعلم أن الله ورسوله كثيرا ما يستعملان الاستعارات، فيغلط فيها مَن لا ينظر حقَّ النظر، أو يعتقد أنها محمولة على الظاهر، كما أنّ مَن يتدخّل في تفسيرها قبل تحققها فإنه يخطئ، ثم يصرّ على خطئه.

الحقيقةُ أنّ الأحمديين العرب يشعرون بقرف وغثيان بقراءة كتب الميرزا، لذا لا يستطيعون كشف مدى تفاهتها وتهافتها.” إ.هـ أقوال المعترض.

 

الرد:

الحقيقة أن العسلطة في كل هذا هي فيما يقوله المعترض بنفسه، وما يدليه من اعتراضات لا ترتيب ولا تناسق فيها، بل وتنقض بعضها العض.

فبعد أن أقرّ المعترض بأن هذا خطأ صرفي، وجد أن هنالك معنى (للدخْل) وهو (التدخل)، ولكنه لم يسعفه دخَله وقصور عقله على فهم عبارة المسيح الموعود عليه السلام.

التوجيه الأول:

على المعنى الذي عثر عليه المعترض بنفسه للمصدر (دخل) وهو التدخل، فبناء على هذا المعنى يكون تفسير ومعنى فقرة المسيح الموعود عليه السلام كما يلي:

“ولكنه يخطئ لتدخّله ( في تفسيرها ) قبل الوقت المفروض للتدخّل والذي لا يتأتى إلا عند تحقق هذه الاستعارات”.

وبهذا يُحل الإشكال ونرى كم أن هذه الفقرة سلسلة المعاني والتعابير، وفيها من الاختصار ما يجعلها في درجة عالية من البلاغة والفصاحة.

 

التوجيه الثاني:

ولكن بغض الطرف عن المعنى الذي وجده المعترض بنفسه فلنا أن نُبقي الفعل (دخَل) على معناه الأصلي ونوجه فقرة المسيح الموعود عليه السلام، على هذا المعنى أيضا، وذلك على جواز أن يكون مصدر الفعل (دخَل) هو (الدخْل) أيضا وليس فقط (الدخول)، من منطلق اعتبار الفعل (دخَل) فعلا متعديا بنفسه تارة ولازما تارة أخرى، وهو حقيقةً من هذا الصّنف من الأفعال كما سنبينه؛ وعلى اعتباره فعلا متعديا فإن مصدره يكون (الدخْل) قياسا، حيث إن القياس في مصدر الفعل المتعدي (فَعَل) هو (الفعْل). كل هذا وفق التفصيل التالي:

الفعل دخل لازم ومتعدٍ في نفس الوقت:

أولا لا بدّ من التنويه أن الأفعال من حيث تصنيفها في التعدي واللزوم، تنقسم إلى ثلاثة أقسام: ما هو متعد وما هو لازم وما هو لازم ومتعد في نفس الوقت؛ وفي هذا يقول النحو الوافي ما يلي:

“الفعل التام ثلاثة أنواع:

  • نوع يسمى: “المتعدي”؛ وهو: “الذي ينصب بنفسه مفعولًا به أو اثنين، أو ثلاثة؛ من غير أن يحتاج إلى مساعدة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى تعدية الفعل اللازم
  • نوع يسمى “اللازم” أو: “القاصر”، وهو: “الذي لا ينصب بنفسه مفعولًا به أو أكثر؛ وإنما ينصبه بمعونة حرف جر، أو غيرها مما يؤدي إلى التعدية”
  • نوع مسموع، يستعمل متعديًا ولازمًا، مثل: شكر، ونصح.” [النحو الوافي (2/ 151- 150)

وعن النوع الثالث الذي يُستعمل لازما ومتعديا، يقول النحو الوافي في سياق حديثه عن جواز حذف حرف الجرّ أو عدم جوازه وقياسية هذا الحذف أو عدم قياسيته، ما يلي:

 

“وصفوة ما يقال: هو أن حذف الجارّ على أربعة أنواع:

أ- نوع يُحذف ويُنصب بعده المجرور بما يسمى: “النصب على الحذف والإيصال” – أين نزع الخافض -؛ مثل قولهم: تمرون الديار – توجهت مكة – ذهبت الشام، وهذا نوع قليل جدًا – فهو غير مطرد، ..

ب- نوع يُحذف ويُنصب بعده المجرور أيضًا، ولكن على اعتباره مفعولًا به مباشرة – للعامل الذي يطلبه؛ كالحروف التي يكثر استخدامها في تعدية بعض الأفعال المسموعة، فتجر الأسماء بعدها، وكذلك يكثر حذفها بعد تلك الأفعال المعنية؛ فتنصب الأسماء بعد حذفها؛ مثل الفعل: “دخل” فقد استعملته العرب كثيرًا متعديًا بالحرف: “في” مثل: دخلت في الدار، وكذلك استعملته بغير “في” ونصبت ما بعده فقالت: دخلت الدار، ولم تقتصر في حالة وجوده أو حذفه على كلمة “الدار” بل أكثرت من غيرهما، مثل: المسجد – الغرفة – الخيمة – القصر – الكوخ … ، فكثرة استعمال الفعل بغير حرف الجر، ووقوع تلك الأسماء المختلفة بعده منصوبة مع عدم وجود عامل آخر – كل ذلك يدعو إلى الاطمئنان أن تلك الأسماء المنصوبة هي مفعولات للفعل الموجود، وأن هذا الفعل نصبها مباشرة؛ فلا حاجة إلى اعتبارها منصوبة على نزع الخافض – كما يرى بعض النحاة دون بعض – لما في هذا من العدول عن الإعراب الواضح، المساير لظواهر الألفاظ، ومعانيها – إلى الإعراب؛ والتعقيد من غير داع.

ومعنى ما سبق أن الفعل: “دخل” بعد من الأفعال المسموعة التي تتعدي بنفسها تارة وبحرف الجر أخرى، فهو: مثل: شكر – نصح – حيث تقول فيها: شكرت لله على ما أنعم، ونصحت للغافل بأن يشكره، أو شكرت الله على ما أنعم، ونصحت الغافل بأن يشكره، وهذا النوع هو “ج” الذي وصفناه أول هذا الباب – عند تقسيم الفعل التام إلى متعد ولازم، ص 151 – بأنه قسم مستقل بنفسه يسمى: “الفعل الذي يستعمل لازمًا ومتعديًا، وهذا النوع يطرد فيه النصب مع حذف حرف الجر كما يطرد الجر مع ذكر الحرف….”   [النحو الوافي (2/ 162- 163) ]

 

وما يهمنا من هذا النصّ هو النوع الثاني من حروف الجر، الذي يُحذف بعد الفعل ليتعدى الفعل مباشرة وينصب المفعول بعده ويكون هذا الحذف قياسيا – على النقيض من النوع الأول من الحذف الذي هو سماعي في النصب على نزع الخافض-  وهذا النوع من الحروف هو الذي يُحذف قبل الأفعال التي تُستعمل لازمة ومتعدية في نفس الوقت.

وقد اختصر النحو الوافي لنا الطريق بجلبه مثالا على هذا النوع من الأفعال، ولم يكن المثال الذي أورده إلا الفعل (دخَل) الذي تعثر به المعترض ووقع في فخّه. فأكّد لنا النحو الوافي أن الفعل (دخَل) هو من نوع الأفعال التي تكون تارة لازمة وتارة متعدية. وهذا الأمر يقودنا إلى معرفة مصدر هذا الفعل أهو على وزن (فعْل/ دخْل) أو (فُعول/ دُخول) أو كليهما.

وفي أبنية المصادر وأوزنها للأفعال الثلاثية يقول النحو الوافي ما يلي:

“وفيما يلي أوزان المصادر القياسية للفعل الثلاثي المتعدي واللازم:

1_ إن كان الماضي ثلاثيًّا متعديًا غير دالٍّ على صناعة؛ فمصدره القياسي: “فَعْل”، نحو: أخذ أخْذًا، فتح فتْحًا، حمد حَمْدًا، سمع سمْعًا…

ويلاحظ أن الثلاثي المتعدي لا يكون إلا مفتوح العين أو مكسورها. أما مضمومها فلا يكون إلا لازمًا، نحو: حسن، ظرف، شرف …

3_ وإن كان الماضي الثلاثي لازمًا، مفتوح العين، صحيحها، غير دال على إباء وامتناع، ولا على اهتزاز وتنقل وحركة متقلبة، ولا على مرض، ولا سير، أو صوت، ولا على حرفة أو ولاية -فإنَّ مصدره القياسي: “فُعُول” نحو: قعد قعودًا، سجد سجودًا، ركع ركوعًا، خضع خضوعًا “  [النحو الوافي (3/ 195- 193) ]

وبناء عليه فعلى اعتبار الفعل (دَخَل) فعلا ثلاثيا متعديا يكون مصدره على وزن (فعْل) إي (دخْل) قياسا؛ لإن مصدر الفعل الثلاثي المتعدي  -إن لم يدل على صناعة- فهو (فعْل). أما على اعتبار الفعل (دخَل) فعلا ثلاثيا لازما مفتوح العين يكون وزن مصدره قياسا على (الفُعول) أي (دُخول)، لأن الفعل الثلاثي اللازم مفتوح العين أحد أوزان مصادره على وزن (فُعول).

وعلى هذا يتأكد بأن مصدر الفعل دخَل هو الدخْل أيضا، بناء على الأوزان القياسية للفعل الثلاثي المتعدي، وعلى اعتبار الفعل دخل متعدّيا ولا خطأ في كل هذا.

ومن الجدير ذكره تأكيد النحو الوافي ومجمع اللغة العربية، على أن هذه الأوزان قياسية ويجوز القياس عليها حتى لو سُمع للفعل مصدر على وزن آخر. وقد فصّل عباس حسن الحديث على جواز بل وجوب الجواز في القياس على هذه الأوزان في حديث مفصّل له في المسألة 98 بعنوان “أبنية المصادر” وذلك في هامش الصفحات التالية من الجزء الثالث للنحو الوافي (187 -193) من المفيد الرجوع إليه والاطلاع عليه.

ومن أهم ما قاله في هذا التفصيل ما يلي من النقاط التي تؤكد صحة المصدر (دخْل) للفعل (دخَل) المتعدي بنفسه:

“وإذا قالوا: إن مصدر الفعل الثلاثي المتعدي هو: “فَعْل” وجب الاطمئنان لقولهم، والأخذ به، وتطبيقه -في غير تردد- على كل فعل ثلاثي متعدٍّ، نريد الوصول إلى مصدره، نحو: سمع سمعًا، فهم فهمًا، كتب كتابًا، ونظائر هذا من مئات، بغير رجوع إلى مرجع لغوي أو غير لغوي،….

فالواجب أن نعتمد على القاعدة في الوصول إلى المصدر القياسي للفعل، ولا نبالي بعد ذلك أله مصدر سماعي آخر أم لا؟…

وما سبق مستمدٌّ من أقوال أئمة كبار يقررون: “أن استعمال المصدر القياسي جائز وإن سمع غيره”، وفي مقدمتهم: “الفراء” الذي وصفه الإمام اللغوي النحوي “ثعلب” -كما جاء في مقدمة كتاب معاني القرآن، للفراء -أحد أئمة الكوفة- بقوله: “لولا الفراء لما كانت عربية: لأنه خلصها وضبطها. ولولا الفراء ما كانت عربية؛ لأنها كانت تتنازع، ويدعيها كل من أراد، ويتكلم الناس فيها على قدر عقولهم وقرائحهم فتذهب … ” والذي وصفه عالم آخر “كما جاء في معجم الأدباء -ج20 ص110” بقوله: “لو لم يكن لأهل بغداد من علماء العربية إلا الكسائي والفراء لكان بهما الافتخار على جميع الناس”. ا. هـ. وقيل عنه أيضًا -كما جاء في تهذيب ج11 ص212 -“والفراء أمير المؤمنين في النحو”. ا. هـ، وفي تاريخ بغداد: “كان يقال: النحو الفراء، والفراء أمير المؤمنين في النحو”. وقد وصفه بحق أحد أعضاء المجمع اللغوي القاهري. بأنه “إمام الكوفيين، ووارث علم الكسائي، ولا تثريب علينا إذا أخذنا بمذهبه” -راجع ص108 من محاضر جلسات الدور الرابع.

ومنهم العبقري: “ابن جني”. في كتابه الخصائص “ج1 ص362، 367، 439″ ومن أوضح النصوص في هذه الصفحات ما جاء في ص367 من الباب الذي عنوانه: “باب في اللغة تؤخذ قياسًا” “… ثم هو صاحب المذهب الذي أخذه من المازني، ونصه -كما ورد في ص44 من تلك المحاضر، وفي ج1 ص367 من كتابه: “ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب”. وهو القائل: “ليس كل ما يجوز في القياس يخرج به سماع، فإذا حذا إنسان على مثالهم، وأمَّ مذهبهم لم يجب عليه أن يورد في ذلك سماعًا، ولا أن يرويه رواية”.” [النحو الوافي (3/ 189)]

توجيه الفقرة على اختلاف لغات العرب في اشتقاق المصدر:

من الممكن أن يكون (الدخْل) هو مصدر الفعل (دخَل) على لغة الحجازيين بغض النظر عن كونه فعلا لازما أو متعديا، حيث اختلفت لغات العرب والقبائل العربية في اشتقاق المصدر من الفعل على وزن (فعَل)، وفي هذا جاء ما يلي في كتاب اللهجات العربية في التراث:

” من المعروف في كتب الصرف أن مصدر -فعَل- المتعدي المفتوح العين -فعْل- بسكون العين مطلقا، سواء أكان الفعل صحيحا أم معتلا، نحو: ضرب ضربا، وباع بيعا، أما (فعَل) المفتوح العين إذا كان لازما فقياس مصدره (فُعول) كقعد قعودا، هذا رأي الجمهور عند عدم السماع.

أما الفراء فيرى أن القياس عند عدم السماع (فعْلا) عند الحجازيين، و(فعولا) عند النجديين، بقطع النظر عما إذا كان الفعل متعديا أو لازما. وهذا معنى ما يقوله ابن الحاجب ناقلا عن الفراء من أنه إذا جاءك (فَعَل) مما لم يسمع مصدره، فاجعله فعْلا للحجاز، و(فُعولا) لنجد.

فالفراء لا ينظر إلى التعدي واللزوم … ونصّ ديوان الأدب خصصه بما كان ماضيه مفتوح العين ومضارعه مضمومها أو مكسورها. “ [اللهجات العربية في التراث ( 2/595)]

فوفق هذا، عند الفراء لا فرق بين اللازم والمتعدي في اشتقاق المصدر من (فعَل)، فقياسه (فعْل) على لغة الحجاز و(فُعول) على لغة نجد، وهذا إن لم يكن سُمع مصدر آخر يخالف هذا القياس.

ولكننا رأينا من الشرح السابق الذي أورده عباس حسن في النحو الوافي، أن القياس جائز على أي حال بغض النظر عن وجود مصدر مسموع مخالف للقياس أو عدم وجوده. فعلى ما يبدو من النصّ أعلاه أن لغة الحجازيين القياس فيها لمصدر الفعل (فعَل) هو (الفعْل) بغض النظر عن كون الفعل لازما أو متعديا.

 

النتيجة والخلاصة:

يتبين من كل هذا أنه لا خطأ وارد في صوغ مصدر الفعل (دخَل) على (الدخْل)، فهو صحيح من منطلق اعتبار الفعل (دخَل) فعلا متعديا بنفسه وقياس مصدره (الدّخْل)، وكذا على اعتبار القياس على لغة الحجازيين في صوغ مصدر الوزن (فعَل) على (الفعْل) سواء أكان لازما أو متعديا.

فلا خطأ وارد في لغة المسيح الموعود والفقرة المعترّض عليها، بل هي لغة عربية صحيحة وفصيحة لا يعترض عليها إلا من سفه نفسه.

One Comment on “الدّخْل والدّخول مصادر للفعل دخَل اللازم والمتعدي”

Comments are closed.