المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية..193

تحقيق وتسهيل الهمزة على لغات العرب الفصيحة

الاعتراض:

يدّعي المعارضون أن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في كتابة الهمزة في الفقرات التالية:

1: فقُتلنا أو صُلبنا أو أُجلئنا تاركين أوطاناً ومتغرّبين (ترغيب المؤمنين، باقة، ص 160). الصحيح: أُجلينا.

2: ويُحَمْلِقون إلى من قال قولاً يخالف آراءهم، ولو كان يواخي آباءهم (لجة النور، ص 15). الصحيح: يؤاخي.

3: يُظهرون على الإخوان شَباءةَ اعتدائهم (تحفة بغداد، باقة، ص 24). 4: بل تجاوزوا الحد في شباءة الاعتداء (نور الحق، ص 62).

5:  ولكن ما خلا قوم من قبل في شباءة اعتدائهم (لجة النور، ص 15).

فكان الصحيح وفق زعم المعارضين أن يقول المسيح الموعود عليه السلام أُجلينا بدلا من أجلئنا، ويؤاخي بدلا من يواخي، وشباة بدلا من شباءة، إذ وفق زعمهم لا وجود لكلمة شباءة في اللغة العربية، بل هي كلمة شباة التي تعني (إبرة العقرب) ، وقالوا في شأن هذه الكلمة:

“إضافة الهمزة تدل أن الرجل لا يعرف الكلمة بالعربية جيداً، وإلا فلا وجود لكلمة شباءة. وبعد أن أخطأ الميرزا فيها ثلاث مرات في كتبه عاد في كتاب في عام 1903 فصحّحها، أو أن المدّققين صحّحوها، فقال: “وسَنَتْ نارُ محبّتهم، وعدِمتْ شباةُ نفوسهم” (سيرة الأبدال، ص 19)”

الرد:

لا خطأ في كل هذا! بل ما ورد في هذه الفقرات يسير على لغات القبائل العربية المختلفة في اختلافها وتخيّرها في تحقيق الهمزة والنبر بها أو في تسهيلها أو قراءتها “بين بين” أو قلبها ياء أو واواو أو ألفا أو حتى حذفها. وفي كل هذا  أفرد الأستاذ أحمد علم الدين في كتابه “اللهجات العربية في التراث” فصلا خاصا عنوانه “ظاهرة الهمز والتسهيل بين لهجات القبائل”؛ أُورد فيما يلي تلخيصا لبعض ما جاء في هذا الفصل مع شيء من التصرف والأختصار:

أهل الحجاز وهذيل وأهل مكة والمدينة لا ينبرون، والنبر يُقصد به هو لفظ وتحقيق الهمزة. بينما تميم هم أصحاب نبر. وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا. أي أنهم كانوا يخرجون عن سليقتهم وعادتهم في تسهيل الهمزة إذا اضطروا لذلك، مجاراة للّغة النموذجية الأدبية المتعارف عليها بين القبائل.

وبشكل عام يميل أهل البدو إلى تحقيق الهمزة وهي القبائل التالية: تميم، تيم الرباب، غني، عكل، أسد، عقيبل، قيس، بنو سلامة من أسد. بينما القبائل الحضرية يغلب عليها تسهيل الهمزة مثل : الحجاز، هذيل، أهل المدينة والأنصار، قريش، كنانة وسعد بن بكر؛ فهؤلاء يميلون إلى البعد عن الهمزة، بتخفيفيها أو تسهيلها أو تحويلها ونقلها أو حتى حذفها.

غير أن هذا التقسيم ليس بقطعي، فلغات هذه القبائل متداخلة، وقد نجد من بين المحققين من يسهل الهمزة ومن بين المسهلين من يحققها.

ورغم أن الهمز من خصائص اللغة التميمية إلا أنه راج وظهر لدرجة أنه أصبح من خصائص اللغة الأدبية الفصحى، ولذا يعد الهمز من أبرز الظواهر التي اكتسبتها اللغة النموذجية من غير البيئة الحجازية. ففَقَد الهمز طابعه المحلي الخاص ولم يعد محصورا في تميم أو القبائل التي عُرفت به.

فجاء اختلاف القبائل في تخيّرها بين تحقيق الهمزة أو تسهيلها وقراءتها “بين بين” أو قلبها ألفا أو ياء أو واوا أو حتى حذفها، وكذلك العكس قد ورد بقلب هذه الحروف إلى  الهمزة.  فمثلا، روي عن الأنصار قلب الهمزة ياء. إذ ورد عن ابن رواحة الأنصاري قوله: باسم الإله وبه بدِينا. فخفف الهمزة وقلبها ياء، وقال ابن خالويه:” ليس أحد يقول بدَيت بمعنى بدات إلا الأنصار”. وما ورد في سر الصناعة يؤيد قلب الألف همزة.

كما ورد إن تسهيل الهمزة أو قلبها ياء للتخفيف ظهر في لهجة الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش، وسعد بن بكر، وكنانة ولهجات الحجازيين، بل يظهر أنه شمل مناطق جغرافية أكثر من ذلك. ويقول ابن دريد “ليس في لغة النبي صلى الله عليه وسلم الهمز”.

ويقول ابن يعيش:“وإنما كتبت الهمزة تارة واوا وياء تارة أخرى على مذهب أهل الحجاز في التخفيف”

وقال ابن قتيبة: وكثير من العرب تترك الهمز وإن قريشا تتركه وتبدل منه.

ومما لا بدّ من ذكره بأن الكاتب لم يستثن ورود بعض الأخطاء في كلام العرب، وذلك بهمز ما ليس أصله همزة، والذي منشأه القياس الخاطئ أو أخطاء الأطفال، ولكن الأكيد من قوله بأن ما أصله همزة فلا خطأ من همزه وفق لغات العرب، وذلك لكون القبائل العربية قد تخيرت همز ما أصله همزة .

أمثلة على لغات القبائل في تحقيق وتسهيل الهمز:

فمن الأمثلة على اختيار القبائل في تحقيق الهمزة وتسهيلها، وقراءتها “بين بين”، أو قلبها ياء أو واوا أو ألفا ما يلي:

في لغات التسهيل:

جونة/ جؤنة. جبريل وميكال / جبرائيل وميكائيل . يونس/ يؤنُس. منساته/ منسأته.

سورة/ سؤرة. سال/سأل. يكلوكم ويكلاكم/ يكلؤكم. تملّى/ تملأ. قريت/ قرأت. خبيت/ خبأت.جايا/جاءا.توضيت/توضأت.عباية/عباءة.عظاية/عظاءة.صلاية/صلاءة،سحاية/سحاة،

وفي لغة المحققين والمثبتين للهمز ورد ما يلي:

المنشأر / المنشار.  العألم/ العالم.  والخأتم/ الخاتم. دأبة/دابة. نأر/ نار. شأبة/ شابة. أرأى/أرى. ترأياه/ ترياه. تَرقؤَة/ ترقوة. الجؤنة/ الجونة. المؤسى/ الموسى. الحؤت/ الحوت. إشاح/ وِشاح. إعاء/ وِعاء.

كما ذكر الدكتور أحمد علم الدين في كتابه ما يلي:

_ برئ فلان من وجعه يبرى بريا/ قريتَ القرآن فأنت تقرا وهو مقرٍ/ خبّيْت المتاع فهو مخبيٌّ/ جا فلان/ جايا (بدل :جاءا)/ جات المرأة/ الله المسول الخير. ففي هذه الأمثلة عن بني غاضرة ورد البدل من الهمزة على غير وجهه، فقد أبدلت الهمزة ياء ووجهه أن تبدل ألفا، فقيل: قريت بدلا من (قرات).

_ لغة قريش ومكة تسهيل همزة (سأل) ومشتقاته فيقولون: سال/ سلت/ تسال/ وهما يتسايلان.

_ قول الفراء في تفسير قوله تعالى : {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار} (الأنبياء 43) بأن يكلؤكم مهموزة، ولو تركت همزة مثله في القرآن قلت: يكلوكم– بواو ساكنة، ويكلاكم – بألف ساكنة….

_ روي عن ابن عباس “أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتى بكتف مشوية فأكل منها فتملّى…” وأصلها مع الهمز من الملأة بمعنى الامتلاء.

_  ورد عن العرب تلفظهم الفعل (أرى) على أصله بالهمز (أرأى) / أرآهم/ وجاء في التهذيب: “زيد يرأى “. وفي بيت سراقة البارقي: أُري عيني ما لم ترأياه. كما ورد في صيغة الأمر: إرأَ يدلا من رَ. وتعزى هذه اللغة لتيم الرباب وتميم.

_ ورد عن هذيل إبدال الواو المكسورة المصدّرة همزة فيقولون: إشاح وإلدة وإعاء بدلا من وِشاح ووِلدة ووِعاء، وعلى لغتهم قرأ ابن جبير (ثم استخرجها من إعاء أخيه).

وأما في حذف الهمزة فقد ذكر الكاتب ما يلي:

_ لغة الحجاز: قِرَة. وغيرهم يقول: قرءة. فالحجازيون يحذفون الهمزة فيها.  والذي يظهر أن الحجاز حذفت همزتها المتحركة وهي (قرأة) وألقتها على الساكن قبلها وهو نوع من القياس، فصارت عندهم (قرة).

_ ورد عن النبي صلى الله عيه وسلم: أدفوه بمعنى أدفئوه. فحذف الهمزة.

_  القريشيون كانوا يميلون لحذف الهمزة وتسهيلها، فمثلا قالوا: اللايْ بدلا من اللائي أو اللاءِ، والتي هي اسم موصول لجمع المؤنث. ورغم ذلك فقد وردت هذه في المصحف بالهمز على اللغة التميمية، لأن الهمز أصبح جزءا من اللغة النوذجية الفصحى.

_ ومن مظاهر حذف الهمزة عند الحجازيين هي صيَغ الفعل أرى /يرى /ورَ، والتي أصلها أرأى/ يرأى/ إرأ؛ وكذلك صيغ الفعل (إسأل) حيث تأتي: سل.

_ ومن مظاهر هذا الحذف ما ذكرناه آنفا عن بني غاضرة بقولهم: جا وجات، بدلا من جاء وجاءت.

_ ومن مظاهر الحذف في القراءات القرآنية: فيما قرأه أبو جعفر وقالون وورش: أرأيتم، أرأيتكم، أرأيت، أفرأيت، بالتسهيل “بين بين”، فلورش عن طريق الأزرق وجه آخر، وهو إبدالها ألفا مع إشباع المد ، وحذفها الكسائي وهي لغة فاشية.

فصاحة هذه اللغات:

ومما يشهد على فصاحة هذه اللغات التي تسهل الهمزة، الرواية التالية التي نقلها نفس المصدر حيث قال: كما جاء التحويل عن هذيل في قول أبي عمر الهذلي”قد توضّيت” فلم يهمز. وإنما حول الهمزة ياء، ومما يذكر أن الحسن قال يوما لبعض جلسائه: توضيت، فقيل له: أتلحن يا أبا سعيد؟ فقال: إنها لغة هذيل. وعقب الرافعي على إجابته بقوله: وكان هذا الجواب أبين عن فصاحته من الفصاحة نفسها.

ولعل أكبر دليل على فصاحة هذه اللغات على اختلافها، هو ورودها في القراءات القرآنية المتواترة، فالكثير من الآيات القرآنية قد وردت تارة بتحقيق الهمز وتارة أخرى بتسهيله أو قلبه أو حذفه. وإليكم ما جاء في القراءات القرآنية في هذه اللغات.

تحقيق الهمز وتسهيله وحذفه في القراءات القرآنية:

تحقيق وتسهيل الهمزة وارد في القراءات القرآنية، فكثير من القرّاء كانوا يُقرئون بالتحقيق مرة وبالتسهيل مرة أخرى. ولم يكن هذا لاضطرار. والقراءات القرآنية انعكاس للغات العرب المختلفة، وهي تثبت بما يقطع الشك باليقين عملية الاختيار بين هذه القبائل في تسهيل الهمزة وتحقيقها حيث جاء فيها :

_ قراءة ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وغيرهم بالهمزة في: {وَآخَرُونَ مُرْجَئونَ لِأَمْرِ اللَّهِ } (التوبة 106) و { تُرْجِئُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ } (الأحزاب 52)؛ وغيرهم قرأها مخففة: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ } (التوبة 106) { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ } (الأحزاب 52)

_ قرأ عاصم والأعمش ويعقوب:( إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ) بالهمز وغيرهم قرأها بغير همز. وذكر الفراء أن الهمز فيها لغة أسد.

_ قراءة نافع المدني بتحقيق الهمز في الكلمات: النبيين/ والنبيون/ والنبوة /والنبي ؛ فجاءت عنده : النبيئين / النبيؤون/ النبيء/ النبوءة.

_ قراءة التسهيل لابن عامر وأبو عمرو ونافع :{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } (البقرة 99)، تقابلها قراءة الهمز للأعمش وحمزة والكسائي.

_ قراءة نافع وأبو عمرو وأبو جعفر في الآية: {دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ } (سبأ 15) فقرئت: منساته، فأبدلت الهمزة بالألف.

_ قراءات الآية الكريمة: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (2)} (المعارج 2) حيث قرأها نافع وابن عامر: (سال)، وقرأها ابن عباس: (سال سيل) وهكذا رُسمت في مصحفه، ورُسمت بمصحف ابن مسعود وأبي بن كعب: (سال سال).

_  الآيات : {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (النساء 33)، { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا} (يوسف 83)،{فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ } (يونس 95)،  { فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } (الأحزاب 54)؛  قرأها ابن كثير والكسائي وخلف : (سلوا الله) و  (وسل القرية)، و (فاسّل الذين يقرأون الكتاب)، و (فسلوهن).

فكل هذه الآيات قرئت بتحقيق الهمزة أو تسهيلها، فقراءات التسهيل مادتها من (السؤال) فأبدلت أو حوّلت تلك الهمزة – على غير قياس عند سيبويه، (والقياس أن ننطق تلك الهمزة “بين بين”).

_ قراءة عمرو بن عبيد: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن). فهمز الجأن .

_ قراءة الأعمش عن عاصم (فلما ترات الفئتان) بلا همز. وقرأ أبو جعفر وقالون وورش: أرأيتم، أرأيتكم، أرأيت، أفرأيت، بالتسهيل “بين بين”، ولورش عن طريق الأزرق وجه آخر، وهو إبدالها ألفا مع إشباع المد ، وحذفها الكسائي وهي لغة فاشية.

_ قرأ زهير عن حصيف الآية: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } (الأَعراف 173) بهمز (ذرّيئتهم).

_  قرأ نافع (أولئك هم خير البريئة)  والقراءة متواترة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا مجال لرد مثل هذه اللغة .

_ قراءة الآية:إن يشأ يذهبكم ، بالتخفيف: إن يشا يذهبكم.

_ قراءة مجاهد (يؤقد من شجرة ) في (يوقد) بالهمزة وبدونها.

_  قراءة قنبل (بالسؤوق والأعناق) بالهمزة – وقراءة حفص: بالسّوق دون الهمز.

_ قراءة :(مؤصدة) على: موصدة.

_ روي عن بني غني أنهم كانوا يحققون الهمزة فيقولون: (تلك قسمة ضئزى)

_  وقبيلة قيس تقول: (اشترءوا الضلالة)

_ قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي الآيات التالية: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (التوبة 12) { أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } (الأنبياء 74) {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } (القصص 6) بتحقيق الهمزتين المتتاليتين في (أئمة). وقرأها غيرهم إما بتخفيف الهمزة الثانية وجعلها بين الهمزة والياء، وإما بزيادة ألف بين الهمزتين، وإما بجعل الهمزة الثانية ياء خالصة بالقول( أيمّة).

_  قرأ ابن جبير :(ثم استخرجها من إعاء أخيه).

وكل ما ورد في القراءات القرآنية الثابتة عن أئمة القراء هو صحيح وفصيح، لأن أئمة القراء لا يعملون على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على ثبوت وتواتر الرواية، فمتى ثبتت الرواية لا يردها فشو لغة ولا قياس عربية.

تحقيق وتسهيل الهمز في الشعر:

جاء تحقيق الهمزة والنبر في الشعر كنوع من الضرورة الشعرية أيضا، فجاء همز الشعراء في غير مواضع الهمز. ومن أمثلتها:

_ لأدّأها كرها أو أصبح بيته … لديه من الإعوال نوح مسلّب

قال: أدّأها بدلا من أدّاها لاستقامة الوزن.

_ وللأرض أما سودها فتجللت… بياضا وأما بيضها فاسوأَدَّتِ .  قال: اسوأدت بدلا من اسودّت.

_ قد كان يذهب بالدنيا ولذتها … موالئٌ ككباش العوس سحاح. قال: موالئٌ بدلا من موالي.

والأبيات للشاعر كثير الخزاعي، فنراه يهمز في غير مواضع الهمز، رغم أنه من قبيلة عرف عنها تخفيف الهمز.

وللشاعر بيت آخر خفف فيه الهمزة أو قُل حذفها فقال:

لَا أَنْزُرُ النَّائِلَ الخَلِيلَ إِذَا … مَا اعْتُلَّ نَزْرُ الظَّئُوْر لَمْ تَرمِ. فقال: ترم بدلا من ترأم.

_ قول الفرزدق في شعره:

راحت بمسلمة البغال عشية      فارعيْ فزارة لا هناك المرتع . قال:فارعيْ فزارة، بدلا من فأرعي.

وقد جاء في الشعر للضرورة  أيضا ما يلي: يحتئل واصلها يحتال؛ ثم جاء: المشتئق، وأصلها المشتاق.

وقد يرد أيضا لغير الضرورة في الشعر :

_ فمما جاء في تسهيل الهمزة وفي إبدالها في شعر أبي النواس، وقد اتهم فيه باللحن حيث قال:

فليت ما انت واطٍ     من الثرى ليَ رمْسا

فقال (واطٍ) بدلا من (واطئ). فدافع عنه ابن قتيبة ودفع عنه اللحن في هذا وقال، إنها على حجة من الشعر المتقدم وعلى علة بينة من علل النحو، وكثير من العرب تترك الهمز وإن قريشا تتركه وتبدل منه.

النتيجة:

بناء على كل ما تقدم نرى الظواهر التالية في لغات القبائل العربية الفصيحة:

_ ان من هذه القبائل من يحقق الهمزة والنبر في الكلمات خاصة التي أصلها همز. ومنهم من يقلب بعض الحروف مثل الألف والواو والياء إلى الهمز. كما في (البرية/ البريئة، الذرية /الذريئة).

_ من هذه القبائل من لا ينبر والهمز ليس من لغته، بل يسهل الهمز أو يلفظه “بين بين” أو يقلبه واوا أو ياء او ألفا أو حتى يقوم بحذفه.

_ وكل هذه الظواهر من التحقيق والتسهيل والقلب والحذف وارد بكثرة في القراءات القرآنية مما يشهد على فصاحة هذه اللغات.

_ وكل هذا يُثبت صحة الفقرات التي يعترض عليها المعارضون في كلام المسيح الموعود عليه السلام.

_ فقول حضرته عليه السلام ( أجلئنا) جاء على لغة النبر  ومن يتبع تحقيق الهمزة ، ولا خطأ في النبر في هذه الكلمة لأن أصلها همزة (الجلاء).

_ وقول حضرته عليه السلام: (يواخي) جاء على لغة من يسهّلون الهمز ويقلبونه، حيث قلبها حضرته عليه السلام في هذه الكلمة إلى واو.

_ أما قول حضرته عليه السلام: شباءة بدلا من شباة؛ فلا بد فيه من التفصيل التالي:

جاء في لسان العرب:

شبا: شَباةُ كُلِّ شيءٍ: حدُّ طَرَفِهِ، وَقِيلَ حَدُّهُ. وحَدُّ كلِّ شيءٍ شَباتهُ، والجمْعُ شَبَواتٌ وشَباً. وشَبا النَّعْلِ: جانِبا أَسَلَتِها. والشَّبا: البَرَدُ؛

الشَّباةُ: طَرَفُ السَّيْفِ وحَدُّه، وجَمْعُها شَباً. والشَّباةُ: العَقْرَبُ حِينَ تَلِدُها أُمُّها، وَقِيلَ: هِيَ العَقربُ الصَّفْراءُ، وَجَمْعُهَا شَبَوات. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والنَّحْوِيُّون يَقُولُونَ شَبْوَةُ العَقْرَبُ،…وَقِيلَ: شَبْوَةُ هِيَ العَقْرَبُ مَا كانتْ، … وشَباةُ العَقْرب إبْرَتُها. والشَّبْوُ: الأَذى. وجاريةٌ شَبْوَةٌ: جَرِيئَةٌ كَثِيرَةُ الْحَرَكَةِ فاحشةٌ…..والإِشْبَاءُ: الدفْعُ.”

وبناء عليه نرى أن أصل كلمة شباة جاء في الشبا والشبو والشبوة، وليس من البعيد وفق لغات العرب المختلفة تحويل وقلب الألف والواو فيها إلى همزة ومن ثم حذفه: الشبأ والشبؤ والشبأة  والشباءة والشباة.

لتكون بذلك (شباءة) قد جاءت على لغة النبر في تحقيق الهمزة، و(شباة) على لغة تسهيلها وحذفها.

ومما قد يفسر لغة التبادل بين شباة وشباءة هو أن يكون أصل الكلمة (شبّاية) وهو اسم لشخص، ورغم أنني لم أجد لـ “شبّاية” معنى في القاموس إلا أنه ليس من الغريب أن يكون لها نفس المعنى؛ فجاء التحويل على النحو التالي: شبّاية/ شبّاءة/ شبَاءة/ شباة ؛ قلبت الياء همزة أو بالعكس، ثم حذفت على لغة المسهلين. علما أن اختلاف، لغات العرب عرفت أيضا لغات التشديد والتخفيف، وقد ذكر كتاب “اللهجات العربية في التراث” هذه المسألة، فمن بين اللغات التي جاءت في تشديد وتخفيف الأسماء كان ما يلي:

الهديْ/ الهدِيّ. اللذانّ/ اللذان. هذانّ/ هذان. هوّ/هو. هيّ/هي.

فليس من البعيد في مراحل تطور هذه الكلمة أو اختلافها بين لغات العرب أن تكون الشدة قد خففت من شبّاية إلى شباية، ومن ثم إلى شباءة بقلب الياء إلى همزة، ومن ثم حُذفت الهمزة على لغة التسهيل.

وقد جاء ذكر شبّاية في المصادر التالية:

1: صحيح ابن حبان – محققا (8/ 67)

. شبايّة: هو ابن سوّار المدائني،

2: البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (25/ 321)

وأما رواية شبّاية بن سوّار،

3: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (4/ 125)

رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الْجَامِع عَن مَحْمُود بن غيلَان ثَنَا شباية

4: أبو تراب اللغوي وكتابه الاعتقاب (ص: 463)

في التّهذيب 12/94 ((شَبَّاية)) بالياء

وبناء على هذا نرى بأن كل هذه الكلمات التي استعملها المسيح الموعود عليه السلام جاءت على لغات العرب الفصيحة المختلفة، وقد جاء استعمال المسيح الموعود عليه السلام في كتاب سيرة الأبدال لكلمة (شباة) دون الهمز، وفي حمامة البشر لكلمة (يؤاخي) بالهمز،  ليدلل بذلك على أنه يتحدث على لغات  العرب المختلفة وعلى أن استعمالاتها الأخرى ليست نتيجة جهله بالصيغ التي تخالفها، بل لإلمامه بكل هذه اللغات وتخيره الحديث تارة بهذه وتارة بتلك.

One Comment on “تحقيق وتسهيل الهمزة على لغات العرب الفصيحة”

Comments are closed.