المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..195

جواز حروف المضارعة الياء والتاء مع جمع الغائبات

الاعتراض :

يدعي المعارضون أن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في الفقرة التالية، حيث قال:

_  تكاد السماوات تتفطّرن من هذا الزور. (الهدى والتبصرة)

ووفق زعمهم يكمن الخطأ في الفعل المضارع (تتفطّرن)، حيث لا بد وفق المعارضين أن يكون حرف المضارع (الذي يبدأ به الفعل المضارع) هو الياء وليس التاء، ووجب أن يقول حضرته (يتفطرن) بدلا من (تتفطرن).

الرد:

لا خطأ في كل هذا! فالفعل المضارع المسند إلى نون النسوة يجوز فيه أن يكون مبدوءا بالياء أو بالتاء، وإن كانت الياء أفضل وفق زعم النحاة. وإليكم ما جاء في النحو الوافي بهذا الصدد، يرجى التركيز على ما بين الأقواس المزدوجة:

“ومضارع: وهو: “كلمة تدل على أمرين معًا: معنى، وزمن صالح للحال والاستقبال. كقوله تعالى: {قوْلٌ معْروفٌ، ومغْفِرةٌ خيْرٌ من صَدَقَة يتْبَعُها أذًى} ، ((ولا بد أن يكون مبدوءًا بالهمزة، أوالنون، أوالتاء، أوالياء  … وتسمَّى هذه الأحْرف: “أحرف المضارعة”.)) وفتحها واجب، إلا فى المضارع الرباعيّ فتضمّ، وكذا في: المضارع المبني للمجهول.. [النحو الوافي] (1/ 47)

وفي الهامش لنفس الصفحة جاء:

“يجب أن يكون المضارع مبدوءًا بالهمزة للدلالة على التكلم، وأن المتكلم فرد واحد، نحو: إني أتخير ما أقوله وما أقرؤه. ويجب أن يكون مبدوءًا بالنون للدلالة على التكلم، وأن المتكلم فرد واحد يعظم نفسه، أو أنه فرد واحد معه غيره، مثل: عند الزيارة نحسن استقبالك، ونكرم ضيافتك.(( ويجب أن يكون مبدوءًا بالتاء لمخاطبة المفرد المذكر والمؤنث وفروعهما، أو للتحدث عن المفردة الغائبة، أو مثناها، وكذلك جمعها “طبقًا للرأي الآتي في “جـ” من ص 181″)) نحو: أنت تتقن عملك وأنت تتقنين عملك، وأنتما تتقنان عملكما “لخطاب المثنى المذكر والمؤنث” وأنتم تتقون عملكم، وأنتن تتقن عملكن، وهي تتقن عملها، وهما تتقنان عملهما، ((وهن تنظمن عملهن،)) ((ويجب أن يكون مبدوءا بالياء للمفرد المذكر الغائب وفروعه وجمع الغائبات.)) نحو: الشجاع يقول الحق لا يخاف شيئًا، الشجاعان يقولان الحق، لا يخافان شيئًا، الشجعان يقولون الحق، لا يخافون شيئًا، ((الشجاعات يقلن الحق، لا يخفن شيئًا.)) وإذا كان المضارع مبدوءا بالهمزة أو النون أو التاء ففاعله ضمير مستتر وجوبا. طبقًا للبيان الآتي في ص 228.” [النحو الوافي (1/ 47)]

إذن، يجوز وفق هذا أن يكون حرف المضارع لجمع المؤنث الغائبات مبدوءا إما بالياء وإما بالتاء وكلاهما صحيح. كالقول: هن تنظمن عملهن، والقول: الشجاعات يقلن الحق.

ويفصّل النحو الوافي هذا الأمر في موضع آخر ويقول:

“(( يجوز أن تقول: “هما تفعلان” و”هما يفعلان” عند الكلام على مؤنثتين غائبتين))؛ ففي الحالة الأولى تؤنث مراعيًا أنك تقول في المفردة: هي تفعل؛ بوجود التاء أول المضارع. فكأن الأصل -مثلًا- زينب تفعل؛ لأن الضمير بمنزلة الظاهر المؤنث الذى بمعناه. فإذا قلت: “هما تفعلان” فقد أدخلت في اعتبارك الحالة السابقة. وإذا قلت: “هما يفعلان” فقد أدخلت في اعتبارك مراعاة لفظ الضمير الحالي الذى للمثنى الغائب، والأول أكثر وأشهر، وفيه بُعْد عن اللّبس، فوق ما فيه من مسايرة لقاعدة هامة؛ هي: أن الفعل يجب تأنيثه إذا كان مسندًا. لضمير يعود على مؤنث …” [النحو الوافي (1/ 181)]

وفي الهامش من نفس الصفحة جاء:

“(( وقياسًا على هذا يجوز في المضارع المسند لنون النسوة أن يكون مبدوءًا بالياء أو بالتاء، نحو: الوالدات يحرصن على راحة أبنائهن، أو تحرصن. ويؤيد هذا القياس ما سيجيء “في “ب” من الجزء الثاني باب الفاعل ص75 م66 عند الكلام على الحكم السادس” فقد نصوا هناك على جواز الأمرين صراحة وأن الأحسن تصديره بالياء لا بالتاء، تبعا للمأثور، واستغناء بنون النسوة عن التاء في الدلالة على التأنيث.”)) [النحو الوافي (1/ 181)]

ووفق هذا يجوز في جمع الغائبات المسند إلى نون النسوة، أو في مثنى الغائبات أن يكون الفعل المضارع مبدوءا إما بالتاء وإما بالياء. فيجوز القول لمثنى الغائبات : هما  تدرسان وهما يدرسان والتاء أفضل في هذه الحالة؛ كما يجوز القول في جمع الغائبات: هنّ يدرسن وهن تدرسن والياء أفضل، إلا أنه لا خطأ في استعمال التاء.

ويزيدنا النحو الوافي من الشعر بيتا في هذا القصيد ويقول:

” إن كان العامل مضارعًا فاعله المؤنث اسم ظاهر، للمفردة، أو لمثناها أو جمعها، لحقت أوله تاء متحركة: مثل: تتعلم عائشة، تتعلم العائشتان -تتعلم العائشات، وكذلك إن كان فاعله ضميرًا متصلًا للغائبة المفردة أو لمثناها، مثل: عائشة تتعلم- العائشتان تتعلمان، ومثل قولهم: عجبت للباغي كيف تهدأ نفسه، وتنام عيناه، وهو يعلم أن عين الله لا تنام؟ وكالمضارع تملأ” و”تهزأ” في البيت السالف.

((فإن كان فاعله ضميرًا متصلًا لجمع الغائبات “أي: نون النسوة”، فالأحسن – وليس بالواجب- تصديره بالياء، لا بالتاء؛ استغناء بنون النسوة في آخره؛ نحو: الوالدات يبذلن الطاقة في حماية الأولاد، ويسهرن الليالي في رعايتهم. ويصح: تبذلن، تسهرن … ولكن الياء أحسن -كما تقدم.”))  [النحو الوافي (2/ 77)]

ومن هنا نفهم أن ترجيح النحاة لتصدير الفعل بالياء بدلا من التاء، هو لوجود ما يدل على التأنيث، وهو نون النسوة؛ فلم يروا حاجة للتاء التي تدل هي الأخرى على التأنيث؛ فقالوا بأن يُكتفى بالياء؛ فماذا لو جئنا بالتاء بدلا من الياء أيضا للدلالة على التأنيث بمعية نون النسوة!؟ هل سيفسد المعنى!؟ لن يحدث شيئ! وفي هذا ننقول “زيادة الخير خير ” . لذلك أجاز النحاة أن يكون الفعل المضارع المسند إلى نون النسوة مبدوءا بالتاء أيضا ولا خطأ في ذلك.

ومن كل هذا تثبت صحة الفقرة أعلاه من كلام المسيح الموعود عليه السلام، وصحة وفصاحة قوله عليه السلام (تتفطرن). ويثبت إلى جانب ذلك جهل المعترض بلغته العربية التي تخصص فيها ولا يدري ما فيها.