المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..226

نكتة الخلط بين الفعل الماضي والمضارع …3

نكتة الخطأ في التوابع ..2

حذف المعطوف وبقاء معموله بعد واو العطف

الاعتراض :

يدعي المعارضون الخطأ  في كلام المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات التالية:

1:  والمتكبّر ليس بحَرِيٍّ أن يقال عِثارُه وستر عُواره. (إعجاز المسيح)

التصحيح على رأي المعترضين: يُستَر

2: وما ترى خلاف ذلك في كتب اللغة والأدبية (مكتوب أحمد، ص 45). الصحيح حسب رأي المعارضين: والأدب.

وموضع الخطأ وفق زعمهم يكمن في عطف الكلمات (الأدبية) و (ستر)، إذ كما يظهر من تصحيحاتهم لا بدّ أن تكون (الأدب) و (يستر).

الردّ:

لا خطأ في هذه الفقرات من كلام المسيح الموعود عليه السلام. فالمعترضون لا يتنبهون إلى الدقائق اللغوية والنحوية الكامنة فيها، إذ تخريج هذه الفقرات على اعتبارات مختلفة نفصلها فيما يلي:

التوجيه الأول:

بالنسبة للفقرة الأولى:  والمتكبّر ليس بحَرِيٍّ أن يقال عِثارُه وستر عُواره. (إعجاز المسيح)

فإن أول توجيه لها يكمن في معنى الكلمة (أقال) في قوله عليه السلام (أن يُقال عثارُه)،  فمن المعاني لكلمة (أقال) هو الفسخ والرد والنقض والجبر والعفو؛ حيث جاء في معانيها ما يلي:

أ: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 146)

(ق ي ل) : وَالْإِقَالَةُ الْفَسْخُ وَالرَّدُّ وَأَصْلُهُ الْيَاءُ وَقَالَ الْمَبِيعُ يُقِيلُهُ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ لُغَةٌ فِي أَقَالَهُ يُقِيلُهُ إقَالَةً وَتَحْكِيمُ الْإِنْسَانِ جَعْلُهُ حَكَمًا أَيْ حَاكِمًا.

ب: النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 134)

(س) وَفِيهِ «مَنْ أَقَال نادِماً أَقَاله اللَّهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّم» وَفِي رِوَايَةٍ «أَقَاله اللَّهُ عَثْرتَه» أَيْ وافَقَه عَلَى نَقْض الْبَيْعِ وَأَجَابَهُ إِلَيْهِ. يُقَالُ: أَقَالَهُ يُقِيله إِقالة، وتَقَايَلَا إِذَا فَسَخا الْبَيْعَ، وَعَادَ المَبيعُ إِلَى مَالِكِهِ والثمنُ إِلَى المَشْتري، إِذَا كَانَ قَدْ نَدِم أحدُهما أَوْ كِلاهما، وَتَكُونُ الْإِقَالَةُ فِي البَيْعة والعَهْد.

ج: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 285)

قوله: “والإقالَةُ” قال ابن درستويه: الإقالة في البيع: نقضه وإبطاله. وقال الفارسي: معناه: أنك رددت عليه ما أخذت منه،

د: كتاب الأفعال (3/ 59)

و “أقال” الله تعالى عثرته جبرها

ولو أخذنا بهذا المعنى الأخير لكلمة (أقال) وهو (جبر) لحُلّت المسألة ببساطة كبيرة ، ويكون فيها معنى الفقرة: أن المتكبر ليس بحري أن يُجبر عثارُه وأن يُجبر سَتْرُ عواره، بعد ما انكشف أو خُلع أو انكسر هذا الستر. وذلك بعطف كلمة (سَتْرُ) على كلمة (عثار) عطفا عاديا كما هو معروف. وفي هذه الحال من الممكن أخذ كلمة (أقال) بمعنى (جبرَ) بمعناها الحرفي هذا أو حتى بالمجاز إن لم يتلاءم الجبر مع الستر وفق منطق البعض.

التوجيه الثاني:

أما إن أخذنا بالمعاني الأخرى لكلمة (أقال) ورأينا بأنها غير مناسبة وغير متلائمة مع كلمة السَّتْر ، أو إن قال أحد بأن الجبر ليس ملائما للستر، فيكون توجيه هذه الفقرة على (حذف المعطوف مع بقاء معموله) والذي هو أمر جائز صحيح ودقيق، تكاد تختص وتستأثر فيه الواو بالذات من بين حروف العطف الأخرى. ومن الممكن للمعمول أن يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا.

ومثال هذا القول: “أكلت الطعام والماءَ”، فالماء لا يؤكل ، لذا فلا يصح أن يكون معطوفا على الطعام، لذا فدفع هذا التوهم يستدعي تقدير محذوف وهو المعطوف الذي تقديره (شربتُ)، وهذا المعطوف هو العامل في المعمول المتبقي (الماء). كل هذا وفق التفصيل التالي:

 

البحث والتفصيل:

فعن أحكام العطف التي تختص بها الواو يقول النحو الوافي :

” وتنفرد الواو بأحكام نحوية تكاد تستأُثر بها:…..

ومنها: اختصاصها بعطف عامل قد حُذف وبقي معموله. نحو: “قضينا في الحديقة يوما سعيدًا أكلنا فيه أشهَى الطعامِ، وأطيب الفاكهةِ، وأعذبَ الماء” فكلمة: “أطيب” معطوفة على: “أشهى”، أي: أكلنا أشهَى الطعام، وأكلنا أطيبَ الفاكهة. أما كلمة: “أعذب” فلا يصح -في الرأي الأغلب- عطفها على أشهَى، إذ لا يصح أن يقال: أكلنا أعذب الماء؛ لأن أعذب الماء لا يؤكل، وإنما يُشرب، ولهذا كانت كلمة: “أعذب” معمولة لعامل محذوف، تقديره: شَرِب، أي: وشربنا أعذب الماء، والجملة بعد الواو معطوفة على الجملة التي قبلها وهي: أكلْنا؛ فالعطف عطف جملة على جملة.

ومثل: “اشتد البرد القاسي في ليلة شاتية، فأغلقتُ الأبوابَ والنوافذَ، وأوقدتُ نارًا للدفء، والملابسَ الصوفية”؛ فلا يصح عطف كلمة: “الملابس” على “الأبواب” ولا على “نار” لفساد المعنى على هذا العطف؛ إذ لا يقال: أغلقتُ الملابس الصوفية، ولا أوقدتُ الملابس، وإنما هي معمول لعامل محذوف تقديره: ولبِستُ الملابس الملابس الصوفيةَ، أو أكثرتُ الملابسَ الصوفية، أو نحو هذا مما يناسب الملابس، والجملة بعد الواو معطوفة على جملة: أغلقتُ. فالعطف عطف جملة على جملة، لا عطف مفرد على مفرد -كما سبقت الإشارة-.

ولا فرق في المعمول الباقي بين المرفوع؛ نحو قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ، والمنصوب؛ نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا  الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ، والمجرور نحو قولهم:”ما كل سوداءَ فَحْمةً، ولا بيضاء شحمةً، والأصل في المثال المرفوع”: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ؛ إذ لا يصح عطف “زوج” على الضمير المستتر الفاعل؛ وإلا كان فاعلًا مثله حُكمًا؛ فيترتب على هذا أن يقال: اسكن زوجُك، بوقوع الاسم الظاهر فاعلًا للأمر؛ وهذا لا يصح. كما أن الأصل في المنصوب: “تَبوّؤا الدار، وألِفُوا الإيمان”؛ لأن الإيمان لا يُسْكن والأصل في المجرور: “ما كلُّ سوداء فحمةً ولا كلُّ بيضاءَ شحمةً” لئلا يترتب على العطف المباشر من غير تقدير المحذوف، عطف شيئين على معمولي عاملين مختلفين بحرف عطف واحد، وهذا ممنوع. والعاملان هما “ما، وكلّ” والمعمولان هما: “بيضاء، وشحمةً”.

هذا ما يقوله كثير من النحاة. ولكن الصحيح أن الواو العاطفة لا تختص بهذا الحكم وحدها، وإنما تشاركها فيه “فاء” العطف -كما سيجيء عند الكلام عليها مثل: أحْسِن بدينار فصاعدًا … أي فاذهب صاعدًا بالعدد …” [النحو الوافي (3/ 562- 565)]

فحذف المعطوف هو أمر تكاد تختص به الواو من أحرف العطف وتشاركها فيه أيضا الفاء.

وعن حذف المعطوف يقول النحو الوافي ما يلي:

“حذف المعطوف:

تنفرد الواو بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله المرفوع أو المنصوب أو المجرور، فمثال المعمول المرفوع قوله تعالى لآدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فكلمة: “زوج” فاعل بفعل محذوف، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله المذكور معطوفة على الجملة الأمرية المكونة من فعل الأمر: “اسكن”وفاعله. والتقدير: اسكن أنت، وليسكن زوجك. والسبب في هذا أننا لو أعربنا كلمة: “زوج” معطوفة بالواو على الفاعل المستتر لفعل الأمر لكان العامل في المعطوف “زوج” هو العامل في المعطوف عليه، أي: في الفاعل المستتر. فيكون الفعل: “اسكن” عاملا في فاعله، وفي كلمة: “زوج”، فهو الذي رفع كلمة “زوج” وهي بمنزلة الفاعل بسبب عطفها على الفاعل ويترتب على هذا أن يكون فاعل الأمر اسما ظاهرا مع أن فعل الأمر لا يرفع الظاهر.

هذا تعليلهم. وهو تعليل مرفوض، يعارضه ما يرددونه كثيرا من أنه: “قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع”، أو: “قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل”. فإذا امتنع أن يقع الاسم الظاهر فاعلا لفعل الأمر مباشرة فلن يمتنع أن يكون المعطوف على هذا الفاعل اسما ظاهرا؛ لأنه تابع أو ثان ينطبق عليه ما سبق من التوسع والتيسير؛ فلا داعي للتكلف والتقدير …

ومثال المعمول المنصوب قوله تعالى في أنصار الدين {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ، ومعنى تبوءوا الدار أعدّوها للسكنى. وهذا المعنى مناسب للدار؛ لكنه غير مناسب للإيمان، إذ لا يقال على سبيل الحقيقة: هيئوا الإيمان للسكنى؛ ومن ثم أعربت كلمة: “الإيمان” مفعول لفعل محذوف تقديره: “ألفوا” وهذه الجملة الفعلية المحذوفة معطوفة بالواو على الجملة الفعلية التي قبلها. ومنه قول الشاعر:

إذا ما الغانيات برزن يوما … وزججن الحواجب والعيونا

أي: وكحلن العيون؛ لأن التزجيج “وهو ترقيق الحاجب بأخذ بعض الشعر منه كي يصير منحنيا كالقوس” لا يصلح للعيون.

ومثال المعمول المجرور قولهم: ما كل سوداء فحمة، ولا بيضاء شحمة. فكلمة: “بيضاء مجرورة بمضاف محذوف معطوف على “كل” والأصل “ولا كل بيضاء شحمة”. والداعي للتقدير هنا هو الفرار من العطف على معمولي عاملين مختلفين.

وإيضاح هذا أن كلمة: “سوداء” مضاف إليه فهي معمول، عامله هو المضاف؛ “لفظة: “كل” المذكورة” وأن “فحمة” خبر “ما” الحجازية فهي معمول، عامله: “ما”، فالعاملان مختلفان، وكذلك المعمولان. فلو عطفنا “بيضاء” على “سوداء”، و”شحمة” على “فحمة” لزم العطف بعاطف واحد “هو: الواو” على معمولين مختلفين لعاملين مختلفين -كما يقولون- وهذا لا يبيحه كثرة النحاة … إذ يجب أن يكون العامل في المتعاطفين واحدًا، لا أكثر. وهذا الرأي أحق بالإتباع …” [النحو الوافي (3/ 638- 636) ]

ويقول ابن مالك في هذا الحذف ما يلي:

“والفاء” قد تحذف مع ما عطفت “والواو”، إذ لا لبس وهي انفردت:

بعطف عامل مزال قد بقي … معموله؛ دفعا لوهم أتقي

“عامل مزال، أي: أزيل عن مكانه، والمراد “حُذف” وقد بين في البيت الثاني أن الداعي لتقدير المحذوف دفع وهم لا يستقيم الأمر إلا بدفعه وإزالته.  [ النحو الوافي (3/ 638)]

وبناء عليه يكون توجيه الفقرة الأولى من كلام المسيح الموعود عليه السلام كما يلي:

 

1:  والمتكبّر ليس بحَرِيٍّ أن يقال عِثارُه وسترُ عُوارِه. (إعجاز المسيح)

فليس القصد من كلمة (ستر) هنا الفعل (يُستر) كما ظن المعارضون، بل هي الاسم (سَتْرُ) تماما كما هي مكتوبة دون أي خطأ إملائي. غير أن العامل في هذا الاسم هو المعطوف المحذوف الذي قد يأتي بتقديرات مختلفة مناسبة للمقام.

وبالأخذ بعين الاعتبار المعاني المختلفة لكلمة (أقال) والتي ذكرناها أعلاه مثل: الفسخ والرد والنقض والجبر والعفو؛ فإذا كان معنى يقال عثاره هو أن يُردّ وينقض عثاره ويصفح عنه، فلا يصح عطف كلمة (ستر) على العثار وفق هذا المعنى، فلا بدّ إذن من تقدير فعل محذوف، والذي من الممكن أن يكون نفس الفعل (يُقال) ولكن بمعنى الردّ والإعادة والجبر بعد الانكشاف، ومن الممكن أن يقدر فعل آخر مثلا: يحُفظ، أو يُعاد، أو يُراد.. أو غيره من الأفعال المناسبة للمعنى؛ ليكون تقدير الجملة على النحو التالي:

_ والمتكبّر ليس بحَرِيٍّ أن يقالَ عِثارُه و (يقالَ/ يعاد) سترُ عُوارِه. أي أن يعاد الستر بعد العثار.

_ والمتكبّر ليس بحَرِيٍّ أن يقال عِثارُه و(يحفظ/ يرجى/ يستبقى / يراد) سترُ عُوارِه.

 

وأما  الفقرة الثانية من كلام المسيح الموعود عليه السلام:

2: وما ترى خلاف ذلك في كتب اللغة والأدبية (مكتوب أحمد، ص 45).

فلا خطأ في كلمة (الأدبية) الواردة في هذه الجملة، ولا يجب أن تكون (الأدب) كما ظن المعارضون، وإنما كلمة (الأدبية) صحيحة على اعتبار أن عاملها محذوف وهو الجار والمجرور على مذهب سيبويه أو المنعوت نفسه على مذهب الأخفش، حيث جاء في هذه المذاهب ما يلي:

“وكان يذهب سيبويه إلى أن العامل في النعت هو العامل في المنعوت، وذهب الأخفش إلى أن العامل في النعت المنعوت نفسه” [المدارس النحوية (ص: 101)]

 

 

وتقدير العامل يكون إما : (في الكتب) / أو (في المراجع) والتي هي معطوفة  على شبه الجملة (في كتب اللغة)  التي سبقتها . فالعامل المحذوف هو حرف الجر العامل في المعطوف المنعوت وفي النعت معا  ليكون تقدير الجملة على النحو التالي:

وما ترى خلاف ذلك في كتب اللغة و (في الكتب/ في المراجع) الأدبية .

وهذا يكون من قبيل حذف الجار والمجرور ، كما ينصّ عليه النحو الوافي:

“أما حذف الجار والمجرور معًا فجائز إذا لم يتعلق الغرض بذكرهما، بشرط وجود قرينة تعيّنهما، وتعيّن مكانهما، وتمنع اللبس، ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} ، أي: لا تجزي فيه.” [النحو الوافي (2/ 536)]

فالقرينة التي تعيّن الجار والمجرور موجودة في الجملة وهي (في كتب اللغة).

أو التقدير التالي: (الكتب) أو (المراجع) المعطوفة على كلمة (كتب) ليكون تقدير الجملة على النحو التالي:

وما ترى خلاف ذلك في كتب اللغة والكتب الأدبية .

وهذا يكون من قبيل حذف المنعوت والذي هو جائز وواقع بكثرة كما جاء في النحو الوافي، حيث قال:

 

“ويجوز بكثرة حذف المنعوت -“سواء أكان النعت مفردًا،أم جملة،أم شبه جملة”- بشرط أن يصلح النعت لأن يحل محل المنعوت المحذوف؛ فيعرب إعرابه. فلا يصح حذف المنعوت إن كان فاعلًا، أو مفعولًا، أو مجرورًا، أو مبتدأ وكان النعت جملة أو شبهها؛ لأن الجملة وشبهها لا تقع شيئًا مما سبق، فلو حذف المنعوت وهو أحد الأشياء السالفة لم يوجد في الكلام ما يصلح أن يحل محله في إعرابه، ولهذا لا يصح حذفه إذا كان الأمر على ما وصفناه.

أمَّا إن كان المنعوت واحدًا مما سبق (فاعلًا، أو مفعولًا، أو مجرورًا، أو مبتدأ)  والنعت مفردًا، فيجوز حذف المنعوت، لوجود ما يصلح أن يحل محله في إعرابه، وهو: المفرد. ويشترط لحذفه أيضا أن يكون معلومًا. ….

ومن وسائل العلم به أيضًا أن يتقدم على النعت ما يدل على المنعوت المحذوف

الذي يحقق المعنى المراد؛ نحو: ألاَ ماءَ، ألا باردًا؟

أو: وجود عامل نحوي يحتاج إلى المنعوت ليكون معموله الذي يَتمّ به المعنى الأنسب، حيث لا يستطيع العمل المباشر في النعت، ولا يجد النعت عاملًا آخر؛ كقوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، والتقدير: فليضْحكوا ضحكًا قليلًا، وليبكوا بكاءً كثيرًا…. فالفعلان في جملتي: “يضحكوا – يبكوا” محتاجان لمعمولين يتممان هذا المعنى الأنسب، ولا يستطيع فعل منهما أن يؤثر في النعت الذي بعده مباشرة إلا من طريق منعوت محذوف يستقيم به المعنى. ولا يجد كل من النعتين “قليلًا – وكثيرًا” عاملًا له إلا الفعل اللازم قبله، ولكن اتصاله به مباشرة غير سائغ لغويًا؛ فلم يكن بد من تقدير المنعوت المحذوف على الوجه السالف …” [النحو الوافي (3/ 494- 495)]

 

وكل هذه الشروط متحققة في الجملة أعلاه فالمحذوف المنعوت معلوم من سياق الكلام، حيث دلت كلمة (كتب اللغة) على المنعوت المحذوف (الكتب)؛ كما أن العطف (أو حرف العطف على مذهب ابن جني) في الجملة، هو عامل نحوي لا يستطيع العمل في النعت (الأدبية) مباشرة فاحتاج إلى المنعوت (الكتب)، كما أنه صلح أن يحل النعت (الأدبية) -لأنه مفرد – محل المنعوت المحذوف ويعرب إعرابه.

 

 

الخلاصة والنتيجة :

بناء على كل هذا فلا خطأ وارد في الفقرات أعلاه، فكلها لها وجوه في أوجه اللغة العربية الواسعة، وهي حذف المعطوف بعد واو العطف مع بقاء معموله قائما، وعلى حذف المنعوت بالشروط المذكورة آنفا، وكذلك حذف الجار والمجرور. ليكون تقدير الجمل على النحو التالي:

على حذف المعطوف :

_ والمتكبّر ليس بحَرِيٍّ أن يقالَ عِثارُه و (يقالَ/ يُعاد) سترُ عُوارِه. أي أن يعاد الستر بعد العثار.

_ والمتكبّر ليس بحَرِيٍّ أن يقال عِثارُه و(يُحفظ/ يُرجى/ يُستبقى / يُراد) سترُ عُوارِه.

_ وما ترى خلاف ذلك في كتب اللغة و (في الكتب/ في المراجع) الأدبية .

_ وما ترى خلاف ذلك في كتب اللغة و (الكتب/ المراجع) الأدبية . 

 

وكما قلنا فإن الفقرة الأولى ممكن أن تُوجه على المعنى الحرفي لكلمة (يُقال) وهو (يُجبر)، واعتبار العطف عطفا عاديا دون أي حذف للمعطوف، وهذا هو التوجيه الأرجح لهذه الفقرة. ليكون تقدير الفقرة :

_ والمتكبّر ليس بحَرِيٍّ أن يُجبر عِثارُه وسترُ عُوارِه. أي يُجبر ستر عواره أيضا.

  

ملحوظة:

التوجيه الأول في حذف المعطوف يستلزم امتناع عطف (الأدبية) على ما قبلها، وأما حذف المنعوت مشروط بإمكانية العطف وأن يحل النعت مكان المنعوت ويُعرب إعرابه. وقد يبدو تناقض بين التوجيهين رغم الدمج بينهما. إلا أنه لا تناقض! إذ امتناع العطف في الأول هو معنوي بينما وجوب إمكانية العطف في الثاني هي من حيث كون النعت مفردا أو جملة، فالشرط أن يكون النعت مفردا، وهذا متحقق رغم الامتناع المعنوي.