أوجه البلاغة والفصاحة في لغة المسيح الموعود عليه السلام ونقض عسلطات المعترض 4

الفصاحة والبلاغة في ظرف استعمال ظرف الزمان “إذا” دالّا على الماضي

الاعتراض :

يعترض المعترض على استعمال المسيح الموعود عليه السلام للأداة الظرفية الشرطية “إذا” في بعض الجمل مثل: ثم إذا انقضت أشهر الميعاد، فقسّى قلبه. (حجة الله). ويقول إما أن المسيح الموعود عليه السلام يخطئ مع (إذا) في إقران الفاء بفعل جواب شرطها لدلالته على المستقبل، أو أنه يخطئ في استعمال الظرف “إذا” حيث يقصد فيه الزمن الماضي في حين أنه ظرف للمستقبل فقط.

الرد:

في ردنا على عسلطات المعترض في اعتراضه على اقتران الفاء بفعل جواب الشرط الماضي، قلنا بأن اقتران الفعل الماضي بالفاء في جواب الشرط جائز على تقدير (قد) قبله، وذلك بإقرار النحو الوافي. وما هذا إلا للفتة بلاغية هدفها إما لتقريب زمن الفعل إلى الحال القريب من الاستقبال إذا كان فعل جواب الشرط ماضيا لفظا ومعنًى، أو لتنزيل الفعل منزلة الفعل الماضي معنًى على سبيل المجاز من أجل التأكيد على حتمية وقوعه، وذلك إذا كان فعل جواب الشرط هذا ماضيا لفظا مستقبلا معنًى.  وقد أثبتنا كل هذا في مقالين تفصيليين على الروابط التالية:

اقتران الفعل الماضي بالفاء في جواب الشرط 1 -أهي فاء عابثة أم فاء هادفة

البلاغة في اقتران الفاء بالفعل الماضي في جواب الشرط – أهي فاء عابثة أم هادفة..5

فلم يكن للمعترض إلى اللجوء إلى أسلوبه الذي عرفناه من الكذب والدجل على الناس، ولكنه في الحقيقة لا يثبت في ردوده هذه إلا جهله وكذبه ودجله مرة بعد مرة .

فقبل الرد على هرائه لا بد هنا من التنويه إلى أن هذه القواعد التي نقلناها عن النحو الوافي، تنطبق على (إذا) تماما كما تنطبق على باقي أدواة الشرط ، حيث يقول النحو الوافي في ذلك قبل عرضه لكل هذه القواعد:

“تسري الأحكام الآتية على الأدتين “إذا” الشرطة، و”كيف” الشرطية، في حالتي اعتبارها جازمتين عند فريق، أو غير جازمتين عند آخر. فعلى كلا الاعتبارين لا بد من خضوع هاتين الأداتين للأحكام التي ستذكر.” [النحو الوافي (4/ 444)]

ومن هذا المنطلق فلا مجال للتفريق بين (إذا) وغيرها من أدوات الشرط كما حاول المعترض أن يدجل على الناس.

1: فأول ما تذرع به المعترض جهلا، هو القول أنه قد غاب عنّا أن أداة الشرط (إذا) هي ظرف زمان للمستقبل فقط. فكل الأفعال الماضية الموجودة في جملها تدل على المستقبل، ولا يصح اقتران الفاء بها وفق القواعد التي نقلناها من النحو الوافي وباقي المراجع.

أرد وأقول:

هذا المعترض الذي حمل نفسه شهادات في اللغة يثبت جهله من جديد، لأن ظرف الزمان إذا وإن غلب على استعماله الدلالة على المستقبل إلا أنه في الحقيقة قد يدل أيضا على غير المستقبل، إذ قد يُستعمل كظرف زمان للدلالة على الماضي وعلى الحال. وما يحدد دلالته هذه في أي زمن يقصد به هو القرائن اللفظية أو الحالية أو الذهنية العقلية.  وفي هذا يقول النحو الوافي:

” وهي (إذا) ظرف للمستقبل في أكثر استعمالاتها، وتكون للماضي بقرينة؛ نحو قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} ؛ لأن الآية نزلت بعد انفضاضهم.

وقد تكون ظرفًا للحال بعد القسم؛ نحو قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ؛ لأن الليل والغشيان مقترنان، ” [النحو الوافي (2/ 278) ]

ويؤكد النحو الوافي كل هذا، مع تأكيده إمكانية اقتران جوابها بالفاء بما يلي:

“وهي (إذا) ظرف للمستقبل، وقد تجيء للماضي كقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} لأن الآية خطاب للرسول عليه السلام في حادثة مضت وقت نزول الآية الكريمة. وقد تكون للحال …ثم قال الخضري: وهو منصوبة بجوابها عند الأكثر، لا بشرطها؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، واقتران جوابها بالفاء أو “إذا” الفجائية لا يمنع عمله فيها؛ لتوسعهم في الظرف. ..” [النحو الوافي (4/ 441)]

ومن كل هذا يثبت أن المعترض يجهل هذه النكات رغم أنه يحمل نفسه شهادات في اللغة.

فخلاصة الكلام أن الظرف الشرطي (إذا) قد يأتي دالّا على الماضي، وذلك عندما يكون الحديث عن أمور مضت زمانا.

2: ثاني ما تذرع به المعترض كذبا، هو أن كل الفقرات التي نقلها في هذا الموضوع تتحدث عن المستقبل.

أرد وأقول:

بيّنا في مقال منفصل على الرابط التالي: البلاغة في اقتران الفاء بالفعل الماضي في جواب الشرط – أهي فاء عابثة أم هادفة..5

أن 45 فقرة من الفقرات التي عرضها المعترض في هذا الصدد  بوجود (إذا)  فيها ، بيّنا وأثبتنا أن كلها تتحدث عن الماضي وفق السياقات والقرائن الواضحة من النصّ، بل إن 22 فقرة منها تتحدث عن الماضي بشكل حتمي؛ تماما كما الآية التي عرضها النحو الوافي أعلاه. وبناء عليه ففيها كلها يصحّ اقتران جواب الشرط بالفاء لأن فعل جواب الشرط فيها ماض لفظا ومعنى وحقيقة، كما تنص عليه القاعدة.

وزعم المعترض هذا رغم اطلاعه على مقالنا التفصيلي دليل على كذبه ودجله المتعمد.

فمثلا في قول المسيح الموعود عليه السلام: ثم إذا تُوفي أبي فقام مقامه في هذه السِّيَر أخي الميرزا غلام قادر. (نور الحق)  فهنا الظرف (إذا) جاء للدلالة على الماضي لأن المسيح الموعود عليه السلام يتحدث عن أحداث كلها ماضية حدثت قبل كتابته السطور التي كتبها، ولا جدال في كون فعل جواب الشرط هنا ماض لفظا ومعنى وحقيقة. ولا ينكر ذلك إلى من يتعمد الدجل.

3: أما الدجل والكذب الآخر الذي تعمده المعترض هو عدم ذكره ما نوّهنا إليه في أحد مقالاتنا التفصيلية، بأن اقتران الفاء مع الفعل الماضي الذي بمعنى المسقبل في جواب الشرط جائز مجازا لتنزيل الفعل منزلة ما تحقق وحدث، ومن النحاة من لم يقصر هذا الأمر على الدعاء والوعد والوعيد. فإن أراد المسيح الموعود عليه السلام أو أي كاتب آخر، أن ينزل كل هذه الأفعال مجازا منزلة ما حدث ووقع للتأكيد على حدوث الفعل فمن يستطيع أن يمنعه من ذلك.

وقد أثبتنا في نفس المقال التفصيلي أن هنالك فقط بضع جمل تندرج تحت هذا الصنف ومن الممكن أن يُرى فيها الوعد والوعيد أيضا بسهولة، مما يجعلها مندرجة تحت هذه القاعدة التي نقلناها.

فكذب المعترض ودجله واضح في قوله أن الجمل كلها تتحدث عن المستقبل دون أن يكلف نفسه عناء البحث فيها. ويزيد من دجله بقوله إن المسيح الموعود عليه السلام لا يعرف استعمال الظرف (إذا) . وقد نقضنا كل هذا في هذا المقال . فهذه هي العسلطة الفكرية واللغوية والنحوية بحد ذاتها.

ومن هنا يثبت من جديد كل النكات واللفتان اللغوية والبلاغية في مثل هذه الجمل كما بيّناه سابقا، بل ونزيد عليه ونقول أن من هذه النكات اللغوية لاستعمال حضره أداة الشرط إذا مع دخول الفاء على فعل جواب الشرط فيها إنما فيها إشارة وإيماء إلى أن حضرته يقصد الزمن الماضي في كلامه وحديثه في معظم هذه الجمل والعبارات، وهي من النكات التي غابت عن أذهان حملة الشهادات لجهلهم الدقع في اللغة.

وبذلك نكون قد نقضنا الجمل التالية الإضافية من عسلطاته:

1: ثم إذا أنكر بعد الأشهر المعيّنة، فأخذه صولُ المَرْضة (حجة الله، ص 117). (الحديث عن الماضي)

2: ثم إذا أفضى الحقُّ إلى ديارهم… فحرِجتْ صدورهم (لجة النور، ص41). (الحديث عن الماضي)

3: ثم إذا جَلَّحْنا عليهم ففرّوا كفرار الحُمُر من الضِرغام (لجة النور، ص 77). (الحديث عن الماضي)

4: وإذا نظرتُ فوجدتُ عنوانه: بقيّة الطاعون (مواهب الرحمن، ص 86). (الحديث عن الماضي)

7:  ثم إذا تفحصنا عن ألفاظ التوفي في القرآن فوجدناها في خمسة وعشرين موضعا من مواضعه، ولكن الله لم يستعمله في موضع إلا بمعنى قبض الروح (حمامة البشرى). (كسابقتها)

5:  وإذا صلَّوا فصلَّوا مُرائين (مكتوب أحمد، ص 44). (قد يكون الحديث عن الماضي ، وقد يكون عن المستقبل بتنزيل الفعل منزلة ما حدث للتأكيد عليه)

6:  وإذا ناظرتم فناظرتم بآراء أنحَف من المغازل (مكتوب أحمد، ص 57). (كسابقتها)