هل من تناقض في أقوال المسيح الموعود عليه السلام حول أحاديث المهدي؟

الاعتراض:

يدّعي المعارضون وجود التناقض في أقول المسيح الموعود عليه السلام، إنه من ناحية كل أحاديث المهدي ضعيفة ومن ضمنها حديث “لا مهدي إلا عيسى”، كما جاء في النصّ التالي من كتاب حمامة البشرى حيث قال حضرته:

“وأما أحاديث مجيء المهدي .. فأنت تعلم أنها كلها ضعيفة مجروحة ويُخالف بعضها بعضا، حتى جاء حديث في ابن ماجه وغيره من الكتب أنه لا مهدي إلا عيسى بن مريم؛ فكيف يُتَّكَأُ على مثل هذه الأحاديث مع شدة اختلافها وتناقضها وضعفها، والكلامُ في رجالها كثير كما لا يخفى على المحدثين.”

ولكن من ناحية أخرى يستشهد حضرته بحديث “لا مهدي إلا عيسى” لإثبات كونه مهديا ومسيحا في نفس الوقت، كما في كتاب حقيقة المهدي حيث قال حضرته عليه السلام: بل الحق الثابت أنه: “لا مهدي إلا عيسى”.

الجواب:

كلام المسيح الموعود عليه السلام عن حديث “لا المهدي إلا عيسى” في نفس الكتاب “حمامة البشرى” يفسّر بعضه بعضا. فلننظر في النصوص وفق التسلسل الزمني:

1: حمامة البشرى 1893: وأما الاختلافات التي توجد في هذه الأحاديث فلا يخفى على مهرة الفن تفصيلها، وقد ذكرنا شطرًا منها في رسالتنا: “الإزالة”، فليرجع الطالب إليها. وقد جاء في حديث أن المسيح والمهدي يجيئان في زمن واحد، وجاء في حديث آخر أنه لا مهدي إلا عيسى، وجاء …. وفي حديث من البخاري أن المسيح يجيء حكمًا عدلاً فيكسر الصليب .. يعني يجيء في وقت غلبة عبدة الصليب فيكسر شوكة الصليب ويقتل خنازير النصارى. وفي حديث آخر أنه يجيء في وقت غلبة الدجّال على وجه الأرض فيقتله بحربته”.

من هذا  النصّ الأول يظهر أنه عندما يقول المسيح الموعود بوجود التضارب والاختلاف بين الأحاديث، فهذا ليس من أجل القول بأن كل هذه الأحاديث خطأ ويجب تركها، بل أنه لا بدّ من الأخذ بالثابت منها وتأويل الأخرى.  فهو يذكر الحديث الذي يتكلم عن نزول المسيح لكسر الصليب أنه من بين هذه الأحاديث المتضاربة، ولكن طبعا لا يقول حضرته بوجوب ردّ الحديث  وأنه خطأ، بل لا بدّ من تأويله.

2: حمامة البشرى 1893: “والعجب من إخواننا أنهم يعلمون أن عذاب الله لا ينزل على قوم إلا بعد إتمام الحجة، ثم يتكلمون بمثل هذه الكلمات. والعجب الآخر أنهم ينتظرون المهدي مع أنهم يقرأون في صحيح ابن ماجه والمستدرك حديث: “لا مهدي إلا عيسى، ويعلمون أن الصحيحين قد تركا ذِكره (يعني ذكر المهدي)  لضعفِ أحاديث سُمعت في أمره، ويعلمون أن أحاديث ظهور المهدي كلها ضعيفة مجروحة، بل بعضها موضوعة، ما ثبت منها شيء، ثم يُصرّون على مجيئه كأنهم ليسوا بعالمين.”

واضح من هذا النصّ أن حضرته يؤمن  بصحة حديث لا مهدي إلا عيسى، حيث يورده ليقول لمنتظري المهدي منعزِلا عن المسيح، بأن انتظارهم عبث، لأنه لا مهدي إلا عيسى من الصحاح .

3:  حمامة البشرى  1893: “وأما أحاديث مجيء المهدي .. فأنت تعلم أنها كلها ضعيفة مجروحة ويُخالف بعضها بعضا، حتى جاء حديث في ابن ماجه وغيره من الكتب أنه لا مهدي إلا عيسى بن مريم؛ فكيف يُتَّكَأُ على مثل هذه الأحاديث مع شدة اختلافها وتناقضها وضعفها، والكلامُ في رجالها كثير كما لا يخفى على المحدثين.

فالحاصل أن هذه الأحاديث كلها لا تخلو عن المعارضات والتناقضات، فاعتزِلْ كلها، ورُدَّ التنازعات الحديثية إلى القرآن، واجعَلْه حَكَمًا عليها ليتبين لك الرشد وتكون من المسترشدين. ”

في هذا النصّ كالنصّ السابق، فإن إيراد المسيح الموعود عليه السلام لحديث لا مهدي إلا عيسى لم يكن ليقول بالخطأ فيه، بل يستشهد بهذا الحديث الذي لا يتحدث عن المهدي فقط بل عن المسيح أيضا ويجمعهما في شخصية واحدة،  ليثبت خطأ وضعف الأحاديث الأخرى التي تتحدث عن المهدي لوحده بأنه غير عيسى، فيورد حديثا من صحيح ابن ماجة ليؤكد أنه مهيمن عليها وأرجح منها.

وهذا ما يؤكده حضرته في كتاب نجم الهدى حيث قال:

نجم الهدى :” اعلموا أن الروايات في المهدي والمسيح كثيرة، وجميعها متخالفة ومتعارضة، وما اطّلعنا على مسانيدِ أكثرِ تلك الآثار، وما علِمنا طرقَ توثيقِ كثير من الأخبار. والقَدَرُ المشترَك .. أعني ظهور المسيح الحَكَم المهديّ ثابت بدلائل قطعية، وليس فيه من كلمات مشكّكة، وأما غيره من الروايات، ففيها اختلافات وتناقضات حيّرتْ عقول المحدثين، وأظلمتْ دراية المتقين، وجَنَّ ليلُ الاستهامة على العالِمين.

إذًا، فقصد المسيح الموعود أن باقي الأحاديث غير حديث “لا مهدي إلا عيسى” هي المتضاربة التي لا بدّ من تركها. ورغم ذلك فإن القصد من تركها هو ليس رميها كليا، بل عدم الاتكال عليها لفهم حقيقة المهدي، كما من الممكن الأخذ بها تأويلا؛ والمهم في كل هذا هو الاتكال على القرآن الكريم وعلى الأخبار الثابتة، والتي تقول إن المهدي هو عيسى نفسه كما ورد في مسند أحمد بن حنبل: {يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِمَامًا مَهْدِيًّا وَحَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} (مسند أحمد, كتاب باقي مسند المكثرين)

وكل هذا متوافق مع النصّ الوارد في حقيقة المهدي ولا تناقض البتة:

2: حقيقة المهدي (ص: 5)1899: ثم مع ذلك قد ثبت أن الأحاديث التي جاءت في المهدي الغازي المحارب من نسل الفاطمة الزهراء، كلها ضعيفة مجروحة، بل أكثرها موضوعة، ومِن قسم الافتراء. وما وُثّق رُواتُها، وأُشكِلَ على المحدِّثين إثباتُها، ولأجل ذلك تركها الإمام البخاري والمسلم والإمام الهمام صاحب الموطّا وجرّحها كثير من المحدِّثين. فمن زعم أن المهدي المعهود والمسيح الموعود رجلان يخرجان كالمجاهدين، ويسلاّن السيف على النصارى والمشركين، فقد افترى على الله ورسوله خاتم النبيين، وقال قولا لا أصل له في القرآن ولا في الحديث ولا في أقوال المحققين. بل الحق الثابت أنه: “لا مهدي إلا عيسى”، ولا حرب ولا يؤخذ السيف ولا القنا. هذا ما ثبت من نبيّنا المصطفى وما كان حديث يفترى، وشهد عليه الصحيحان في القرون الأولى، بما تركا تلك الأحاديث وإنْ في هذا ثبوت لأولي النهى، وتلك شهادة عظمى، فانظر إن كنتَ من أهل التقى.

فخلاصة القول أن النص الذي يورده المعارضون مدّعين أن المسيح الموعود عليه السلام يقول بضعف حديث (لا مهدي إلا عيسى)، لا يفضي إلى هذا الفهم، بل هو فهم المعارضين السقيم. فمعنى كلام المسيح الموعود عليه السلام فيه، هو أن باقي الأحاديث التي تتحدث عن المهدي هي الضعيفة، واستشهد على ذلك بحديث (لا مهدي إلا عيسى) ليثبت ضعف تلك الأحاديث وليقول إن هذا الحديث الذي من الصحاح يدحض باقي الأحاديث ويثبت كون المهدي هو المسيح، ولذا فالنصّ نفسه يثبت إيمان المسيح الموعود عليه السلام بهذا الحديث لا العكس.

وما يؤكد استنتاجاتنا هذه، هو إقرار المسيح الموعود عليه السلام بنفسه وبشكل واضح لا تعتريه أية شبهة، بصحة حديث “لا مهدي إلا عيسى”، مما يؤكد إيمانه به إيمانا لا تشوبه ذرة من الشك حيث قال:

“إن مذهبي هو أنه إذا كشف الله عليّ أمرا -عن صحة حديث أو عدم صحته مثلا-وإن كان علماء الظاهر والمحدثون يحسبون حديثا معينا موضوعا أو مجروحا ولكني سأعدّ الحديث الذي يخالفه ويعارضه هو الموضوع إذا كشف الله تعالى عليّ صحة ذلك الحديث المعين. مثلا للمحدثين في حديث “لامهدي إلا عيسى” كلام ولكن الله تعالى كشف علي أنه حديث صحيح. وإن مذهبي هذا ليس من اختراعي أنا بل هي قضية مسلَّم بها أن أصحاب الكشف والإلهام لا يحتاجون إلى نقد المحدثين للأحاديث ولا يحتاجون للالتزام به. فما دام الحال على هذا المنوال فأقول بكل صراحة بأن كلما أقوم به إنما أقوم به بإلقاء من الله وإيعازه. (الملفوظات)

ويكفي بكل هذا دليلا على عدم وجود التناقض في كلام المسيح الموعود عليه السلام المتعلق بأحاديث المهدي، وبالأخص بحديث “لا مهدي إلا عيسى”، فهذا الحديث هو قطعي ثابت صحيح من بين أحاديث المهدي الأخرى، والتي لا بدّ من تأويلها بناء على هذا الحديث.