لقد أورد المعترض نصّا من رسالة لسيدنا أحمد عليه السلام بعثها إلى أحد القسس، مدافعا عن تعاليم الإسلام مقارنة بالتعاليم المسيحية. غير أنه كعادته، لم يعرض هذا لمعترض النصَّ كاملا، بل مقتطِعا إياه من سياقه، حيث أخفى منه فقرة كاملة وتعابيرجوهرية لفهم سياق الحديث وفهم ما يقصده سيدنا أحمد عليه السلام، نورد النصّ كاملا ههنا:

ورد قول يسوعكم في كتاب متى {إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.} (2) ولكن يعلمنا القرآن الكريم ألا ننظر إلى امرأة أجنبية أبداً لا بنظرة الشهوة ولا بغيرها، وألا نصغي إلى ما يقال عنها أو نسمع صوتها أو نسمع قصة عن جمالها لأن تجنب هذه الأمور يحمينا من العثرة، كما يقول الله – عز وجل -: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} (3) أي قل للمؤمنين أن يمنعوا أنفسهم من رؤية غير المحارم وأن يحافظوا على آذانهم ويستروا عوراتِهم، أي أن يمنعوا آذانهم أيضا من سماع صوت النساء الناعم وقصص جمالهن، لأن هذه الطرق كلها تؤدي إلى الزلل. انظر الآن, إن كان لا يوجد في قلبك سمّ الكفر, وقارن بين هذه التعاليم وبين تعاليم يسوعك، ثم انظر إلى عواقبها.

لقد أعطتكم تعاليم يسوع الحرية الكاملة وغضت النظر عن جميع الشروط الضرورية فأهلكت أوروبا حتى انتشر في أهلها الفسق والفجور وأضحوا كالخنازير والكلاب، ووصلت الوقاحة فيها إلى حد يُكتب فيه على علب الحلويات ” يا حبيبتي، أعطيني قبلة! ” هذه الذنوب على عاتق من ستكون؟ لا شك أنها على عاتق يسوع الذي أعطى هذه التعاليم وسمح للشباب والفتيات بالنظر إلى بعضهم البعض دون قصد الزنا. أيها الغافل! هل قصد الزنا في خيار الإنسان؟ إن من سينظر إلى النساء غير المحارم بالنهاية سينظر بنية الشهوة أيضاً لأن الأهواء موجودة في كل إنسان، وتخبرنا التجربة بصوت عال أن النظر إلى النساء من غير المحارم لا يؤدي إلى عاقبة حميدة، فقد شاع الزنى في أوروبا، لكن ما سببه؟ السبب أن أهلها تعودوا على النظر إلى النساء بحرية، فأذنبت الأبصار أولا ثم أصبح العناق أمراً اعتيادياً ثم تطوروا وتعودوا على القبلات, حتى المدرسون في أوروبا يذهبون بتلميذاتهم البالغات إلى بيوتهم فيقبلونهن ولا يعترض عليهم أحد، ويُكتب على علب الحلويات كلمات مبنية على الفسق والفجور، وتظهر النساء في صور سيئة للغاية وتقدمن أنفسهن في الصور ليخبرن عن جمالهن وجمال أنوفهن وعيونهن، وتُكتب الروايات على عشاقهن، يجري نهر السيئات فيها، فيعجز أهل أوروبا عن حفظ آذانهم أو عيونهم أو أيديهم أو أفواههم، فهذه عاقبة تعاليم يسوع. ليت هذا الشخص لم يأت إلى العالم حتى لا تظهر هذه السيئات أبداً. لقد قضى هذا الشخص على العفة والتقوى، ونشر الإلحاد والإباحة في البلاد، فلا توجد عبادة ولا مجاهدة إلا الأكل والشرب أو خيانة الأعين ولا يوجد همّ آخر. ثم زادهم سماً على سم وجعلهم يتجرؤون على الذنوب بناء على آمال كاذبة للكفارة

وقد استغل هذا المعترض، هذا النصّ المقطوع والمشوَّه، من أجل إثارة الفتنة وتأليب الإخوة المسيحيين على الجماعة الإسلامية الأحمدية مدّعيا الادّعاءات التالية:

  • إن سيدنا أحمد عليه السلام يحمّل المسيح الناصري عليه السلام عبء ومسؤولية الجرائم والفسق والفجور في أوروبا.
  • يصوّر المعترض المسألة وكأن المسيح الموعود عليه السلام، يتهم المسيحيين في البلاد العربية أنهم كلهم واقعون في الفجور بسبب تعاليم المسيح عيسى عليه السلام.

نقول ردّا:

واضح كما يعلمه المعترض ويخفيه عن أعين وآذان الناس، أن المسيح الموعود عليه السلام يتحدث مع هذا القس، وفق معتقداته ومعتقدات المسيحية التي يؤمنون بها، والتي في كثير منها المسيح الناصري عيسى عليه السلام منها براء. فيقول المسيح الموعود عليه السلام في هذا النصّ : ” ورد قول يسوعكم” أي يسوع كما تؤمنون به وكما تصوّرونه وكما تصوّره الأناجيل، وإلا فهذا ليس الوصف الحقيقي لسيدنا عيسى عليه السلام كما نؤمن به نحن الأحمديين. فنبيّ الله عيسى عليه السلام كان ولا شك أرقى وأرفع مما تصوره الأناجيل.

والدليل الثاني على أن قصد المسيح الموعود عليه السلام ليس ما ذهب إليه المعترض، هو ما ورد في نهاية النصّ وأخفاه، حيث قال المسيح الموعود عن يسوعهم أي”يسوع النصارى كما يرونه وتصوره الأناجيل” : “ثم زادهم سماً على سم وجعلهم يتجرؤون على الذنوب بناء على آمال كاذبة للكفارة“. لقد أخفى هذا المعترض هذه العبارة لأنه يعلم، أنه لا المسيح الموعود عليه السلام ولا أيُّ أحمدي في العالم كله يؤمن بأن المسيح الناصري جاء بعقيدة الكفارة وأنه المسؤول عنها وعن تبعاتها، بل نقول إنها عقيدة مخترعة دخيلة على التعاليم المسيحية الحقيقية. وهذه العبارة من يقرأها سيفهم قصد المسيح الموعود عليه السلام في كل النصّ والسياق، أنه لا يحمّل المسيح الناصري عليه السلام مسؤولية الفجور في أوروبا وكل الأوصاف التي ساقها “إلزاما” في هذا النصّ، وإنما يحمل هذه المسوؤلية لشخصية يسوع كما تظهر في الأناجيل والتعاليم المسيحية والتي هي ليست الشخصية الحقيقية والتعاليم الحقيقية لسيدنا عيسى عليه السلام.

إن هدف المسيح الموعود عليه السلام أن يقول لهذا القسّ إن التعاليم المسيحية ناقصة إذا ما قورنت بالتعاليم الإسلامية، وأن التعاليم الإسلامية وحدها هي التي توصل العبد إلى النجاة الحقيقية، بينما التعاليم المسيحية الموجودة في الإنجيل اليوم “وليس ما جاء به سيدنا عيسى عليه السلام” فليس من شأنها أن تحقق هذا الهدف بل بالعكس، من شأنها أن تجعل الإنسان يستسهل الذنوب ويغلو فيها لدرجة تؤدي إلى انحلاله أخلاقيا. وهنا نعلن لهذا المعترض تحديا، إذا كان يرى غير ما نقوله هنا فليعلن ذلك صراحة ليبين للعالم أجمع أنه لم يعد يرى فرقا بين التعاليم الإسلامية والمسيحية، بل ويرى أن المسيحية بكفارتها وثالوثها توصل إلى النجاة وترتقي بالمرء روحانيا!!! هذا هو لسان حال هذا المعترض، إنه يرى أن المسيحية بتعاليمها الإنجيلية الموجودة اليوم توصل إلى النجاة وتزكي المرء من الذنوب!!

يقول المعترض إن الإنحلال الخلقي في أوروبا هو فقط نتيجة الابتعاد عن الدين، ولكن هل ينكر أن لعقيدة الكفارة وصكوك الغفران باشكالها المختلفة مساهمة كبيرة في استساغة الذنوب والغلو فيها لمجرد سهولة التكفير عنها وفق عقيدة الكفارة.

لا شك أن عقيدة الكفارة ومقدماتها ساهمت مساهمة كبيرة في استساغة الذنوب واستسهالها في المجتمعات المسيحية، حيث لم تعد هذه المجتمعات ترى ما يلجمها من ارتكاب هذه الذنوب، حتى وهي متمسكة بالدين، لدرجة أن بعض الأبحاث تدل على أن للكنيسة في أوقات معينة كانت تشارك في إقامة دور الزنا لتلبية الاحتياجات الجنسية للأشخاص، وما الفضائح الجنسية التي تلاحق الكنيسة اليوم إلا دليل دامغ على صدق ما نقول، بحيث لا يمكن أن ينكرها إلا حاقد.

إن قول المسيح الموعود بأن هذه التعاليم كانت سببا للانحلال الخلقي في الغرب، إنما يتحدث حضرته فيه عن ظاهرة ولا يتهم بها كل النساء المسيحيات، لا في العالم الغربي ولا في العالم العربي، ولا يمكن أن يفهم غير ذلك إلا حاقد أعمى مبتغٍ للفتنة ومبتغٍ للتأويل، وبذلك أثبت هذا المعترض انطباق الآية القرآنية التالية عليه في كل ما يقول ويكتب:

{….فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } (آل عمران (8)}

وهنا لا يسعنا إلا أن نختم هذا المقال بنداء للإخوة المسيحيين في جميع انحاء العالم لنقول لهم: ” نحبكم، ونحافظ ونصون شرفكم وشرف نسائكم، وسنبقى كذلك، رغم نقدنا لدينكم وعقيدتكم، فلا تدَعوا أصحاب الفتنة والدجالين يدخلون بيننا”