المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..179
الإعجاز في إذا الفجائية ..3
الإعجاز المركب في دخول إذا الفجائية على جواب إذا الشرطية
الاعتراض:
يدّعي المعارضون خطأ المسيح الموعود عليه السلام في إدخال (إذا) الفجائية على جواب (إذا) الشرطية ويتركب اعتراضهم من النقاط التالية:
1: جواب (إذا) الشرطية يجب أن يكون فقط جملة فعلية وليس جملة اسمية.
2: ولذلك من الخطأ إدخال (إذا) الفجائية في جملة اسمية لتكون جوابا لـ (إذا) الشرطية .
ووفق زعمهم يكمن خطأ المسيح الموعود عليه السلام في الجملة التالية:
_ وإذا رجعتُ لتفتيش لفظ العَقِب إلى اللغات العربية، فإذا فراستي صحيحة. (مكتوب أحمد)
الردّ:
اعتراض المعترضين هذا، وقولهم بأن جواب إذا الشرطية لا بدّ أن يكون فقط جملة فعلية، ينمّ عن جهل مركب على جهل آخر. فهو جهل في أحكام (إذا) الشرطية وجملة جوابها، وجهل في أحكام (إذا) الفجائية أيضا.
فـ (إذا) الشرطية هي من أدوات الشرط التي تسري عليها أحكام أدوات الشرط الجازمة الأخرى، هذا رغم اختلاف النحاة في كون إذا جازمة أو لا. ولكن النحو الوافي يصرح في بدء حديثه عن أحكام جملتي فعل الشرط وجواب الشرط المتعلقة بأدوات الشرط الجازمة، أن هذه الأحكام تسري أيضا على أداة الشرط (إذا)، حيث يقول:
“الأحكام الخاصة بجملة الشرط، وجملة الجواب إذا كانت الأداة شرطية جازمة، أو: كانت الأداة الشرطية هي:”إذا، أو: كيف”. [النحو الوافي (4/ 444)]
ويفسر قوله هذا في الهامش ويقول:
“تسري الأحكام الآتية على الأداتين “إذا” الشرطة، و”كيف” الشرطية، في حالتي اعتبارها جازمتين عند فريق، أو غير جازمتين عند آخر. فعلى كلا الاعتبارين لا بد من خضوع هاتين الأداتين للأحكام التي ستذكر.” [النحو الوافي (4/ 444)]
ثم يبدأ النحو الوافي بسرد هذه الأحكام، وما يهمنا منها احكام جملة الجواب، فيقول في أول حكم منها ما يلي:
” أن تكون فعلية. ويصح أن تكون اسمية مقترنة “بالفاء” الزائدة للربط، أو “بإذا” الفجائية التي تحل محلها في بعض الحالات للربط. ومن أمثلة الفعلية قول الشاعر:
لا يذهب الخير سدى … ومن يعن يوما يعن
ومن أمثلة الاسمية قولهم: حيثما تصنع خيرا فالجزاء خير. وقول الشاعر:
فإن تتقوا شرا فمثلكمو اتقى … وإن تفعلوا خيرا فمثلكمو فعل
وقولهم: إن يسِر المرء على سنن الهدى إذا التوفيق حليفه.” [النحو الوافي (4/ 449)]
وبهذا نرى بأن النحو الوافي ينسف اعتراض المعترضين كله بضربة قاضية واحدة. فيقول بجواز كون جملة جواب (إذا) الشرطية جملة اسمية بشرط اقترانها بالفاء أو بإذا الفجائية. وبهذا فإنه يقر بجواز دخول إذا الفجائية على جملة جواب (إذا) الشرطية. ويمثل لذلك بالجملة : إنْ يسِر المرء على سنن الهدى إذا التوفيق حليفه.”
ويؤكد النحو الوافي كل هذا الجواز في الحكم الثامن من أحكام جملة الجواب، في تفصيله الأمر، فيقول:
” وجوب اقتران الجواب -في غير الضرورة- “بالفاء”، أو “إذا” الفجائية التي تخلفها في بعض المواضع الآيتة، إذا كان الجواب نوعا من الأنواع التي لا تصلح فعل شرط. وهذه “الفاء” زائدة للربط المحض الدال على التعليل؛ وليست للعطف ولا لغيره، ولا تفيد معنى إلا عقد الصلة ومجرد الربط المعنوي بين جملة الجواب وجملة الشرط، كي لا تكون إحداهما مستقبلة بمعناها عن الأخرى بعد زوال الجزم الذي كان يربط بينهما. وتعرب “الفاء” و”إذا” الفجائية مع الجملة التي بعدهما في محل جزم جوابا للشرط، ولا يصح في الجملة الفعلية بعدهما أن يكون الفعل وحده هو الجواب، ولا أن يجزم -كما تقدم- وأشهر هذه الأنواع التي لا تصلح فعل شرط ما يأتي:…….” [النحو الوافي (4/ 459- 457)]
فنرى بأن النحو الوافي يقرّ بوجوب دخول الفاء الرابطة أو إذا الفجائية نيابة عنها على جملة الجواب، وذلك في بعض المواضع التي يفصلها لاحقا، ومن ضمنها كون جملة الجواب جملة اسمية، كما سيتضح من الاقتباس التالي. واللافت للنظر قول النحو الوافي في أن الهدف من دخول إذا على جملة الجواب هو الربط والتعليل، فليست هي عابثة في هذه المواضع.
ويزيدنا النحو الوافي في تفصيل هذه المسألة بعد ذكر الموضع السابع، الذي يجب فيه أن تدخل الفاء أو إذا الفجائية على جواب الشرط، وهو أن تكون الجملة اسمية، ويقول:
“السابع: الجملة الاسمية كقول الشاعر:
إن يحسدوك على فضل خصصت به … فكل منفرد بالفضل محسود
وقول الآخر:
ومن كان منحل العزائم تابعا … هواه فإن الرشد منه بعيد
وقد تغني “إذا” الفجائية عن الفاء في الدخول على الجملة الاسمية بشرطين؛ أحدهما: متفق عليه، وهو أن تكون الجملة اسمية غير دالة على طلب، ولا مسبوقة بنفي، ولا بناسخ؛ ومن الأمثلة:
“إن يحسدوك إذا كل منفرد بالفضل محسود … ” بخلاف: إن يطع الولد أبويه فويح له، وإن يعصهما فويل له. أو: إن يعصهما فما له حظ من التوفيق، أو: إن يعصهما فإن خسرانه مبين. فالفاء واجبة في هذه الأمثلة وأشباهها. ولا يصح: “إذا”.
والآخر: غير متفق عليه، وهو أن تكون أداة الشرط “إن” دون غيرها من أخواتها الشرطية. فكثرة النحاة تشترطها. نحو: إن تخلص إذا الإخلاص ينفعك. وقلة النحاة لا تشترطها بعينها، وإنما تجعل مثلها “إذا” الشرطية؛ مستدلين بقوله تعالى في المطر: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} … والأحسن الأخذ برأي القلة؛ إذ تؤيدها الشواهد، ولا سيما بعض الآيات القرآنية، ولا داعي للتأويل.” [النحو الوافي (4/ 462- 463)]
وفي هذا يؤكد النحو الوافي جواز دخول إذا الفجائية على الجملة الاسمية في جواب الشرط وذلك نيابة عن الفاء. ويقر بأن الرأي الأجدر بالأخذ هو رأي قلة النحاة التي لا تشترط لهذا الدخول كون أداة الشرط هي (إنْ) بل تبيحه مع (إذا) الشرطية أيضا، بدليل آيات القرآن الكريم التي تؤيده، والمذكورة في النصّ المقتبس.
وفي الهامش يقول النحو الوافي عن إذا الفجائية الداخلة على جواب الشرط:
“معناها الدلالة على المفاجأة في الحال، ولا بد أن يسبقها كلام. وبالرغم من أنها للمفاجأة في الحال -لا تخلو هنا- بعد أداة الشرط- من دلالة تعقيب لجواب الشرط بعد فعل الشرط. ” [النحو الوافي (4/ 462)]
ومن النحاة الذين يؤكدون دخول إذا الفجائية على الجملة الاسمية في جواب إذا الشرطية هو أبو حيان في كتابه ارتشاف الضرب حيث يقول:
“وتأتي (إذا) للمفاجأة، …و (إذا) هذه تقع جوابًا (لإذا) الشرطية قال تعالى: «وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا».” [ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (3/ 1412- 1413)]
ويكفي لإثبات صحة وفصاحة وبلاغة وقوع إذا الفجائية جوابا لإذا الشرطية هو ورودها بهذه الصورة في العديد من الآيات القرآنية منها:
1: { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (49)} (الروم 49)
2: {ثمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (26)} (الروم 26)
3: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} (يونس 22)
4: { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (55)} (النحل 55)
5: { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (49)} (النور 49)
6: {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (34} (الروم 34)
7: { حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } (المؤمنون 65)
8: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} (المؤمنون 78)
9: { وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} (يونس 22)
وبما أننا أثبتنا زيف ما يدعيه المعترضون بأن جواب إذا الشرطية لا بدّ أن يكون جملة فعلية، وأثبتنا إمكانية كونه جملة اسمية مقرونة بالفاء الرابطة؛ لا بدّ هنا أن ننوّه إلى أنه قد ورد في القرآن الكريم في الكثير من الآيات كجملة اسمية أو غير فعلية، ومن بين هذه المواضع وقع الجواب كجملة اسمية أيضا دون اقترانها بالفاء الرابطة، فهنالك من النحاة من جوّز هذا على تقدير وجود الفاء ولم يلجأ إلى تقدير فعل قبل جملة الجواب كالمتشددين من النحاة. نذكر هنا هذه القائمة من الآيات التي جاء فيها الجواب ليس كجملة فعلية:
1: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (الشعراء 81)
2: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (187)} (البقرة 187)
3: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (235) } (البقرة 235)
4: { فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (المائدة 24)
5: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } (التوبة 124)
6: { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } (الرعد 12)
7: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (102)} (المؤمنون 102)
8: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (38)} (الشورى 38)
9: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (40)} (الشورى 40)
وفي الآيتين الأخيرتين ذهب البعض إلى أن الجملة الاسمية (هم يغفرون) و (هم ينتصرون) هي جواب الشرط رغم عدم اقترانها بالفاء وذلك على إضمار الفاء. وجاء في إعراب الآية الأخيرة:
“وأما قوله: (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ). يحتمل «هم» ثلاثة أضرب:
أحدها- أن يكون مرتفعاً بمضمر دل عليه «ينتصرون» لأن هذا الموضع فعل.
ألا ترى أن جواب «إذا» حقه أن يكون فعلاً فإن أظهرت ذلك الفعل كان «ينتصرون» لأن الضمير حقه أن يتعلق بالفعل، كما يكون «أنت» ، فانظر في بيت عدى ومن أجاز إضمار الفاء واستدل بقوله: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) جاز أن يرتفع «هم» على قوله بالابتداء، والتقدير: فهم ينتصرون، إلا أنه حذف الفاء. وهو على تقدير العربية أن يكون صفة للضمير المنصوب في «أصابهم» ، وليس بالقوي في المعنى. [إعراب القرآن للباقولي – منسوب خطأ للزجاج (2/ 549- 548)]
الخلاصة والنتيجة:
يتضح من كل ما تقدم ما يلي:
_ جزم المعارضين بأن جملة جواب الشرط لـ (إذا) الشرطية يجب أن تكون جملة فعلية، لهو محض جهل!
_ عندما تكون أداة الشرط (إذا الشرطية)، يمكن لجملة جواب الشرط أن تكون اسمية؛ وفي القرآن الكريم أمثلة عديدة على هذا.
_ يجوز، بل يلزم على الأغلب دخول الفاء أو إذا الفجائية – نيابة عن الفاء- على جملة جواب الشرط الاسمية، إذا كانت أداة الشرط هي إذا الشرطية.
_ دخول إذا الفجائية على الجملة الاسمية في جواب الشرط لأداة الشرط (إذا) وارد في العديد من الآيات القرآنية.
_ هنالك من النحاة من جوّز كون جملة جواب الشرط لإذا الشرطية وبالذات إنْ الشرطية، جملة اسمية دون اقتران الأخيرة بالفاء الرابطة، وذلك على إضمارها. وقد فَصَل النحو الوافي في هذه المسألة وأجازها على قلة في هامش صفحة (4/ 466).
_ قد يقول البعض إن ما جاء في آيات القرآن الكريم مأخوذ على التأويل عند بعض النحاة. فنقول لهم: إذن، خذوا بنفس التأويل للعبارات المشابهة في كلام المسيح الموعود عليه السلام. فعلى كلتي الحالتين سواء أخذنا بالتأويل أو لم نأخذ فالعبارات والتراكيب صحيحة وفصيحة وبليغة لورودها في القرآن الكريم.