المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية …227
نكتة الخطأ في التوابع …3
الفصل بين حرف العطف والمعطوف
الاعتراض:
يدعي المعارضون الخطأ في الفقرة التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام:
_ وهذا هو سرّ كثرة المرتدين، وعلى الصليب عاكفين، ومِن الله فارِّين (نجم الهدى، ص 30).
وحسب رأيهم لا بد أن تكون الجملة بإحدى الصيغ التالية:
وهذا هو سرّ كثرة المرتدين، العاكفين على الصليب، الفارّين مِن الله. أو: وهذا هو سرّ كثرة المرتدين، والذين هم على الصليب عاكفون، ومِن الله فارّون.
فبناء على تصحيحهم هذا نرى أن الاعتراض يكمن في أمرين: 1: الفصل بين المعطوفين، أو بين حرف العطف والمعطوف، بشبه الجملة من الجار والمجرور؛ فلا بد للمتعاطفين أو لحرف العطف والمعطوف أن يتعاقبا دون فاصل. 2: عطف معرفة على نكرة فلا بدّ للمعطوفات في هذه الجملة أن تكون كلها معرفة.
الردّ:
فبالنسبة للأمر الأول من ماهية الاعتراض، نقول أنه لا خطأ في الفصل الوارد بين المعطوفات وذلك من اعتبارين :
الاعتبار الأول: جواز الفصل بين حرف العطف والمعطوف بشبه الجملة مثل الجار والمجرور والظرف، وهذا ما يقر به النحو الوافي عند حديثه عن أحكام حرف العطف الواو فيقول:
” ومما انفردت به الواو غير ما سبق:…جواز الفصل بينهما وبين معطوفها بظرف. أو جار مع مجروره، نحو: أينعتْ حديقتان؛ حديقةٌ أمام البيت، وخلفَه حديقةٌ، ومثل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} .” [النحو الوافي (3/ 567- 568) ]
ويقر النحو الوافي باتفاق النحاة على جواز هذا الفصل في حروف العطف الأخرى غير الواو والفاء أيضا، فيقول:
“والأخذ بهذا الرأي في “الواو” أنسب من الأخذ برأي آخر يمنع الفصل مطلقًا في غير الضرورة الشعرية بين المعطوف وحرف العطف: “الواو” أو: “الفاء”؛ أما غير هذين الحرفين من أدوات العطف فالرأيان متفقان على جواز الفصل بالظرف أو بالجار مع مجرورة. “راجع الهمع ج2 آخر باب العطف، ص141”. [النحو الوافي (3/ 567)]
وعليه فهذا الفصل جائز في جميع حروف العطف عدا الفاء، ويفصل هذا النحو الوافي في سياق حديثه عن أحكام العطف فيقول: ؟؟
” لا يجوز الفصل بين الفاء ومعطوفها إلا في الضرورة الشعرية، فلا يقال: فلان ورثه أبوه مالا ففي القوم جاها. وإنما يقال: فلان ورثه أبوه مالا فجاها في القوم. ويصح الفصل بين غيرها ومعطوفه بالظرف أو الجار والمجرور “ويدخل القسم في هذا”، نحو: تعبت ثم عندك جلست، نزل المطر ثم والله طلعت الشمس، ما أهنت أحدا لكن في البيت المسيء …” [النحو الوافي (3/ 657) ]
وهذا ما نراه منطبقا على عبارات المسيح الموعود عليه السلام المذكورة أعلاه، فقد فصلت أشباه الجمل من الجار والمجرور (على الصليب) و (من الله) بين حرف العطف الواو وبين المعطوفات (عاكفين) و (فارين)، وهذا كما أثبتناه صحيح جائز لا خطأ فيه.
الاعتبار الثاني: أن العطف تسري عليه أحكام أخواته من التوابع الأخرى مثل البدل والنعت، والتي من أحكامها أيضا جواز الفصل بين التابع والمتبوع بغير أجنبي محض كمعمول التابع ، حيث يقول النحو الوافي في هذا ما يلي:
“بعض أحكام التوابع: … ويتبين مما سبق أن التابع لا يجوز تقديمه على المتبوع مطلقًا. لكن قد يجوز تقدم معمول التابع في بعض الحالات التي ستجيء في أبوابها، بالرغم من أن البصريين يمنعون تقدم هذا المعمول، دون الكوفيين …
….. وأنه يصح الفصل بين التابع والمتبوع بفاصل غير أجنبي محض؛ كمعمول الوصف في قوله تعالى {ذَلِكَ حَشْرٌ – عَلَيْنَا – يَسِيرٌ} ومعمول الموصوف في نحو: تعجبني معاونتك ضعيفًا الكبيرةُ. وعامله؛ نحو: المريضَ أكرمت الجريحَ….” [النحو الوافي (3/ 435)]
وهذا بحد ذاته منطبق على عبارات المسيح الموعود عليه السلام أعلاه. إذ نرى بأن فيها التابع المعطوفات (عاكفين) و (فارّين) هي العامل في شبه الجلة التي تسبقها (على الصليب) و (من الله) على التوالي، وأشباه الجمل هذه هي المعمول لهذه التوابع من المعطوفات ، وجاز وفق القاعدة المفصلة أعلاه أن يفصل معمول التابع هذا بين التابع والمتبوع ، أي بين المعطوف والمعطوف عليه.
(ملحوظة: في مسألة العامل في الجار والمجرور يمكن الاطلاع على النحو الوافي ج3 ص 440وما قبلها، فهناك تفصيل تعلق الجار والمجرور بعوامله كالفعل وأشباهه كاسم الفاعل)
وبناء على هذين الاعتبارين لا خطأ وارد في الفصل الوارد في الفقرات المذكورة من كلام المسيح الموعود عليه السلام.
أما بالنسبة لموضع الاعتراض الثاني، والكامن في عطف نكرة على معرفة، فسوف نفصّل فيه مقالا خاصا بإذن الله، ملخصه أنه لا قيد ولا خطأ في عطف نكرة على معرفة أو عطف معرفة على نكرة.