المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. (5)
صرف الممنوع من الصرف .. النصر المؤزّر من الله تعالى
تقول القاعدة المعروفة للممنوع من الصرف ما يلي:
إن هنالك نوعا من الأسماء والصفات التي لا تقبل التنوين ولا تقبل الكسر فيخفف تنوينها إلى حركة واحدة، أو تُجرّ بالفتحة، وفق ما يقتضيه الموقع الإعرابي. ومن المعروف عند النحاة جواز صرف الممنوع من الصرف للضرورة الشعرية، كما أثبتنا في المقال السابق جواز صرف الممنوع من الصرف للتناسب اللفظي.
ومن المعروف وفق هذه القاعدة المتبعة أن إحدى الصيغ الممنوعة من الصرف هي “صيغ منتهى الجموع”، وهو كلُّ جمع كان بعد ألف تكسيره حرفان، أو ثلاثةُ أحرف وسطُها ساكنٌ كدراهمَ ودنانيرَ.
وقد يظن البعض ممن لا إلمام لهم في قواعد اللغة العربية الواسعة، أن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطا في الفقرات التالية بصرفه الممنوع من الصرف من صيغ منتهى الجموع مما هو في الخط العريض:
- فاجعل حبلا في جيدي، وسلاسلا في أرجلي (التبليغ).
- وإن للأولياء حواسًّا آخر تتنزل من تلقاء الحق (التبليغ).
- ويهب لهم مدارك وحواسّا (نجم الهدى).
- وترى فيهم موادًا سُمِّيّةً من البخل والعُجب (مواهب الرحمن)
- “إنّا أَمَتْنا أربعةَ عشرَ دوابًّا.” (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية، مجلد 22، ص 108)
- وإنّا نرى خواصًّا وتأثيرات في أدنى مخلوقاته (حمامة البشرى).
- ولن تجد محامدًا لا في السماوات ولا في الأرضين إلا وتجدها في وجهي (كرامات الصادقين، ص 47).
والسبب في سوء الظن هذا هو الظن بأن ما يخرج عن القاعدة النحوية الأساسية ما هو إلا لغة شاذة لا يعتد بها، وقد قلنا مرارا أن صرف الممنوع من الصرف لهو لغة لبعض القبائل العربية، غير أن البعض لا يقبلون بذلك ويعدّون هذا شذوذا غير مقبول عن القاعدة الأساسية.
إلا أنه وبالغوص في أعماق هذا الموضوع وتتبع الأبحاث المعاصرة يثبت على النقيض من ذلك أن صرف الممنوع من الصرف على إطلاقه ليس بلغة شاذة، بل هي لغة فصيحة من أفصح اللغات العربية اتبعتها العديد من القبائل العربية، ولإثبات ذلك نسوق لكم أحد أهم وأبرز الأبحاث المعاصرة عن موضوع صرف الممنوع من الصرف، والذي قُدّم كرسالة ماجستير في جامعة الشرق الأوسط الأردنية للدراسات العليا، ولكم أن تقرأوا ما جاء في هذا البحث، أو على الأقل ملخص الدراسة أو النتائج والتوصيات فيه، والتي يثبت منها ما يلي:
- صرف الممنوع من الصرف لا ينبغي أن يحال ألى الاضطرار والتناسب فقط، لأنه لغة عربية فصيحة لكنها لا ترقى إلى مستوى القاعدة.
- توجيهات النحاة في أن صرف الممنوع من الصرف للضرورة الشعرية فقط، أو للتأثر بها أو للتناسب والمزاوجة فقط؛ لا ترقى إلى الدليل والبرهان والحجة.
- صرف الممنوع من الصرف لم يكن إلا لغة عربية فصيحة تعود إلى قبائل وسط الجزيرة العربية ينتهي نسبها إلى بني عدنان، حيث صرفت هذه القبائل الممنوع من الصرف مطلقا، ودليل فصاحة هذه اللغة ورودها في القرآن الكريم.
- إن صرف الممنوع من الصرف في الشعر العربي لم يكن للضرورة الشعرية فقط، بل لأن شعراء تلك القبائل اعتادوا صرف الممنوع من الصرف مطلقا؛ وتأثر بهم أيضا الشعراء القحطانيون.
- قواعد الممنوع من الصرف المعروفة لنا إنما حدثت نتيجة التطور اللغوي للغة العربية، وما اختلاف النحاة في علل الممننوع من الصرف إلا دليل على أنها لغة من لغات العرب.
- ومن أهم ما توصل إليه هذا البحث هو ما يتعلق بصرف صيغ منتهى الجموع كمثل الواردة في فقرات المسيح الموعود عليه المذكورة آنفا حيث جاء في هذا البحث ما يلي:
ويخلص الباحث إلى القول: إن صيغ منتهى الجموع فيها لغتان: إحداهما تمنع هذه الصيغ من الصرف، والأخرى تجيز صرفها، ويستند الباحث إلى الشواهد النحوية التي صرفت صيغة منتهى الجموع من غير علة أوجبت صرفها فجاء صرفها يمثل لغة فصيحة من لغات العرب. ويرى الباحث أن من يصرف صيغة منتهى الجموع مصيب غير مخطئ وقد أصاب وجها من وجوه العربية، لا يمكن إنكاره أو تجاهله. مما جعل النحاة يقولون:
والصرف في الجمع أتى كثيرا حتى ادعى قوم به التخييرا
إذن فإن صرف غير المنصرف من صيغ منتهى الجموع لهو في خيار الكاتب ولا إلزام فيه عند النحاة، وهو بعيد كل البعد عن الضرورة الشعرية والتناسب اللفظي، وهذا يفسر أولا، سبب صرف الممنوع من الصرف في هذه الصيغ عند المسيح الموعود عليه السلام فيما جاء في الفقرات السابقة وغيرها، – إن وجد- ويؤكد أنه لم يقع فيها أي خطأ البتّة.
كذلك فإن هذا الخيار يفسّر من وجهة أخرى سبب ما جاء في الفقرة الثالثة من منع كلمة “مدارك” من الصرف وصرف ما جاورها من كلمة “حواسًا”، هذه الوجهة من التعليل تأتي إضافية لما ذكرناه في المقال السابق من حمل المسألة على التناسب في الكلام وفق رأي بعض النحاة. ونظرا لاختلاف النحاة في هذه المسألة فللقارئ أن يختار أي وجهة يريدها، فإما التناسب وإما إطلاق صرف الممنوع من الصرف، ونقول من جديد، فلينتطح النحاة ليعلوَ المسيح الموعود عليهم جميعا بكونه الحكم العدل في اللغة والنحو أيضا.
وبهذا ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن صرف الممنوع من الصرف إطلاقا، لهو لغة عربية فصيحة، بليغة، عريقة، وأصيلة تعود إلى بعض القبائل العربية التي سكنت أواسط الجزيرة العربية وهي القبائل المعروفة بفصاحتها ونقاء لغتها. ولا يمكن أن تُعد لغة خاطئة أو شاذة، بل من يتّبعها فإنه يصيب وجها من العربية لا يمكن تجاهله ونكرانه، خاصة فيما يتعلق بصيغ منتهى الجموع.
وثبت كذلك أن القواعد النحوية المتعلقة بالممنوع من الصرف والمعروفة لنا تشوبها شائبة كبيرة من النقص والعلة والإهمال للغات بعض القبائل العربية الفصيحة.
وثبت أن صرف الممنوع من الصرف في لغة المسيح الموعود عليه السلام ما هو إلا مظهر من مظاهر الإعجاز اللغوي عند المسيح الموعود عليه السلام، والذي جاء مصداقا لتحقق معجزة تعلم حضرته أربعين ألفا من اللغات العربية في لية واحدة.
نورد هنا رابط للبحث المذكور لمن يريد أن يطلع عليه أكثر.