المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..240
نكتة الخطأ في التوابع 11
عطف المضارع المرفوع على المنصوب في عطف الجمل
الاعتراض:
يدعي المعارضون الخطأ في الفقرات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام :
1: أن نصطاد هذه الجراد مع ذراريها، ونُنج الخلق من كيد الخائنين (إتمام الحجة).
2: ليتمّ حجّتي عند النحارير، ولا يبقَ نَدْحةُ المعاذير (منن الرحمن).
وموضع الخطأ وفق زعمهم في جزم الأفعال المضارعة: (يبق) و (ننج) بحذف حرف العلة من آخرها، رغم أنها لم يسبقها أي حرف للجزم، وعليه فالخطأ هنا هو أيضا خطأ في عطف هذه الأفعال على الأفعال المضارعة التي تسبقها في الجملة والتي هي منصوبة بأن الناصبة ظاهرة أو مضمرة.
كنا في مقالات سابقة قد وجهنا هذه العبارات على توجيهات مختلفة يمكن الرجوع إليها على الروابط التالية:
https://wp.me/pcWhoQ-4×2 مظاهر 95
https://wp.me/pcWhoQ-4×8 مظاهر 96
https://wp.me/pcWhoQ-4xB مظاهر 97
https://wp.me/pcWhoQ-4Tf مظاهر 135
https://wp.me/pcWhoQ-3UZ مظاهر 60
إلا أننا في هذا المقال سنوجهها على توجيه إضافي هو الأرجح والأقرب بالنسبة لمسألة العطف الواردة فيها.
التوجيه:
على اعتبار العطف في هذه الجمل بحرف الواو عطف جمل لا عطف مفردات، والدليل على ذلك عدم سريان النصب بأن الناصبة من المعطوف عليه إلى المعطوف، أي : من الأفعال المنصوبة (نصطادَ) و(يتمَ) إلى الأفعال (ننجِ) و (يبقَ)، واعتبار هذه الأفعال الأخيرة مرفوعة مع حذف حرف العلة من آخرها على لغة التخفيف القرآنية، التي فصّلنا الحديث فيها في مقال سابق على الرابط التالي: ( https://wp.me/pcWhoQ-4×2 مظاهر الإعجاز 95).
فعدم سريان النصب إلى هذه الأفعال بعد العطف ،يحتّم أن يكون العطف لا عطف فعل على آخر عطف مفردات، بل عطف جملة فعلية على أخرى، أي عطف الفعل مع فاعله على الفعل الذي قبله مع فاعله؛ وذلك وفق التفصيل التالي من النحو الوافي:
” ويشترط لعطف الفعل على الفعل أمران:
أولهما: اتحادهما في الزمن؛ بأن يكون زمنهما معا ماضيا، أو حالا، أو مستقبلا؛…..
ثانيهما: اتحادهما إن كانا مضارعين في العلامة الدالة على الإعراب -“من حركة أو سكون، أو غيرهما”- ويتبع هذا اتحاد معنيهما في النفي والإثبات؛ فإذا كان “المعطوف عليه” مضارعا مرفوعا، أو منصوبا، أو مجزوما، وجب أن يكون المضارع “المعطوف”. كذلك وأن يكون معنى المعطوف كالمعطوف عليه في النفي والإثبات؛ فكما يتبعه في علامات الإعراب يتبعه فيهما معنى. فمثال المرفوعين: يفيضُ فيغدقُ نهرنا الخير على الوادي.
ومثال المنصوبين: لن يفيضَ النهر فيغرقَ الساحل. ومثال المجزومين: لم يفضْ نهرنا فيغرقْ ساحله ..” [النحو الوافي (3/ 641-643) ]
وفي تفصيل هذا يتابع النحو الوافي ويقول:
“نصب المضارعين معا، أو جزمهما معا بغير تكرار الناصب والجازم قبل الفعل المضارع المعطوف، دليل قاطع على أن العطف عطف فعل وحده بغير مرفوعه (الفاعل) على فعل وحده كذلك، وليس عطف جملة على جملة؛ لأن عطف الجملة الفعلية على الفعلية بغير تكرار أداة النصب أو الجزم يستلزم -حتما- أن يكون المضارع المعطوف غير منصوب ولا مجزوم؛ إذ نصبه أو جزمه يوجب أن يكون عطف فعل وحده على فعل كذلك.” النحو الوافي (3/ 644)
ومن كل هذا نخلص إلى النتائج التالية:
1: عطف الفعل على الفعل عطف مفردات يستلزم سريان النصب والجزم من المعطوف عليه إلى المعطوف دون تكرار أداة النصب أو الجزم .
2: إن لم يسرِ النصب والجزم للمعطوف، فالعطف ليس عطف مفردات، بل لا بد أن يدخل في عطف الجمل الذي لا يستلزم مثل هذا السريان.
وبناء على هذا، فعلى اعتبار الأفعال (يبق) و (ننج) مرفوعة مع حذف حرف العلة منها على لغة التخفيف، فالنصب الذي سبقها لم يسر إليها، ويتحتم حينها أن العطف ليس عطف مفردات بل جمل.
ومن الأمثلة التي ذكرها النحو الوافي لشرح الفرق بين عطف المفردات وعطف الجمل ما يلي:
“إذا تعرض وتصدى المرء لكشف معايب الناس مزقوه بسهام أقوالهم وأعمالهم. وهي سهام لن يستطيعَ أو يقدرَ أحد على احتمالها”. فالفعل: “تصدى” معطوف وحده على الفعل: “تعرض” وكذا الفعل: “يقدرَ” معطوف وحده على الفعل “يستطيعَ” [النحو الوافي (3/ 641)]
وفي الهامش في شرحَ السبب لكون العطف عطف مفردات في الفعل (يقدرَ) فقال ما يلي:
“بدليل نصب المضارع المعطوف “وهو: يقدرَ” إذ لو كان العطف جملة على أخرى لوجب رفع هذا المضارع.” [النحو الوافي (3/ 641)]
وعليه، فعطف جملة على أخرى يستلزم عدم سريان النصب أو الجزم إلى المعطوف.
ومن الأمثلة الأخرى التى أوردها النحو الوافي لتفسير الفرق بين عطف الجمل وعطف المفردات في الأفعال كان المثال التالي: “لم يحضر قطار ويسافر يوسف” ، فقال:
“لم يحضر قطار ويسافر يوسف. بعطف “يسافر” على “يحضر” عطف فعل مفرد على نظيره المفرد، فيكون “يسافرْ” مجزوما. والمعنى نفي حضور القطار، ونفي سفر يوسف أيضا، فالحضور لم يتحقق، وكذلك السفر، فالأمران لم يتحققا قطعا.
أما إن كان الفعل: “يسافر” مرفوعا فيتعين أن يكون العطف عطف جملة فعلية على جملة فعلية؛ تحقيقا لنوع من الربط والاتصال بينهما. ويتعين أن يكون المعنى عدم حضور القطار. أما يوسف فسفره يحتمل أمرين باعتبارين مختلفين، فعند اعتبار الجملة الثانية مثبتة لم يتسرب إليها النفي من الأولى يكون يوسف قد سافر. وعند اعتبارها منفية لتسرب النفي إليها من الأولى يكون مقيما لم يسافر. والقرينة هي التي تعين سريان النفي من الأولى إلى الثانية، أو عدم سريانه2.” [النحو الوافي (3/ 646)]
ولذا، ففي حال عدم سريان النصب أو الجزم إلى المعطوف يتعين أن يكون العطف عطف جمل لا عطف مفردات. وهذا ما هو متحقق فعلا في الفقرات المعترَض عليها من كلام المسيح الموعود عليه السلام.
وزيادة في تفصيل هذا المثال قال:
“ويصح أن تكون الواو للاستئناف؛ فالجملة بعدها مستقلة، لا علاقة لها بما قبلها في الإعراب … ولا في النفي والإثبات. ويصح أن تكون الواو للحال والمضارع بعدها مرفوع عند من يجيز الربط بها وحدها -كما تقدم في باب الحال، ج2- فالجملة في محل نصب، ولا يسري إليها النفي من الأولى. ولا يصح الالتجاء إلى أحد هذه الأوجه -أو غيرها- إلا إذا وافق المعنى، وساير السياق.” [النحو الوافي (3/ 646)]
وهذا بدوره يأخذنا إلى تخريجات أخرى سيأتي ذكرها ، وهي: كون الواو في الفقرات المعترض عليها من كلام المسيح الموعود عليه السلام ليست للعطف بل للاستئناف أو قد تكون للحال، وهذا سنفرد له مقالا خاصا.
وعن عطف الجمل بشكل عام، وجواز عطف الجملة المنفية على غير المنفية، يقول النحو الوافي:
“كما يجوز عطف الفعلية على الفعلية-بشرط اتفاقهما خبرا أو إنشاء- ولو اختلف زمان الفعلين فيهما؛ فمثال اتحاد الزمن فيهما: وصلت الطائرة وفرح المسافرون بالوصول سالمين يفرح المنتصر ويفرح أهله وأعوانه ..” [النحو الوافي (3/ 652)]
وفي الهامش :
” ولا يمنع من عطفهما كذلك أن تكون إحداهما موجبه “مثبته” “والأخرى منفية؛ كالتي في رقم3 من هامش الصفحة الآتية.” [النحو الوافي (3/ 652)]
وفي مثال لعطف الجملة المنفية على المنفية والمنفية على المثبتة أورد الآية الكريمة: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} وقال:
“وفي الآية شاهد آخر هو عطف الجملة الفعلية المنفية “لا يؤذن لهم … ” على الجملة الفعلية الموجبة “نبعث×” كما سبقت الإشارة.” [النحو الوافي (3/ 654)]
وهذا يصب في صحة الفقرة : ليتمّ حجّتي عند النحارير، ولا يبقَ نَدْحةُ المعاذير. حيث عطفت فيها الجملة المنفية (لا يبق) على الجملة المثبتة (يتم حجتي).
الخلاصة والنتيجة :
1: في عطف الفعل على الفعل عطف مفردات لا بدّ أن يسري النصب والجزم إلى الفعل المعطوف من المعطوف عليه.
2: في حال عدم سريان النصب أو الجزم إلى المعطوف يتعين أن يكون العطف عطف جمل لا عطف مفردات.
3: لا مانع في عطف الجمل من عطف جملة منفية على مثبتة.
4: يتضح من كل هذا أن لا خطأ واقع في الفقرات المذكورة أعلاه من كلام المسيح الموعود عليه السلام :
_ أن نصطاد هذه الجراد مع ذراريها، ونُنج الخلق من كيد الخائنين (إتمام الحجة).
_ ليتمّ حجّتي عند النحارير، ولا يبقَ نَدْحةُ المعاذير (منن الرحمن).
فالعطف فيها عطف جمل بدليل عدم سريان النصب من المعطوف عليه إلى المعطوف، والأفعال (ننج) و(يبق) مرفوعة وليست مجزومة، رغم حذف حرف العلة من آخرها، وذلك على اللغة التي تحذف حرف العلة في المضارع المرفوع لغير الجازم تخفيفا، كما في القرآن الكريم. فأن تكون هذه الأفعال مرفوعة مع كون الأفعال (نصطاد) و (يتمّ) منصوبة، جائز في وعلى عطف الجمل ولا خطا فيه قطّ!!!!!