المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..137

مجمع اللغة القاهري وجهابذة اللغة يلزمون العقود من الأعداد الياء والنون كجمع المذكر السالم

الاعتراض: تمييز العقود من الاعداد لم يأت مفردا منصوبا

اعترض على الفقرات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام، في كون تمييز العقود من الاعداد (العشرات) لم يأت مفردا منصوبا كما تقول به القاعدة المعروفة.

1: ستين أعوام” (لجة النور).

2: وإني جُعلتُ مسيحا منذ نحو عشرين أعوام من ربّ علاّم” (تذكرة الشهادتين).

3: ومشوا معه إلى سبعين فرسخ وباتوا معه وأكلوا معه … أتظن أن سُلَّمَ السماءِ ما كان إلا على سبعين ميل مِن مقام الصليب؟ ” (الهدى والتبصرة).

كما اعترض على المسيح الموعود عليه السلام في استخدامه لكلمة (أجمعين) في موضع الرفع.

الرد:

لقد وجهنا هذه العبارات بتوجيهات مختلفة في مقالات سابقة [ ينظر:  المقالات التالية:

نكتة العجمة في تمييز الأعداد (مظاهر 36 )،

تمييز العقود من الأعداد بصيغة الجمع بالإضافة أو التمييز  (مظاهر 39)

نكتة العجمة في تمييز العقود (العشرات) من الأعداد (مظاهر 98 )]

ومن بين هذه التوجيهات كان التوجيه التالي:

على لغة للعرب تجيز إضافة العقود من الأعداد إلى تمييزها أقر بها الكسائي، ولغة أخرى للعرب وبعض النحاة، تلزم جمع المذكر السالم وملحقاته (كالعقود) الياء والنون في جميع أحواله، حتى عند الإضافة، وتعربه بحركات ظاهرة على النون. لتكون وفق هذا الفقرات أعلاه بالتدقيق التالي:

1: فلبثوا في دار غربتهم إلى مدّةِ نحوِ ستينِ أعوامٍ. (لجة النور)

2: وإني جُعلتُ مسيحا منذ نحوِ عشرينِ أعوامٍ من ربّ علاّم. (تذكرة الشهادتين)

3: ومشوا معه إلى سبعينِ فرسخٍ وباتوا معه وأكلوا معه … أتظن أن سُلَّمَ السماءِ ما كان إلا على سبعينِ ميلٍ مِن مقام الصليب؟ (الهدى والتبصرة)

وأما كلمة (أجمعين) في موضع الرفع، فقد وجهناها وفق توجيهات مختلفة، منها على لغة إلزام جمع المذكر السالم الياء والنون في جميع حالاته. وذلك في المقالات التالية:

أجمعين أم أجمعون؟ (آتوني 2)

إلزام جمع المذكر السالم الياء والنون في جميع حالات إعرابه.. (مظاهر 106)

توجيه ثالث لنصب كلمة (أجمعين) ( مظاهر 127)

أمثلة من المصادر العربية على نصب كلمة “أجمعين” ( مظاهر 129)

ومما يؤيد توجيهاتنا هذه، لهو إقرار واستشهاد مجمع اللغة العربية في القاهرة بلغة إلزام جمع المذكر السالم الياء والنون، وبالذات العقود من الأعداد، بناء على آراء النحاة، وإليكم ما جاء في كتاب الألفاظ والأساليب الصادر عن هذا المجمع:

وقوم من النحاة منهم الفراء يجرونه (جمع المذكر السالم) وما ألحق به مجرى “غسلين” في لزوم الياء، وفي جعل النون معتقب الإعراب، وثبوتها مع الإضافة. أفاد ذلك الأشموني وصاحب التصريح . [ الألفاظ والأساليب، 80]

واستشهد المجمع بأقوال النحاة التالية :

1: الأشموني: “وَهْوَ” أي: مجيء الجمع مثل حين “عِنْدَ قَوْمٍ” من النحاة منهم الفراء “يَطَّرِدْ” في جمع المذكر السالم وما حُمل عليه، وخرجوا عليه قوله “من الخفيف”: رُبَّ حَي عَرندَسٍ ذِي طَلاَل … لاَ يَزَالونَ ضَارِبينَ القِبابِ . وقوله “من الوافر”: “وماذا تبتغي الشعراء مني” … وَقَد جَاوَزْتُ حَدَّ الأرْبعينِ. والصحيح أنه لا يطرد، بل يقتصر فيه على السماع.” [شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 64- 66)]

نخلص من قول الأشموني إلى :

  • الفراء وغيره من النحاة يأخذون بلغة إلزام جمع المذكر السالم الياء والنون وإعرابه بحركات ظاهرة

2: الوقّاد: “وبعضهم”؛ أي: النحاة؛ “يطرد هذه اللغة”، وهي لزوم الياء والإعراب على النون منونة “في جمع المذكر السالم، و” في “كل ما حمل عليه”؛ لأن باب الياء أوسع من باب الواو، وهذا أعم من قول الناظم وهو يعني باب سنين: (عند قوم يطرد ) ويخرج عليها قوله”: [من الخفيف]رب حي عرندس ذي طلال … “لا يزالون ضاربين القبابِ

الرواية: “ضاربين” بإثبات النون مع الإضافة إلى “القباب“، فدل على أن “ضاربين” معرب بالفتحة على النون كمساكين؛ لا بالياء، وإلا لحذفت النون للإضافة، وقيل: “ضاربي”.. و”قوله” وهو سحيم: [من الوافر] وماذا تبتغي الشعراء مني … “وقد جاوزت حد الأربعينِ” الرواية بكسر النون، على أنها كسرة إعراب، وبه قال الأخفش الأصغر علي بن سليمان، ولم يفرق بين العقود وغيرها، وجعله بمنزلة الجمع المكسر، وجعل إعرابه في آخره، كما يفعل في فتيان، وقال الأعلم يوسف الشنتمري: هو في السنين والعقود أمثل منه في المسلمين ونحوه؛ لأنه لفظ مخترع للعقود، فهو أشبه بالواحد الذي إعرابه بحركة آخره من المسلمين ونحوه، ولا دليل لهما في هذا البيت لجواز أن تكون كسرة النون فيه كسرة بناء ضرورة، كما سيأتي، وبذلك صرح ابن جني…. واختلف رأي ابن مالك، فتارة حكم عليه بأنه مجرور بالكسرة، وتارة بأنه مجرور بالياء وكسر النون على لغة، وتابعه الموضح هنا؛ فاستشهد أولا على الإعراب بالكسرة؛ وثانيا على كسر النون في الشعر، ولم تكسر النون بعد الواو في نثر ولا شعر لعدم التجانس…

[شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (1/ 76-75)]

نخلص من أقوال الوقّاد إلى ما يلي:

  • عند قوم من النحاة يطّرد إلزام جمع المذكر السالم الياء والنون وإعرابه بالحركات
  • من هؤلاء النحاة، الأخفش الأصغير وهو لا يفرق بين العقود وجمع المذكر السالم.
  • من النحاة، مثل الشنتمري من يفضل قصر هذه اللغة على باب سنين والعقود .
  • تفسير جواز هذه اللغة في العقود هو تشبيه العقود بالاسم المفرد أو بجمع التكسير.

وذكر المجمع قول ابن مالك في هذا الشأن، نورده كاملا من شرح التسهيل:

من العرب من شبه سنين ونحوه بغسلين، فتلزمه الياء ويعرب بالحركات فيقول: إن سنينا يطاع إليه فيها لسنينٌ، وسنينك أكثر من سنيني. وبعض هؤلاء لا ينون فيقول: مرت عليه سنينُ، فترك التنوين لازم لأن وجوده مع هذه النون كوجود تنوينين في حرف واحد، وإنما اختص هذا النوع بهذه المعاملة لأنه أعرب إعراب جمع التصحيح، وكان الأحق به إعراب جمع التكسير لخلو واحده من شروط جمع التصحيح، ولعدم سلامة نظمه، وكان جديرا بأن يجرى مجرى صنْوانٍ وقنوا، فلما كان له ذلك مستحقا ولم يأخذه نبه عليه بهذه المعاملة، وكان بها مختصا، ولو عومل بهذه المعاملة، نحو: رقين، لجاز قياسا وإن لم يرد به سماع، وقد فعل ذلك ببنين كقول الشاعر:

وكان لنا أبو حَسَنٍ عليٌّ … أبا بَرَّا ونحنُ له بنينُ

لأنه أشبه سنين في حذف اللام وتغيير نظم الواحد، ولتغيير نظم واحده قيل فيه: فعلت البنونُ، ولا يقال: فعلت المسلمون. ولو عومل بهذه المعاملة عشرون وأخواته لكان حسنا، لأنها ليست جموعا، فكان لها حق في الإعراب بالحركات كسنين. ويمكن أن يكون هذا معتبرا في الأربعين من قول جرير:

عَرِينُ من عُرَيْنَةَ ليس مِنّا … بَرِئْتُ إلى عُرَيْنَةَ من عَرِينِ

عرفنا جعفرا وبني عَبِيد … وأنْكَرْنا زعانفَ آخرينِ

وماذا يدَّرِي الشعراءُ مني … وقد جاوزتُ حدَّ الأربعينِ

فتكون الكسرة كسرة إعراب، ويمكن أن تكون كسرة ضرورة كما سبق في البيت قبله.

ويجوز أن تكون كسرة نون الجمع وما حمل عليه لغة، كما أن فتح نون المثنى وما حمل عليه لغة، ومن كسر نون الجمع ما أنشد ثعلب من قول الشاعر:

إنِّي أبِيٌّ أبِيٌّ ذو محافَظة … وابنُ أبيٍّ أبِيٍّ من أبيينِ

وإذا جاز لهم الانقياد إلى التشبيه اللفظي في الخروج عن أصل إلى فرع، فالانقياد إليه في الخروج عن فرع إلى أصل أحق بالجواز، وذلك أنهم قالوا في: ياسمين وسِرجين وشياطين، ياسمون وسرجون وشياطون، فأعربوها إعراب جمع التصحيح تشبيها للآخر بالآخر، وإن كان نون بعضها أصليا، مع أن هذا الإعراب فرع، والإعراب بالحركات أصل. فأنْ يشبه باب سنين وظبين بباب قَرين ومُبين أنسب وأقرب.

وإنما ألزموه إذا أعربوه بالحركات الياء دون الواو لأنها أحق، ولأن باب غِسْلين أوسع مجالا من باب عَرَبُون، ولأن الواو كانت إعرابا صريحا إذ لم يشترك فيها شيئان، فلو لزمت عند الإعراب بالحركات لكان الرفع بالضمة معها كرفعين، وليست الياء كذلك إذ لم ينفرد بها شيء واحد. على أن المبرد قد أجاز لزوم الواو عند التسمية بهذا الجمع، فيقول في المسمى بزيدين: هذا زيدونٌ، ورأيت زيدونًا، ومررت بزيدونٍ. ويؤيد قوله قولُهم: الماطِرُون وسَيْلَحُون وناطرون وماعزون في أسماء أمكنة، والأجود إجراؤها مُجْرَى الجمع، ثم التزام الياء، وأما التزام الواو وجعل الإعراب في النون فقليل، والحمل عليه ضعيف. [شرح التسهيل لابن مالك (1/ 86-85)]

يتضح من أقوال ابن مالك هذه ما يلي:

  • جواز إلزام العقود الياء وإعرابها بحركات على النون كما في (سنين) و (بنين). وهي اللغة التي تطّرد عند بعض النحاة في كل جمع المذكر السالم.
  • يفسر ابن مالك هذا الجواز، لكون هذه الألفاظ ملحقة بجمع المذكر السالم وليست أصلية فيه، فكان الأولى إعرابها إعراب جمع التكسير في (بنين) أو إعراب المفرد في العقود من الأعداد، حيث إنها لا تعتبر جموعا بل أسماء جمع لا مفرد لها. حيث جاء في الهمع: وَمِنْهَا عشرُون والعقود بعده إِلَى تسعين وَهِي أَسمَاء مُفْردَة [همع (1/ 170)]
  • كما ويفسر ابن مالك هذا الجواز لأن فيه خروجا عن الفرع إلى الأصل، وهو جائز؛ حيث أن الإعراب بالحركات هو الأصل.

ومن كل هذا نخلص إلى أن مجمع اللغة القاهري يقر ويستشهد بلغة إلزام جمع المذكر السالم الياء والنون وإعرابه بالحركات الظاهرة، وبالأخص في العقود من الأعداد حيث تُحمل على المفرد أو جمع التكسير، كل هذا بناء على أقوال النحاة مثل: الفراء، الأشموني، الوقاد، الأخفش الاصغر، والأعلم الشنتمري، وابن مالك. مما يدل على صحة استشهادنا بهذه اللغة، وإن كان مجمع اللغة قد استشهد بها لأمر آخر، وهو إلزام العقود الياء والنون عند النسبة إليها كالقول (العيد الخمسيني).

ومن بين ما ورد في الشعر من هذه اللغة كان ما يلي:

وماذا يدَّرِي الشعراءُ مني … وقد جاوزتُ حدَّ الأربعينِ (جرير من العصر الأموي)

إنِّي أبِيٌّ أبِيٌّ ذو محافَظة … وابنُ أبيٍّ أبِيٍّ من أبيينِ (ذو الإصبع العدواني من العصر الجاهلي)

وكان لنا أبو حَسَنٍ عليٌّ … أبا بَرَّا ونحنُ له بنينُ (سعيد بن قيس الهمداني من جيل التابعين)

رب حي عرندس ذي طلال … لا يزالون ضاربين القبابِ  (عمر بن الأيهم التغلبي من العصر الأموي)

وكفى بكل هذا تأكيدا على صحة توجيهاتنا التي ذهبنا إليها في إضافة العقود من الأعداد لتمييزها وإلزامها وكلمة ( أجمعين) الياء والنون وإعرابها بحركات ظاهرة عليها. كما لا يمكن لعاقل أن يعتبر هذه اللغة لغة عامية بل هي مما دار في فصيح الكلام ونُقل عن كبار النحاة والشعراء. فإلزام سنين وبابه الياء والنون هي لغة بني تميم وبني عامر المعروفة بفصاحتها وتؤخذ منها اللغة، فجاز القياس عليها وهي من فصيح الكلام.