أبصر حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام النور في العام ١٨٣٥ في قرية نائية بالهند تدعى قاديان. تعود أصول أسرة حضرته عَلَيهِ السَلام إلى سلالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من جهة الأم من أصول فارسية ولذلك يلقب أفرادها بـ مرزا الذي يعني إبن الأمير ويقصد به هنا حفيد النبي ﷺ من جهة الوالدة، وقد نشأت هذه التسمية أي المرزا للتفريق بين المنتسب للنبي ﷺ من جهة الأم وبين لقب السيد الذي يطلق على سليل آل النبي ﷺ من جهتي الأب والأم معا. ارتحل أجداد حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام إلى الهند واستقروا بها وكانوا من الأسر التي خدمت البلاد ويشار لها بالاحترام والتقدير. عاش حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام منذ طفولته ملتزماً بالصلوات المفروضة والنوافل في المساجد وفي قراءة القرآن الكريم حتى تَرَكَ الحياة الدنيوية ولم يعد يهنأ له بالٌ إلا في المساجد على سجاد الصَلاة. كان لحضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام أصدقاء ومن بينهم صديق يدعى محمد حسين وكان من مدينة متاخمة تدعى بطالة فدرس الإثنان الفقه والحديث حتى تقدم بهما السن وصار كل منهما شيخاً في قريته. تزعم الشيخ محمد حسين البطالوي فرقة أهل الحديث وأسس مجلة سماها إشاعة السنّة وكانت ذات توجه سلفي تنطق بلسان حال أهل الحديث في الهند، فحدث أن كان حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام يواجه العديد من القسس المنصرين وأعداء الإسلام بحجج قاهرة باهرة فكان يخرج من كل مواجهة مكللاً بالنصر المؤزر وألّف في تلك الأثناء كتاباً ضخماً غني المحتوى أسماه البراهين الأحمدية على حقية كتاب الله القرآن والنبوة المحمدية والذي يغني عنوانُه عن الخوض في مكنونه. اقتنى الشيخ الصَديق محمد حسين نسخةً من الكتاب فأعجب به أيما إعجاب فكتبَ في مجلته تعريفاً له سنأخذ منه مقتبساً أو اثنين. كَتَبَ الشيخ البطالوي:
“والآن ُأبدي رأيي بإيجاز شديد ودون أدنى شائبة من المبالغة، وهو أننا حين نضع هذا العصر وأحواله في الاعتبار أرى أنه لم ينشر مثل هذا الكتاب منذ بدء الإسلام إلى هذا اليوم، ولا ندري ماذا يمكن أن يحدث في مستقبل الأيام، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. لقد أثبت المؤلف أنه رجل مثابر في خدمة الإسلام، بالقلم واللسان، والحال والمال، وغير ذلك، حتى إنه من النادر أن تجد له مثيلا بين المسلمين. ومن اعتبر قولنا هذا مبالغة تمشيا مع أسلوب أهل آسيا، فعليه أن يدلّنا على كتاب واحد على الأقلّ تصدى لأعداء الإسلام، وخاصة للآريا سماج والبرهمو سماج بكل قوة وبرهان، وعليه أن يقدم لنا أسماء ثلاثة أو أربعة ممن قدموا للإسلام خدمات مثل ما قدم هذا الرجل، وعليه أن يعدد لنا بضعة أشخاص بمثل هذه الصفات الذين اضطلعوا بأعباء خدمة الإسلام بالمال والنفس والقلم واللسان والحال أيضا، والذين تحدوا أعداء الإسلام ومعارضي الوحي وقالوا بأن الذي يرتاب في نزول الوحي فليتقدم إلينا ليشاهد ما يرتاب فيه، بل إنهم أذاقوا الملل الأخرى طعم التجربة والمشاهدة أيضا.” (مجلة إشاعة السنة العدد ٧ رقم ٦ الصفحة ١٦٩-١٧٠)
وقال الشيخ البطالوي أيضا:
“إنَّ مؤلف البراهين الأحمدية قد صان شرفَ المسلمين، وتحدّى أعداء الإسلام بقوة وبراعة، وأعلن للعالم أجمع أن مَن لديه أدنى شك في صدق الإسلام، فعليه أن يأتي إليه. يا رب، ويا هاديَ الباحثين عنك، ارحَمْه أكثر من نفسه ومن آباءه. آمين” (مقدمة كتاب البراهين الأحمدية)
كانت هذه شهادة زعيم فرقة أهل الحديث وصاحب مجلة إشاعة السنة.
وكان أن جرت بعض المواجهات المسلحة بين بعض مثيري الشغب والحكومة الإنكليزية التي حمت الهند من تسلط السيخ على المسلمين كما صرّح السيد “تُلسي رام” أحد علماء الهندوس معترفا بما كان يقوم به السيخ ضد المسلمين:
“في بداية حكم السيخ كان شغلهم الشاغل قطعَ الطرق والقتلَ والنهبَ وتقسيمَ “الغنائم” فيما بينهم. وكانوا يبغضون المسلمين بغضاً شديداً حتى إنهم كانوا لا يسمحون لهم برفع الأذان للصلاة. لقد استولَوا على مساجدهم، وقرؤوا فيها “جرنث” كتابهم المقدس.” (كتاب “شير فنجاب” طبعة 1872م)
فقام المهاجمون بمواجهات مسلحة ضد الإنكليز الذين كفلوا الحرية الدينية للمواطنين كافة دون أي تمييز طائفي، فأصدر أكثر علماء الهند من سلفية وشيعة وغيرهم فتاوى بتحريم الثورة على الحكام الإنكليز وذلك بسبب عدم إجبار الحكام الإنكليز لأحد في دينهم ومعاشهم، ولنقتبس ما قاله شيخ أهل الحديث محمد حسين البطالوي نفسه في هذا الخصوص:
“لا شك أن سلطان الروم (يعني السلطان التركي) ملِكٌ مسلم، ولكننا، نحن المسلمين، لسنا أقل منهم اعتزازاً وافتخاراً بالحكومة البريطانية نظرًا لحسن نظامها.. بصرف النظر عن الدين.. وإن فرقة “أهل الحديث” على الأخص، لما تتمتع به من أمن وحرية من قبل هذه الحكومة، لتفتخر أمام جميع الدول الإسلامية الحالية، سواء في الروم أو في إيران أو خراسان. فنظراً للأمن والاستقرار والحرية العامة وحسن النظام الذي تتحلى به الحكومة البريطانية، فإن فرقة أهل الحديث بالهند تعتبرها غنيمة عظيمة، وتُفضّل أن تكون من رعاياها بدل أن تكون من رعايا الدول الإسلامية.” (مجلة إشاعة السنة، مجلد 10 ص 292- 293)
وكذلك نأخذ شهادة الشيخ سلمان الندوي زعيم مؤسسة الندوة الإسلامية والذي يعد من أشهر علماء الهند حيث قال:
“صحيح أن الندوة في معزل عن السياسة، ولكن لما كان هدفها الأساسي تخريج علماء مستنيرين، فمن واجب هؤلاء العلماء إطلاع القوم على بركات هذه الحكومة “الإنجليزية” ونشرِ أفكارٍ تساعد أهل البلاد على الوفاء لها.” (مجلة الندوة، عدد يوليو 1908م ص1)
كانت أعمال الشغب هذه قد تسببت في زعزعة ثقة الإنكليز بالرعايا المسلمين بسبب مثيري الفتن فأعرب المشايخ عن ولائهم للحكومة التي لم تُكره أحداً في دينه خاصة رغم قدوم حملات التنصير تحت ذريعة الحرية الدينية والتي تصدى لها حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام ببسالة فائقة كما سلف حتى شهد له القاصي والدان بعلو كعبه أمام المنصرين، فكتب الميرزا حيرت الدهلوي مدير جريدة “كرزن غزت” في عددها 1/6/1908م مقالاً جاء فيه:
“الخدمات الجليلة التي أداها المرحوم للإسلام في مواجهة الآريا الهندوس والمسيحيين لجديرة بالتقدير الكبير حقًّا… ليس لكوني مسلما فحسب بل بصفتي باحثا أيضا، أعترف أنه لم يكن بوسع أي من الآريا أو القساوسة أن يواجه المرحوم. والكتب الفريدة التي ألفها ردًّا على المسيحية والآريا، والأجوبة المفحمة التي وجهها إلى معارضي الإسلام، لم نر أحدًا، لحد الآن، قد استطاع أن يكتب ردا معقولا عليها.”
واعترف المولوي ظفر علي خان (أحد ألد أعداء الأحمدية) قائلا:
“لقد تصدى السيد الميرزا لهجمات الهندوسية والمسيحية بكفاءة متناهية، وألَّف ضد الآريا والمسيحيين كتبًا قيّمة مثل “سرمه جشم آريا” و”جشمه مسيحي.” (جريدة “زميندار” عدد 12 سبتمبر 1923م)
وكتب المولوي نور محمد النقشبندي الجشتي ما يلي:
“في تلك الأيام قدِم إلى الهند القسيس ليفراي من إنجلترا، مصطحبًا مجموعة كبيرة من القساوسة، وحالفًا بتنصير الهند كلها في أيام قليلة. وبفضل أموال طائلة ووعود متكررة مؤكدة من الإنجليز بالمساعدة المالية أحدثَ زلزالا في كل أنحاء الهند. لقد وجد القسيس في عقيدة حياة المسيح عيسى عليه السلام في السماء بجسده المادي وفي كون غيره من الأنبياء الكرام أمواتًا مدفونين تحت الأرض، سلاحًا ماضيًا على عامة الناس. فقام الشيخ غلام أحمد القادياني للتصدي لهذه الجماعة، وقال: إن عيسى الذي تتكلمون عنه قد مات ودُفن كغيره من البشر، أما عيسى الذي وُعد بمجيئه فهو أنا؛ فصدِّقوني إن كنتم من السعداء. وبهذه الحيلة ضيّق الخناق على القسيس ليفراي وجماعته حتى صعب عليه التخلص من يده، وأنـزل بهذه الحجة هزيمة نكراء بكل القساوسة من الهند إلى إنجلترا.” (مقدمة النقشبندي للترجمة الأردية لمعاني القرآن الكريم ص 30)
الحق أن إثبات حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام موت المسيح عَلَيهِ السَلام وعدم عودته إلى الدنيا ثانية قد أغضب النصارى والقسس المتعصبين منهم خاصة ثم آثار ذلك أيضاً نقمة المشايخ المسلمين الذين يعتقدون بحياة المسيح في السماء ومنهم صديق حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام أي الشيخ محمد حسين البطالوي فتحول من صديق إلى عدو لدود خاصة بعد إعلان حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام تلقي الوحي من الله تعالى بكونه المسيح الموعود والإمام المهدي الذي بَشَّرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ببعثته في الزمن الأخير.
لقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن المسيح الموعود سوف “يضع الحرب” أي أن من علامات بعثته عدم الدعوة إلى الحرب ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سوف يقول للناس الذين يحاولون مواجهة قوى يأجوج ومأجوج والتي فسرها عَلَيهِ السَلام بأنها القوى العسكرية الغربية سيقول للناس بأن لا يفعلوا وهم في هذا الحال من التفرق والضعف إلى جانب كون هذه القوى الكبرى “لا يدان لأحد بقتالهم” أي لا قدرة لأحد من المسلمين بقتالهم، وبذلك لن تكون هنالك أي إمكانية للجهاد القتالي وأن الجهاد الذي يقضي بقتل الناس خارج إطار الحرب المعلنة هو معصية كبرى ومخالفة لقول الله تعالى “فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين”. هذا بالإضافة إلى أحاديث توقف الجهاد عند نزول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وغيرها من أحاديث تصرح بمنع الجهاد القتالي عند بعثة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. لهذا السبب ولكي يُطمئن الحكومة الإنكليزية أن المسلمين ليسوا خونة بل أوفياء لمن منحتهم الحكومة العدل والحرية الدينية فلن يكونوا أول كافر بهذه النعمة بل سيجدوهم من الشاكرين ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله ﷻ. وفي هذه الأثناء التي أثيرت فيها هذه التهم ضد المسلمين ودفاع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عنهم طُرحت فكرة ترقية المسلمين في الوظائف وتثبيت اللغة الأردية في المدارس على الحكومة الإنكليزية فطُلِبَ من المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن يجمع تواقيع جميع المسلمين والهندوس لرفع هذا المقترح، فبيَّنَ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام رضاه عن المقترح ولكنه اعتذر عن القيام بمهمة جمع تواقيع كل المسلمين والهندوس المنصفين وذلك بسبب اعتلال صحته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام واضطراره للبقاء في مدينة أمرتسار الأمر الذي يجعل من هذه المهمة أمراً مستحيلاً في هذه الظروف. بالإضافة لذلك وجَّهَ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للمطالبين بهذه الترقيات نصيحةً مهمة وهي أن يولوا الوفاء للحكومة أهمية أكبر من الترقيات الوظيفية واللغة الأردية وهذا لأن دفع التهم عن الإسلام كدين يوصي بعدم الثورة على الحكام والإخلال بالأمن أهمية قصوى لكون الأساس هو الأهم في عملية البناء أهم من أي شيء آخر، فإذا انعدم الأساس خََرَّ المبنى كله مهما كان قويا. لقد كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في هذا الالتماس حقيقة يدافع عن المسلمين دفاعا ضاريا (يرجى قراءة الصفحات ١٢١-١٢٦ من كتاب البراهين الأحمدية) ولكن لم يدرك المسلمون ضرورة ذلك أو استهانوا به حتى خربت الديار للأسف الشديد وصارت مسرحاً للتصفيات السياسية والحزبية، ولو أنهم استمعوا لكلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لما حدث شيء مما يجري اليوم. لقد شاءَ الله تعالى أن يحدث كل ذلك كي يحق الحق بكلماته ويُري ضرورة كل تعليم أنزله على رسوله الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وخادمه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.
من جهة أخرى واجه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حملات التنصير الإنكليزية التي رافقت الإحتلال الإنكليزي للهند مواجهة لا مثيل لها، ونقدّم للقاريء بعض الاقتباسات من كلام حضرته، حيث يقول عَلَيهِ السَلام:
“ومع أن الحكومة الإنجليزية لا تهمّها أمورَ الدين شيئا، بل هي مهتمَّة بإدارة أمور السلطنة، ولكن للقساوسة أيضا سلطنة منفصلة تملك أموالا تفوق العَّد والإحصاء، وتنشر لحمتها وسداها في الدنيا كلها، وتستقطب نوعا من الجنة والنار. فمن أراد الانضمام إلى دينهم كُشفت له تلك الجنة، ومن عارضهم هُدِّد بالنار. وفي بيتهم كمٌّ هائل من الطعام وكأن جبال الخبز تتبعهم حيثما ذهبوا وحلُّوا. وإن كثيرا من المرتزقة يُفتَنون بخبزهم البراق، ويشرعون بالترديد: “ربنا المسيح”. فما من علامة من علامات المسيح الدجال إلا وتوجد فيهم؛ فمِن وجهٍ يحيُون الأموات، ومِن آخَر يميتون الأحياء، فليفهم الفاهمون. ولا شك أنّهم ينظرون بعين واحدة هي العين اليسرى. ولو ملكوا العين اليمنى لخافوا الله تعالى، ولامتنعوا عن ادعاء الألوهية.
.. من ذا الذي يستطيع أن يحيط بمدى الأضرار التي لحقت بالإسلام على يد هؤلاء القوم، ومدى ما أدمَوا الحق والعدل. لم يكن لهذه الفتن جميعها أثر يُذكر قبل القرن الثالث عشر للهجرة المقدسة، ولكن ما أن انتصف هذا القرن ونَيِّف، إلا وخرجت هذه الطغمة الدجالية فجأة، وأخذت في التقدّم، وقد بلغ عدد المتنصرين في أواخر هذا القرن في الهند وحدها؛ نصف مليون نسمة، وذلك على حد قول القسيس “هيكر”. وقُدِّر عدد الذين ينضمون إلى المسيحية -فينادون العبد العاجز إلها- بمائة ألفٍ كل اثني عشر عاما. ولا يخفى على العارفين، أن جماعة كبيرة من المسلمين، أو بتعبير آخر، فئة من صعاليك الإسلام من ذوي البطون الجائعة والأجسام العارية؛ استحوذ عليهم القساوسة بما لوَّحوا لهم به من الرغيف والثوب. ومن لم يطمع في رغيفهم افتتنوه بالنساء. ومن لم يقع في شَرَكهم بهذه الطريقة أيضا، نشروا للكيد به فلسفة الإلحاد واللادينية، التي وقع فريستها حتى اليوم ألوف من الناشئة من أبناء المسلمين؛ ممن يسخرون من الصلاة، ويستهزئون بالصوم، ويرون الوحي والإلهام أضغاث الأحلام. أما من قصر باعه عن دراسة الفلسفة الإنجليزية، فقد ألَّفوا ونشروا لتضليله قصصا كثيرة ملفقة، نسجها القساوسة بكل سهولة، وهجوا فيها الإسلام بأسلوب روائي أو تاريخي. كما ألَّفوا ما لا يُحصى من الكتب للطعن في الإسلام ولتكذيب سيدنا ومولانا ونبينا ﷺ، ووزعوها في كثير من أنحاء العالم مجّانا، ونقلوا أكثرها إلى لغات عديدة، وقاموا بنشرها. راجِعوا في ذلك فتح الإسلام: حاشية الصفحة ٤٦ تجدوا أنهم ألَّفوا ووزعوا مجانا ما يربو على سبعين مليونا من الكتب لنشر أفكارهم المليئة بتلبيساتهم خلال إحدى وعشرين سنة، وذلك لكي يرتدَّ عن الإسلام أهله، ويؤمنوا بالمسيح إلها.
فالله أكبر! إن لم يكن هؤلاء القوم دجالين من الدرجة الأولى في نظر قومنا، وإن لم تكن ثمة حاجة إلى مسيح صادق لرد مكائدهم، فماذا عسى أن يكون مآل هؤلاء القوم يا تُرى؟
.. فمن الواضح أن هذه؛ هي أعمال السحر والشعوذة التي تقوم بها الأمم المسيحية ومناصرو التثليث، وهي نموذج كامل للسحر، ولا يمكن ظهورها إلا من دجال من الدرجة الأولى، ألا وهو الدجال المعهود. فلا بد من اعتبار هؤلاء القوم -الذين هم فئة القساوسة- دجالا معهودا. وحين نُجيل البصر في معظم ما مضى من عمر الدنيا، ينقلب إلينا البصر بشهادة استقرائية؛ أننا لا نجد لهؤلاء القوم نظيرا في الصفات الدجالية ونجاحها قدرَ ما يمكننا العثور عليه في الأزمنة الغابرة، ولا يساويهم أحد في أعمالهم المبنية على السحر والشعوذة. وما دامت هذه هي علامة الدجال المذكورة في الأحاديث الصحيحة؛ حيث قيل إنه سيُحدث فتنا لن يوجد لها نظير منذ بدء الخليقة، فلا بد من القطع واليقين بأن المسيح الدجال الذي يخرج من الكنيسة، ليس إلا هؤلاء القوم الذين كانت هناك حاجة لمعجزة مقابل سحرهم. وإذا رفضتم قولي هذا فأتوا بنظير لهم من الدجالين في الأزمنة الغابرة.
..فيا أيها الكرام، ها هو الدجال المعهود الذي قد خرج، ولكنكم لم تعرفوه. خذوا الميزان في أيديكم وزِنوا بالقسطاس المستقيم وانظروا؛ هل يمكن أن يخرج دجال أكبر منهم وأكثر منهم مكراً وخديعة؟
..إن نساءكم وأولادكم وأصدقاءكم الحميمين، وأولاد كبرائكم وأوليائكم، وأفراد عائلات محترمة فيكم؛ ينضمون إلى هذه الديانة الدجالية. ألا يشكِّل هذا الموقف مأتما كبيرا للإسلام؟
تأمَّلوا، إلى أيِّ مدى تطاولت فتنهم، وكيف بلغت مساعيهم منتهاها ! هل من كيد أو مكر ادَّخروه للإضلال ؟
..كما أن ألوفا من اليتامى من أبناء المسلمين قد أصبحوا اليوم من ألد أعداء الإسلام بعد أن وقعوا في قبضتهم، وتعلَّموا تلبيساتهم. أرأيتم؟ هل يُتَصَوَّر طريق من طرق الفتنة لم يسلكوه، أو هل من كيد لم يعملوا به لمحو الإسلام؟
.. إن هؤلاء القوم يحتلون في التزوير والتلبيس والدجل المرتبة الأولى بين الناس جميعا منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا، ولا يُعثَر على نظيرهم على وجه المعمورة في إفشاء وباء كهذا من أول يوم إلى الآن، وتأثيراتهم السامة قد أهلكت بعض الناس بالكامل..” (إزالة الأوهام، ص ٣٨٨-٣٩٠)
كما يقول عَلَيهِ السَلام:
“الحق أن الدجالية كانت إرث اليهود التي ورثها النصارى منهم. والدجال يُطلَق على حزب الكذابين الذين ينجسون الأرض ويلبسون الحق بالباطل. وإن هذه الصفة كانت قد بلغت ذروتها في اليهود في زمن المسيح عَلَيهِ السَلام، ثم ورثها النصارى منهم. إذن، فقد نزل المسيح للقضاء على صفة الدجل بحربة سماوية؛ ما اخترعها صنّاع من الدنيا، بل هي حربة سماوية كما يتبين من الأحاديث الصحيحة.” (إزالة الأوهام، ص ٤٧٤)
ويقول عَلَيهِ السَلام:
“ولو طُرحت شبهة: أين توجد علامات الدجال كاملةً في فئة القساوسة الإنجليز؟ فجوابها أنني قد أثبتُّ بالتمام والكمال في هذا الكتاب أن هؤلاء القوم هم الدجال المعهود في الحقيقة. ولو تأملنا في الموضوع أكثر، لوجدنا هذه العلامات كلها متحققة فيهم، وكأنهم مسيطرون على كل شيء نتيجة صناعتهم ومهارتهم، وتدابيرهم الحكيمة، و سَعَتَهم المالية.” (إزالة الأوهام، ص ٥٠١)
بناء على ماسبق نجد كما أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أوصى بعدم الثورة على الحاكم من جهة فَقَدْ واجَهَ من جهة أخرى القسس المنصرين الذين جاؤوا مع الإحتلال لكي ينصرّروا مسلمي الهند، وقد قاموا بتنصير الكثير فعلاً قُبيل بعثته عَلَيهِ السَلام، لذلك كانت بعثته مسيحاً موعوداً ضرورة ماسة لصد تيار التنصير الجارف وإثبات صدق الإسلام العظيم.
إن مَن يطالع كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سيجد بأنه كان الوحيد من علماء المسلمين في الهند في ذلك الوقت الذين خاطبوا ملكة إنكلترا بشجاعة لا نظير لها وهو يقول لها لماذا تعبدين عيسى الميت وتتركين الله ﷻ الحي القيوم ؟ يا قيصرة توبي توبي وأسلمي تسلَمين !
قال عَلَيهِ السَلام هذا القول الشجاع والصريح لأعلى سلطة في الإحتلال بينما كان المشايخ يلتمسون ترقيات وظيفية فقط وقِسم منهم وقع فريسة للتنصير والقسم الآخر هارِب من مطاردة الشرطة والجيش أو ملقى في السجون بسبب الشغب وقطع الطريق أو في درك الهوان والذل. وقد كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وحده هو السد الأمين في تلك الأيام العصيبة للإسلام كما هو اليوم أيضا، وما لم يؤمن الناس اليوم بالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فلن تزول المشاكل في هذا العالم بل ستزيد وتصبح أكثر تعقيداً ورسوخاً في المجتمعات كافة. فنسأل الله تعالى العافية اللهم آمين
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ