الاعتراض: إن في كلامك شيء لا دخل فيه للشعراء
يدعي البعض وجود التناقض بين إلهام المسيح الموعود عليه السلام: “إن في كلامك شيء لا دخل فيه للشعراء” الوارد في كتاب الاستفتاء، وبين إلهام آخر لحضرته عليه السلام في نفس الكتاب وهو: “عفَتِ الديار محلُّها ومقامُها”، والذي هو في الحقيقة شطر من بيت في قصيدة لأحد الشعراء، فإذا كان كذلك فكيف يستقيم الإلهام الأول إذن، بينا نجد في الإلهام الثاني قول لأحد الشعراء؟
الجواب:
الحقيقة أنه لا تناقض واقع قطّ بين الإلهامين! والمسألة متعلقة في كيفية فهمنا لمعنى “الدخل” الوارد في الإلهام الأول. ولكن جدير بالملاحظة أولا أن الإلهام الأول يتحدث عن كلام المسيح الموعود عليه السلام بشكل عام ولا يستثني من كلامه شيئا، رغم أن الكثير من كتابات المسيح الموعود عليه السلام هي في الحقيقة شعر. ولكن لا بدّ من فهم الإلهام الأول ومعنى الدخل المقصود فيه.
فالدخل في هذا المقام لا يعني بأن كلامك كله لم يرد على لسان الشعراء السابقين، بل القصد وإن كان في بعض كلامك من أقوال الشعراء إلا أن كل هذا الكلام يختلف في جوهره وماهيته عن جوهر كلام الشعراء الآخرين، رغم وجود بعض التشابه في بعض الكلمات. فجوهر كلامك ليس كجوهر كلام الشعراء الذي يكون فيه مبالغة وميل وهيام في كل واد، بل هو يختلف كليا عن كلامهم وإن كان كلامك منظوما شعرا.
كذلك فإن جوهر كلامك يختلف في حقيقته عن كلام الشعراء الآخرين لأنه في الحقيقة محض وحي لا تأثير لغير الوحي فيه، أو هو بمحض تأييد الله الإلهامي، وليس هو بنقل من أقوال الشعراء الآخرين ولا هو بمساعدتهم لكونهم قد ذكروا بعض الكلمات المشابهة مسبقا. وهذا ما عبّر عنه المسيح الموعود عليه السلام بالتوارد، عندما فسر هذا التشابه بين بعض وحيه وأقواله وأقوال الشعراء السابقين.
ولو أردنا أن نتماشى مع المعارضين ونفرض أن معنى الدخل المقصود في الإلهام الأول هو وجود التشابه والتطابق مع أقوال الشعراء، فنقول بأن المعارضين لا يدرون الفرق بين القول: إن في كلامك شيء لا دخل فيه للشعراء” والقول: إنه لا شيء في كلامك فيه دخل للشعراء. فالقول الأول يعني بأن هناك شيء في كلام المسيح الموعود عليه السلام لا دخل (تشابه وتطابق) فيه مع كلام الشعراء، ولكن هذا لا يمنع أن تكون أشياء أخرى في كلامه فيها دخل (تشابه وتطابق) مع كلام الشعراء، فلا تناقض بين هذا وبين وجود إلهام في كلام حضرته هو نصّ بيت من قصيدة لشاعر معين؛ إذ المحصلة أنه لا تناقض بين هذا والإلهام الأول.
فأينما ذهبنا في تفسير الإلهام الأول لا نجد أي تناقض بينه وبين الإلهام الثاني!