بقلم: الفارس الأحمدي
(من قصائد سيدنا المسيح الموعود عليه السلام)
بالتأمل في سِفْر التاريخ الإسلامي وأعمال النبي محمد صلى الله عليه وسلم، نشهد تحولا ملموسا وتغيرا جوهريا في البنية الاجتماعية للعرب وتأثيرها الممتد على العالم بأسره. لقد كانت فترة جاهلية تميزت بالجهل والعبودية للشهوات، غير أن ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان نقطة تحول حاسمة، بدأت صفحة جديدة في تاريخ العرب. لقد ظلّ حضرة المسيح الموعود عليه السلام يذكر فضائل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في خطبه وكتاباته دائما. تارة في الشعر، وتارة في النثر، وأحيانا باللغة الأردية، وأحيانا أخرى بالفارسية أو العربية. فكأنّ قلمه لا يعرف الجفاف عندما يتعلق الأمر بذكر حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، وكأنّ لسانه يتدفق بلا انقطاع في مديح الرسول صلى الله عليه وسلم في كل لحظة وحين. إنّ المحور الرئيسي الذي تدور حوله مؤلفاته يتلخص في “حب رسول الله صلى الله عليه وسلم “.
يدرك الملمون بدقائق اللغة العربية أن هذه اللغة تحتوي على قدرة خاصة في التعبير عن مختلف الموضوعات. ولهذا السبب، يتمتع الشعر العربي بمكانة فريدة بين لغات العالم. على الرغم من أن اللغة العربية لم تكن لغة الأم لحضرة المسيح الموعود عليه السلام إلا أنه، بعد اكتسابه العلم الرباني، استطاع أن يعبر عن محبته وإعجابه بسيدنا محمد عليه السلام في كتاباته وأشعاره باللغة العربية، بطريقة أثرت في النفوس وأيقظت الروحانية في قلوب القراء العرب. كان قلمه ولسانه يتدفقان دائما بذكرى جمال وفضل حبيبه، متأملا في فضائله وكرمه من منظورات متعددة، ومستمرا في إثراء حديثه وكتاباته بذكره العطر. تمتد آفاق هذا الموضوع بشكل واسع، ومع ذلك، حُشدت الجهود في مقال اليوم لاستيعاب وتجميع ذلك القسم المحدد من الشعر العربي الذي نظمه سيدنا المسيح الموعود عليه السلام والذي ينطوي على ذكر حي ومؤثر للعطف والإحسان اللذين أغدقهما النبي محمد صلى الله عليه وسلم، على الأمة العربية.
ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبدر مضيء في سماء مكة، المدينة التي كانت تعجّ بالقسوة والجهل، حيث كانت القلوب فيها قاسية كالحجارة، والأخلاق في حالة يرثى لها. كان العرب يعيشون في غياهب الجهالة، وقد تلطّخت أيديهم بالفواحش والمنكرات، وساد بينهم كل نوع من الأخلاق السيئة. ثم جاء الرسول صلى الله عليه وسلم محملا برسالة الهداية والنور، ليضيء العالم بنور الإيمان والمعرفة. يقول المسيح الموعود عليه السلام:
وقد كان وجه الأرض وجها مسوَّدا فصار به نورًا منيرا وأغيَدا[1]
هذا هو الاحسان العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تمكن من تحويل أمة كانت تعيش في وهدة الانحطاط الأخلاقي ولم تكن تحظى بأي تقدير أو مكانة بين الشعوب، إلى أمة تشبه الذهب الخالص في قيمتها ونقائها. وها هو حضرة المسيح الموعود عليه السلام يعبر عن ذلك بقوله:
صادَفـتَهم قومًا كرَوثٍ ذِلّـةً فجـعلتَهم كسَبيكةِ العِقْيانِ [2]
ثم يقول:
عادت بلادُ العُرْبِ نحوَ نضارةٍ بعد الوَجى والمَحْلِ والخسرانِ [3]
نعم! قام النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير جذري في تاريخ العرب؛ إذ استأصل جذور الظلم والعصبية من قلوبهم. بلغ جهلهم إلى حد أنهم كانوا يتفاخرون بمهاراتهم في القتال، كما قال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا[4]
فظهر وجوده الإلهي الساطع الذي أخمد شعلات النار المشتعلة منذ آلاف السنين. لقد أحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملتهم بإحسان عظيم. يقول المسيح الموعود عليه السلام:
أتعرف قوما كان ميتًا كمثلهم نَؤومًا كأموات جَهولا يَلَنْدَدا
فأيقظَهم هذا النبي فأصبحوا منيرين محسودين في العلم والهدى [5]
كان الشعراء يبدؤون قصائدهم بالحديث عن الخمر. وقد قام مجد الدين الفيروز آبادي، صاحب القاموس المحيط، بكتابة كتاب بعنوان “الجليس الأنيس في أسماء الخندريس”، حيث خصصه لذكر مجموعة واسعة من أسماء الخمور. وأشار إلى وجود خمسة أوقات محددة لشربها، وهي: جاشرية، صبوح، قيل، غبوق، فحمة. وهذا يشير إلى أن الشرب والخمر كانا موضوع اهتمامهم الشاغل، كما قال الشاعر لبيد بن ربيعة:
باكَرْتُ حاجَتَها الدَّجاجَ بِسُحرَةٍ لِأُعَلَّ مِنها حينَ هَبَّ نِيامُها [6]
لكن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير هذه العادة فيهم وعدّل ميولهم وأذواقهم، وهذا ما يُجسّد لنا المسيح الموعود عليه السلام في هذه الأبيات:
ترَكوا الغَبوقَ وبدَّلوا من ذوقهِ ذوقَ الدّعاءِ بليلةِ الأحزانِ[7]
كان الناس يتصارعون فيما بينهم بسبب أمور تافهة، وقتل بعضهم البعض لم يكن أمرا كبيرا. كان كل شاب يُربى على رغبة في الانتقام من قتلة أحبائه، ولا يوجد نهاية لدورة الانتقام والعفو. العنف والقوة كانا مشهدا شائعا للتدمير. وكانت هذه حدود الظلم حيث كانوا يدفنون الفتيات أحياءً. وكانوا يشعرون بالحزن عند ولادة فتاة. ويُقال إن شخصًا يُدعى أبو حمزة غضب فقط لأن زوجته قد وضعت ابنته، وبدأ في العيش في منزل الجيران. لذا كان يقول زوجته للطفلة وهي تمسك بها:
ما لأبي حَمزة لا يَأتينا يَظلّ في البيتِ الّذي يَلينا
غَضبان أن لا نلد البَنينا تَاللَّه ما ذلك في أيدينا[8]
فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم حقوق النساء بأمر من الله وأعلن ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ[9][ أي أن حقوق النساء مماثلة لحقوق الرجال. فيشير إليه المسيح الموعود عليه السلام:
وما بَقَى أثـرٌ مِن ظلمٍ وبدعاتٍ بنور مُهجـةِ خيرِ العجم والعربِ [10]
وفيما يتعلق بنزول الحكم الإلهي بشأن زواج المرأة وتحريم العلاقات غير الشرعية، يشير المسيح الموعود عليه السلام إلى أنه حرم على النساء أن يتزوجن إلا بمن حل لهن زواجا مشروعا وفقًا للقرآن، فيقول:
أما النّساء فحُـرِّمتْ إِنكاحُها زوجًا له التّحريمُ في القـرآنِ [11]
كان هذا القوم الظالم لا يهتمون بشيء من القضاء والقدر، ولا يبالون به. كما قال الشاعر:
سَأَغْسِلُ عَنِّي العَارَ بالسَّيف جالبا عَليَّ قَضَاءُ اللهِ ما كان جالبَا [12]
عندما نستغرق في قراءة هذا الشعر، يتجلى لنا بوضوح أن هؤلاء الناس كانوا كانوا ميتين بالفعل. وقد أعيدوا للحياة بفضل النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا ما قاله سيدنا أحمد عليه السلام:
أحييتَ أمواتَ القرون بجَلوةٍ ماذا يماثلك بـهـذا الشّانِ [13]
كانت العرب برمتهم عشاق النساء وكانوا فانين في السيئات، وساد فيهم الجهل من كل طرف، فجذبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الفرقان، كما قال المسيح الموعود عليه السلام:
كَمْ مستهـامٍ لِلرَّشوفِ تعشّقًا فجذَبتَه جَـذْبًا إلى الفرقانِ [14]
إن هذه الأبيات الشعرية التي قُدمت كأمثلة، هي مجرد غيض من فيض الكنوز في أقوال حضرة المسيح الموعود عليه السلام، حيث يُعرب ببراعة ووضوح عن النِعم الجليلة والعطايا السخية التي منحها لنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هي لآلئ تتناثر في سماء الأدب، تنير الدرب وينساب الدعاء من أعماق القلب بعفوية وصفاء:
يا رَبِّ صَلِّ على نبـيّك دائـمًا في هذه الـدنيا وبعثٍ ثـانِ [15]
المراجع
- (كرامات الصادقين، الخزائن الروحانية، ج 7، ص 92)
- (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، ج 5، ص 591)
- (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، ج 5، ص 591)
- (تاريخ الأدب العربي لمؤلفه أحمد حسن الزيات، ط 1993، دار المعرفة بيروت، لبنان، ص 51)
- (كرامات الصادقين، الخزائن الروحانية، ج 7، ص 93)
- (معلقة لبيد بن ربيعة..عفت الديار محلها ومقامها)
- (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، ج 5، ص 592)
- (البيان والتبيين. تأليف: أبو عثمان الجاحظ، الجزء الأول، ص 127، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان)
- (البقرة: 229)
- (سر الخلافة، الخزائن الروحانية، ج 8، ص 430)
- (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، ج 5، ص 591)
- (ديوان الحماسة، تأليف: أبو تمام حبيب بن أوس الطائي، الطبعة الأولى، 1998، ص 16، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)
- (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، ج 5، ص 592)
- (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، ج 5، ص 592)
- بيت من أبيات المسيح الموعود عليه السلام (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، ج 5، ص 593)