يكثر الأحبة المسيحيون من تكرار العبارة التالية: للرب يسوع سلطان مغفرة الخطايا ولم يكن لأحد قبله، مما يدل على أن يسوع هو الله، فلا أحد إلا الله له سلطان غفران الخطايا.
والدليل كما يقول الأحبة جاء في الأناجيل:
“لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا.” (أعمال 10: 43)
“وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا، حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ: قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!».” (لوقا 5: 24)
هل يوجد دليل في الإنجيل أن يسوع يغفر الخطايا؟
الجواب:
لا يوجد في الأناجيل ولا في أي مكان أن يسوع هو الذي يغفر الخطايا كإله على الإطلاق، بل كل ما يوجد أن يسوع يقول لفلان كذا وكذا غُفِرَت خطاياك، أو مغفورة خطاياك الخ. فأين سلطان مغفرة الخطايا كإله؟ لا وجود له، لأن قول مغفورة خطاياك أو غُفِرَت خطاياك لا يعني إلا أن المسيح عَلَيهِ السَلام هو الذي يغفر مخبراً فقط بما هو متأكد منه عبر الوحي أي غفران الله تعالى للعبد في هذه الحالة وهو دعاء أيضاً كما جاء في سفر أشعياء 24:3:
“وَلاَ يَقُولُ سَاكِنٌ: «أَنَا مَرِضْتُ». الشَّعْبُ السَّاكِنُ فِيهَا مَغْفُورُ الإِثْمِ.” (أشعياء 24:3)
فأشعياء استخدم نفس العبارة أي “مغفورة آثامك” دون أن تعني أنه إِلَهَ مع أن لديه سلطان واضح لغفران الخطايا، لأن هذا ما يفعله الأنبياء عادة بإعلان مغفرة الله تعالى للمذنبين. وهو ما قاله كاتب رؤيا يوحنا الأولى:
“أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ.” (1 يوحنا 12:2)
فهل كاتب هذه الرسالة أياً كانت هويته هو الآخر يشارك الله في غفران الخطايا طالما لديه هذا السلطان على مغفرة الخطايا؟ أم أن الأمر كما قلناه وهو إعلان النبي للناس مغفرة الله تعالى للخطايا بصيغة الغائب المتعارف عليها!
وهذا ما وضَّحه المسيح عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام للمسيحيين وهو يعلّمهم الصَلاة للأب وحده (أي ليس للإبن) وطلب المغفرة منه وحده، ولكنهم للأسف لَمْ يفهموا حقيقة كلام المسيح حين قال لهم:
“فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. … وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا … فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ.” (متى 6)
فالإنسان لديه هو الآخر سلطان مغفرة الخطايا، ولكن ذلك لا يعطيه منصب الألوهية لأن المغفرة هنا محدودة بينما مغفرة الله تعالى شاملة لا يحدّها شيء. كذلك في هذه الصَلاة الربانية يعلِّمُ الْمَسِيحُ عَلَيهِ السَلام المؤمنينَ أن يطلبوا المغفرة من الأب وحده لا شريك له، أي ليس للأقنوم الثاني الإبن أي سلطة على مغفرة الخطايا الخاصة بالله تعالى وحده بعكس ما يقوله الأحبة المسيحيون. ولذلك كل ما على المسيحي لفهم النصين الذين تستدل بهما الكنيسة على ألوهية المسيح هو أن يقرأ العدد الذي سبق النص الأول:
“لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا».” (أع 10: 43)
والنص الذي سبقه مباشرة:
“وَأَوْصَانَا أَنْ نَكْرِزَ لِلشَّعْبِ، وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هذَا هُوَ الْمُعَيَّنُ مِنَ اللهِ دَيَّانًا لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ.” (أع 10: 42)
حيث يسوع ما هو إلا رجلٌ مُعَيَّنُ بواسطة الله تعالى الذي هو وحده يغفر الخطايا والآثام.
وكذلك في النص الثاني:
“وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا، حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ: قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!».” (لو 5: 24)
نقرأ ما جاء بعده مباشرة:
“فَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعُ تَعَجَّبُوا وَمَجَّدُوا اللهَ الَّذِي أَعْطَى النَّاسَ سُلْطَانًا مِثْلَ هذَا.” (لو 8: 24)
أي أن الله تعالى وحده صاحب السلطان وهو الذي يعطيه للناس ! وكذلك وبحسب مؤلفي الأناجيل فإن الناس الذين شاهدوا هذه المعجزات تتم على يد يسوع لم يفهموا بأنها تدل على ألوهيته قَطّ بل فقط على كونه نبياً عظيماً من عند الله تعالى لا أكثر:
“فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ».” (لوقا 16:7)
فلا وجود لألوهية في هذه المسألة على الإطلاق خاصة وأن يسوع على الصليب اعترف بأنه أي الإبن (وهو الأقنوم الثاني في الثالوث) لا يملك المغفرة بل الذي يغفر هو الأب وحده:
“فَقَالَ يَسُوعُ: يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ.” (لوقا 34:23)
فَلَمْ يقل لهم ككل مرة: “مَغْفُورَةٌ لَكَم خَطَايَاكم“، لأنه ببساطة لم يكن يملك المغفرة الإلهية، بل لا يملك وهو الأقنوم الثاني في الثالوث لا يملك أي شيء وإنما هو خاضع للأب الذي أرسله:
“أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.” ( يوحنا 30:5)
“وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ ِللهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ. لأَنَّهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَلكِنْ حِينَمَا يَقُولُ : «إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُخْضِعَ» فَوَاضِحٌ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ. وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.” (1 كورنثوس 15)
وهذا (فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ) لدليلٌ واضحٌ دامغ على عدم ألوهية الإبن أي المسيح عَلَيهِ السَلام.
اذن، فالذي يُعطي للغير (الأب) ليس كالذي يُعطيه الغيرُ (الابن)، فيسوع أعطاه اللهُ كذا وكذا، ولكن الله لا أحد أعطاه أي شيء بل هو وحده المعطي للجميع ! سبحن المعطي !
وهذا ما فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كما في الحديث الشريف:
“حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُقْعَدُ، ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَّ مِحْجَنَ بْنَ الأَدْرَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، يَا اللَّهُ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ».” (صحيح رواه الطبراني في الدعاء 568 والنسائي وأبو دَاوُد)
ومع ذلك فسلطان غفران الخطايا الذي عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كما في الحديث لا علاقة له بالألوهية ولا يمكن الاستدلال به على ألوهية النبي ﷺ حاشا لله.
نصيحة للأحبة المسيحيين: دعو آراء الكنيسة البعيدة عن تعاليم المسيح وتمسكوا بأعمال المسيح عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام التي ليس ملخصها ثلاثة أقانيم هي الأب والإبن والروح القدس كل واحد منهم إلٰـهٌ مستقلٌ وكلهم مجموعون في إله واحد بل ملخصها هو بكل بساطة: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له.
هكذا علّمنا مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ابن الإنسان والإمام المهدي الذي ينتظره الناس من مختلف الأديان بواسطة خلافته الراشدة في نشأتها الثانية ممثلة بخليفة المسيح الخامس حضرة مرزا مسرور أحمد أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ