تتّهمُ هذه الرواية الصحابي الجليل خالد بن الوليد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بقتل وحرق شخص يدعى مالك بن نويرة، وهي ولا شك رواية باطلة. وردت هذه الرواية في الصفحة 464 من الجزء 9 لكتاب “البداية والنهاية” لابن كثير، وهو كتاب سيرة. ووردت أيضاً في كتاب “سير أعلام النبلاء” و”سيرة الواقدي” وغيرها، وفي سندها “محمد بْنُ حميد الرازي” وهو كذاب، قال عنه الإمام ابنُ حِبَّان: “كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات“. قال أبو زرعة: “ومحمد بن مسلم بن وَارَة: صَحَّ عندنا أَنَّهُ يكذب” («المجروحين» لابن حبان)، لذلك فهذه الرواية لا تصح، وهي تنتشر للأسف عند بعض الشيعة للإساءة للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
بالتآكيد لا يمكن شطب كتب التراث لورود الأحاديث الضعيفة فيها، وذلك لأن فيها أيضاً أحاديث قوية متواترة كأحاديث نزول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وغيرها من أحاديث ثبت نسبتها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بحق خالد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“ثم أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم.” (أخرجه البخاريُّ من حديث أنس ؓفي فضائل الصحابة باب مناقب خالد بن الوليد ؓ3757. وورَدَ في أحاديث عدة كما في حديث أبي عبيدة عند الإمام أحمد 4/90، وحديث وحشي بن حرب عند أحمد أيضاً 1/8، والحاكم 3/298، وعزاه الهيثمي للطبراني وقال: رجالهما ثقات 9/348)
وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يَعْدِلُ بخالد وبعمرو بن العاص في الحرب أحدًا منذ أسلما. (أخرجه البيهقي في الدلائل 4/343)
يقول خالد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “والله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل بي أحدًا من أصحابه فيما حزبه.” (السيرة بن كثير 3/453)
وعن عمرو بن العاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال:
وأثنى عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال:
“نِعْمَ عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد.” (أخرجه أحمد والحاكم. أخرجه أحمد 1/8، والحاكم 3/298، والطبراني في الكبير 4/12. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات 9/348)
وجاء في مناقب خالد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“عن أبي العجفاء السلمي قال: قيل لعمر: لو عهدت يا أمير المؤمنين، قال: لو أدركت أبا عبيدة ثم وليته ثم قدمت على ربي، فقال لي: لم استخلفته؟ لقلت: سمعتُ عبدك وخليلك يقول: “لكلّ أُمّةٍ أمينٌ، وإنّ أمين هذه الامة أبو عبيدة.” ولو أدركتُ خالد بن الوليد ثم ولّيتُه فقدمتُ على ربي لقلتُ: سمعتُ عبدك وخليلك يقول: “خالد سيفٌ من سيوف الله سله الله على المشركين.” (سير أعلام النبلاء 3/373)
إذن ما دام مالك ابن نويرة قد ورَدَ عنه التمرد وغير ذلك مما يدل على خيانته وعدوانه فلا بد أنَّ خالداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إذا قتله حقاً -على فرض صحة الرواية- فقََدْ أصاب.
كما أنَّ الصحابي خالد ؓ لم يكن لوحده في ذلك بل كان الصحابة كلهم حوله، فلماذا لم يطبقّوا عليه حدَّ القتل والاغتصاب؟ فلقد بيَّنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأنَّ شرَّ الناس مَن إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد.
إنَّ أحاديث فضل حضرة خالد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كثيرة، وهي أحاديث ثابتة وصحيحة، كما أنها بالتأكيد أقرى من هذا الحديث المكذوب.
فالرواية ساقطة متناً وسنداً والروايات التي تخالفها كثيرة وأقوى! فلِمَ التمسك بها؟ ما السبب؟
هل يمكن لمن قال عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نعم العبد والأخ هل يمكن أن يغتصب الناس ويحرقهم ويشوي رؤوسهم والخ؟ معاذ الله !
هذه الرواية الباطلة هي عبارة عن محاولة للإساءة إلى الصحابة جميعاً ؓ وللنبي ﷺ وكأنه يجهل حقيقة مَن مدحه والعياذ بالله. كما إنَّ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن خالداً سيف الله ينفي حصول هذه الرواية الساقطة، فسيف الله لا يُصلّت على رقاب الأبرياء.
باختصار، ابن نويرة لم يكن ملاكاً بل دلّت الروايات نفسها بأنه متمرد عاص وإذا حدثَ قتله حقاً فلا بد أن يكون عادلاً، وإذا حدث خطأ من خالد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فهو بالتأكيد خطأ إداري أو سياسي وليس جريمة اغتصاب امرأة وقتل الزوج في نفس الليلة ثم شواء الطعام على رأسه الخ. فأين كان الصحابة والخلفاء؟ هل هذا خطا اجتهادي أم جريمة تمثيل واغتصاب؟
هذه المسألة يردّها العقل السليم قبل كل شيء.
الْحَقُّ أنَّ مَن وضعَ هذه الرواية إنما يريد الإساءة للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولذلك هو مُتَّهَم بالكذب والحديث المقلوب أي يسمع الحديث ثم يقول عكسه تماماً. فلا تستندوا إلى مثل هؤلاء بل ابحثوا وتبيّنوا رحمكم الله. اللّهُمّ آمين
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ