مسألة وراثة أُمّ المؤمنين خديجة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا وأرْضاها لمال أبيها مذكورة في كتب السيرة، كذلك وفاة والدها خويلد بن أسد بعد زواجها من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أمر مجمع عليه في كتب التاريخ. فهذا يدل على أن وراثتها رَضِيَ اللهُ عَنْها لمال أبيها تم بعد الإسلام وليس قبله. أما مال سيدتنا خديجة رَضِيَ اللهُ عَنْها فلم يكن كله من مال أبيها فقط بل بسبب وراثتها زوجيها السابقين الثريين بالإضافة لمال أبيها. وفيما يلي بعض الأدلة على ذلك:
جاء في “الدعوة الإسلامية” للباحثة وعالمة الحديث الدكتورة شهلة برهان نقلاً عن “جمهرة الأنساب” للعلامة ابن حزم:
“لم يكن للمرأة حق التملك في المجتمع البدوي، وفضلاً عما تقدّم فإن المجتمع الحضري أعطى المرأة حق الميراث كما يظهر من بعض الأخبار وخير مثال على ذلك السيدة خديجة بنت خويلد، إذ كونت ثروتها من الميراث الذي ورثته عن والدها وعن أزواجها السابقين، والشيء الجدير بالذكر هنا هو أن حصة المرأة لم تكن تساوي حصة الرجال.” (ابن حزم، جمهرة أنساب، ص 120. نقلته الدكتورة شهلة برهان في كتابها “الدعوة الإسلامية وحياة البداوة” ص 57)
وكتب مؤلف “أم المؤمنين خديجة بنت خويلد” ما يلي:
“نشأت خديجة رضي الله عنها في بيت طاهر كريم مترف، ولما بلغت الخامسة عشر من عمرها خطبها (أبو هالة بن زرارة) مفتي قومه بني تميم وأكثرهم مالاً وأوسعهم ثراء .. فعاشت معه تقدره ويقدرها، وولدت له بنتين هما هالة وهند .. ولكن عجّل القدر بوفاة الأب قبل أن تشب الطفلتان عن الطوق، وخلف لأسرته ثروة طائلة وتجارة رائجة رابحة. ولما عرف عن خديجة رضي الله عنها من حسن وخلق، تنافس فتيان العرب على الاقتران بها، وفاز من بينهم عتيق بن عائد المخزومي. وكان القدر بالمرصاد أيضًا، فلم يدع الزوجين يهنأن وينعمان، فاختطفت يد المنون عتيقًا دون أن ينجب ولدًا. انتقل عتيق إلى الدار الآخرة، وقد خلف لزوجته مالاً وخيرًا وثروة عريضة وتجارة واسعة فقامت على إدارتها وتوجيهها بما أبدته من خبرة ومعرفة وذكاء واستطاعت أن تمضي في دروب الحياة وتشقها بمنتهى الحكمة والفطنة … لقد عملت خديجة رضي الله عنها في ميدان التجارة واستطاعت أن تؤسس في مكة بيتًا ضخمًا أصبح من بعد علمًا عليها، يعرف بها ورحلت قوافلها تمضي مصعدة إلى الشام أو هابطة نحو اليمن .. تغزو الأسواق تحمل منها ما يدر عليها الربح الوفير والمال الكثير.” (أم المؤمنين خديجة بنت خويلد لمؤلفه خالد الحمودي)
وورد كذلك في كتاب بحار الأنوار الشيعي أنَّ خديجة ؓورثت أموالاً طائلة من أبيها الذي قتل في حرب الفجار أو قبلها بقليل، لم تترك هذه الاموال راكدة، ولم ترابِ بها في زمن كان الربا رائجاً، وإنّما استثمرت هذه الاموال في التجارة، واستخدمت رجالاً صالحين لهذا الغرض، واستطاعت أن تكسب عن طريق التجارة ثروة ضخمة حتى قيل: إنّ لها أكثر من ثمانين ألف جمل متفرقة في كلّ مكان، وكان لها في كلّ ناحية تجارة، وفي كلّ بلد مال، مثل مصر والحبشة وغيرها. (انظر: “بحار الانوار” للعلامة المجلسي، ج16، ص 22)
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ