يتابع المعترض في إثبات جهله وضحالة معرفته في أمور الشعر والبلاغة والأدب واللغة، بشكل عام، وذلك باعتراضه على تفسير كلمة “زار” في قصيدة المسيح الموعود عليه السلام بـ ” قيصر روسيا”، ويقول بأن الكلمة بالأردية تعني “البكاء والنحيب”، وهكذا يجب أن تفسر، حيث وردت في القصيدة أكثر من مرة بهذا المعنى، فلا علاقة لها بقيصر روسيا لا من بعيد ولا من قريب.
ردّا على ذلك نقول:
أولا: لا مانع من استعمال كلمة إنجليزية في النصّ الوارد في لغة أخرى، خاصة إذا كانت الكلمة دارجة ومعروفة ومشهورة، وهذا الأمر قد يحدث خلال النصوص الأدبية العربية وغير العربية كثيرا، فكم بالحريّ في نصّ باللغة الأردية التي تحوي الكثير من الكلمات والمصطلحات الإنجليزية، لا بل تكاد تكون نصف تعابيرها بالإنجليزية الصريحة أو القريبة لها، وكم بالحريّ إذا كان هذا النصّ الأردي شعرا؟! والشعر وارد فيه استعمال الكلمات الأجنبية، وهذا مثيله في الشعر العربي باستعمال كلمات عامية أو أجنبية.
ثانيا: إن ورود كلمة زار في نفس القصيدة بمعنى البكاء، لا يمنع استعمالها في نفس القصيدة في مكان آخر بمعنى مختلف، فهل يعقل أن الحاصل على شهادة ماجستير في اللغة العربية يجهل صور الجناس البديعية التي تستعمل فيها نفس الكلمات بمعان مختلفة؟! ( رغم ان الحديث عن اللغة الأردية) فإذا كان يجهل، فهذا عار يلحق به وبشهادته التي يحملها؛ أما إذا لم يكن يجهل هذا الأمر، فهذا دليل آخر على كذبه وتدليسه وتمويهه المشاهدين الذين لا علم لديهم بهذه الأمور.
ثالثا: ما معنى بيت الشعر وفق ما يفسره المعترض بهذه الصورة: ” إذا بقي بكاء فيكون بحالة يرثى لها”؟! فبالله عليكم، أيعقل تفسير كهذا بوصف البكاء بحالة يرثى لها؟! أم أن هذا فعلا، وصف لما سوف تؤول إليه حالة قيصر روسيا بالفعل؟!
إنني متيقن جدّ التيقن من أننا لو قلنا بالتفسير الأول، لأقام المعترض الدنيا ولم يقعدها محتجا على هذا التفسير الركيك وغير المنطقي الذي يأخذ به هو الآن ويرجحه على التفسير الثاني؛ ولقال لنا: ما هذا الهراء الذي تقولونه ؟! البكاء، يكون بحالة يرثى لها؟! لماذا هذا الاستفزاز؟!”. ولكن بما أنه امتهن الكذب والتزوير والتحريف والتمويه والاعتراض على كل شيء، بغضّ النظر عن صحته أو عدم صحته، فقد سوّغ لنفسه الأخذ بالتفسير السخيف من أجل الاعتراض فقط.
وبالنظر إلى مضمون هذا البيت الذي وردت فيه كلمة “تسار” أو “زار” يتضح جليا المعنى الحقيقي لهذه الكلمة حيث جاء : “سيضمحل الجن والإنس كلهم خوفا، وإذا بقي “تسار” لكان في حالة يُرثى لها“. إذن، فالحديث عن الإنس والجن، أي الناس العاديين وكذلك من هم من علية القوم وأكابرهم وملوكهم والذين وصفوا هنا كما في القرآن الكريم بكلمة “الجن”، فتفسير كلمة “تسار” الواردة في عجز البيت لا يستقيم مع السياق والتركيب، إلا إذا فسرت “بقيصر” وليس بالبكاء كما يصرّ عليه المعترض. وإذا كانت نفس الكلمة قد استعملها المسيح الموعود في نفس القصيدة بمعنى البكاء والعويل، فاستعمالها هنا يكون جناسا كنوع من المحسنات اللفظية البلاغية. وأما عند الإصرار على تفسيرها في هذا البيت على أنها أيضا بمعنى البكاء والنحيب، فيُهدم بذلك سياق هذا البيت وتركيبه اللغوي والبلاغي ويضعف الترابط بين صدر البيت وعجزه بصورة كبيرة.
كما ويعترض المعترض على ما ورد في النبوؤة أن هذا الزلزال سيحدث بعد بضعة أيام كما جاء في القصيدة: “إن آية ستظهر بعد بضعة أيام من اليوم (أي من 15 نيسان 1905م) وتهُزّ القرى والمدن والمروج“. وحسب منطقه فلا بد أن تحدث تماما بعد بضعة أيام من هذه النبوؤة، ولذا فهذه حسب رأيه نبوؤة كاذبة ولم تتحقق قط.
ونقول ردا على هذا الاعتراض:
أن كلمات النبوؤة ليس من المفروض أن تفسر حرفيا، فليس من المفروض أن يكون المعنى أيام قليلة جدا، فعدة هذه الأيام لا يمكن أن يعلمها إلا الله. أولم يقل الله تعالى في كتابه العزيز: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } (الحج 48) فانظروا كيف قرن الله تعالى تعداد الأيام وحسابها الدقيق في نبوؤات العذاب، ليقول للسفهاء الذين يعترضون على نبوؤات الوعيد وزمن تحققها، ألّا يستعجلوا العذاب ولا يعدّوا له الأيام كما هي الأيام عندهم، وكما يعدونها بحياتهم العادية. أوليست هذه الآية بكافية لتبكيت هذا المعترض الجاهل بحِكم الله تعالى.
وكم بالحريّ إذا وردت هذه الكلمات” بضعة أيام” في بيت من الشعر، حيث يكثر في الشعر استعمال المجاز والاستعارات والكنايات بعدم أخذ التعابير بحرفيتها، فلو غضضنا الطرف عن كون هذه الكلمات قد جاءت في نبوؤة لا تُحمل كل كلماتها على ظاهرها، واقتصر نظرنا على كونها شعرا؛ لكفى بنا القول أن هذا التعبير “بضعة أيام” جاء كناية عن فترة قصيرة لا يعلم مدى قصرها إلا الله تعالى. وبذلك فإن النبوؤة التي أوردها المعترض تنطبق بكل سهولة على الحرب العالمية الأولى، كما فسرها المصلح الموعود في كتاب ” تحفة أمير ويلز”.
وبعد كل هذا فنحن نقف أما الخيارات التالية:
- أن يكون المعترض الذي يحمل شهادة ماجستير في اللغة العربية يجهل أساسيات اللغة والبلاغة والشعر، – وإن كان الشعر المشار إليه هنا باللغة الأردية، فاللغة لغة، وتماثل أسس الشعر في اللغات الشرقية واضح، لا سيما بين العربية والأردية، خاصة في أوزان الشعر وأسس البلاغة،- وهذه بحدّ ذاتها طامة كبرى تجلب العار عليه وعلى الشهادة التي يحملها.
- أن يكون المعترض الذي تخرج من كلية الشريعة يجهل قول الله تعالى الذي أوردناه في تعداد الأيام المتعلقة بالنبوؤات الإنذارية، وهذا عار آخر يجلبه على نفسه.
- أن يكون يعلم بعض هذه الأمور ولكن يكذب ويدجّل ويموّه ويشوّه ويحرّف النصوص والتفاسير والنبوءات عمدا.
أما خياري أنا، فهو أن كل هذه الخيارات تنطبق عليه منفردة ومجتمعة مع بعضها البعض، حيث أن جهله المطبق بأساسيتات اللغة والبلاغة والشعر- ولا سيما العربية منها- قد ثبت لنا من أقواله واعتراضاته؛ كما أن الله تعالى قد سلب منه فقهه بالدين بسلب إيمانه منه، فلم يعد يفقه أبسط الأمور الدينية الإسلامية الإيمانية. هذا بالإضافة إلى ما ثبت عندنا من أنه امتهن واحترف التزييف والدجل والتزوير.