تناهى إلى مسمعنا مؤخراً شبهة حول حديثين شريفين أولهما حديث “لو كان بعدي نبي لكان عمر“، والآخر حديث “لو عاش ابراهيم لكان صدّيقاً نبيا“؛ بأن هذين الحديثين يعارضان نبوة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كونهما ينفيان وجود نبوة بعد النبي ﷺ؟
الجواب: لا تعارض بين هذه الأحاديث على الإطلاق، لأن نفي النبوة كما يظهر في الحديثين هو للنبوة المباشرة والقريبة زمنياً بعد وفاة النبي ﷺ خاصةً وأنَّ زمن نزول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام (((وهو نبي))) -كما أثبته رَّسُولُ الله ﷺ وحدّده- يتم في آخر الزمان بعد علامات معيَّنةٍ للساعة، أي ساعة ظهوره؛ مثل خروج الدجال، ويأجوج ومأجوج، وخسوف القمر وكسوف الشمس في أيام محدّدة من رمضان، وغيرها من علامات الساعة، الأمر الذي ذكره اللهُ تعالى في القُرآن الكَرِيم في سورة الجمعة {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الجمعة، والذي فسّره النبيُ ﷺ في صحيح البخاري بأنه لِرَجُلٍ فارسي يُبعَث في زمن (الآخَرِينَ مِنْهُمْ) أي الصحابة ؓ، أولئك الذين سيكونون من الصحابة ولكن (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) أي ليسوا في زمن الصحابة، وبهذا يتّضح لماذا يعني الحديث أن عُمَر وإبراهيم رَضِيَ اللهُ عَنْهُما لا يمكن أن يكونا نبيين، ذلك أن لا نبوة بعد النبي ﷺ إلا للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وهي في زمن مختلف ليس في زمن الصحابة ولا التابعين بل في آخر الزمان كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الآن وقد أثبتنا امتناع النبوة لسيدينا عُمر وإبراهيم رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، نأتي إلى مسألة الأفضلية؛ هل هي ترجح لأي أحد بعد النبي ﷺ غير المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام؟ هذا على الرغم من أننا لا نحبذ الحديث حول موضوع أفضلية المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على أحد من الصحابة الكرام رِضوانُ اللهِ عَلَيهِم أجْمَعِِينَ، ولا ننشغل في هذه المسألة لأنها بديهية، فالنبي أعلى درجةً من الصحابي، وقد ورَدَ في الحديث أنَّ سيدنا أبي بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو خير الناس بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إلا أن يكون نبيا:
عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «أبو بكر وعُمر خير الأولين وخير أهل السموات وخير أهل الأرض إلا النبيين والمرسلين.» (أخرجه ابن عدي والحاكم في الكنى والخطيب في تاريخه)
انتبه لقوله ﷺ (إلا النبيين).
وعن عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «أبو بكر خير الناس بعدي إلا أن يكون نبي.» (أخرجه ابن عدي والطبراني في الكبير وغيرهما)
وعن أنسٍ ؓأنَّ رسول الله ﷺ قال: «أبو بكر وعُمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين.» (أخرجه الضياء في مختاره، وجمع كثيرون)
إذن سيدنا أبو بكر الصدّيق وعُمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما هما خير هذه الأمة إلا النبيين ومنهم سيدنا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام!
كذلك ورَدَ القول بأفضلية المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على حضرة الصدّيق أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في أقوال التابعين والسلف، فعن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله أنَّ المهدي خير من أبي بكر وعُمر، قد كان يُفَضّل على بعض الأنبياء:
“حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً تَكُونُ، فَقَالَ: «إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَاجْلِسُوا فِي بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْمَعُوا عَلَى النَّاسِ بِخَيْرٍ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا»، قِيلَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: «قَدْ كَانَ يَفْضُلُ عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ».” (كتاب الفتن، نُعيم بن حماد المروزي، ص 221 وص 358، ج 1)
المسيح الموعود ؏ سيكون نبياً من أمة سيدنا مُحَمَّدٍ ﷺ تابعاً وصحابياً وخليفةً لاحقاً للنبي ﷺ وهو الأفضل بعد خاتم النبيين ﷺ، حيث يروي ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه:
“حدّثنا أبو أسامة عن عوفٍ عن مُحَمَّدٍ قال: يكون في هذه الأمة خليفة لا يُفضّل عليه أبو بكر ولا عُمَر.” (رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم 37650 بإسناد صحيح)
وقال الإمام السبكي رحمه الله:
“قَالَ لي شَيخنَا الذَّهَبِيّ مرّة: من فِي الْأمة أفضل من أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بِالْإِجْمَاع ؟ فَقُلْتُ: يفيدنا الشَّيْخ ؟ قَالَ: [عِيسَى بْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام]، فَإِنَّهُ مِن أمة الْمُصْطَفى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينزل على بَاب دمشق، ويأتم فِي صَلَاة الصُّبْح بإمامها، وَيحكم بِهَذِهِ الشَّرِيعَة.” (الطبقات 9/ 115)
وقال الذهبي رحمه الله:
“وَلَمْ يُسَمِّ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ صَحَابِيّاً بِاسْمِهِ إِلاَّ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ، وَعِيْسَى بنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الَّذِي يَنْزِلُ حَكَماً مُقْسِطاً، وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الأُمَّةِ المَرْحُوْمَةِ فِي صَلاَتِهِ وَصِيَامِهِ وَحَجِّهِ وَنِكَاحِهِ وَأَحْكَامِ الدِّيْنِ الحَنِيْفِ جَمِيْعِهَا، فَكَمَا أَنَّ أَبَا القَاسِمِ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَأَفْضَلُهُم وَخَاتَمُهُم، فَكَذَلِكَ عِيْسَى بَعْدَ نُزُوْلِهِ أَفْضَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُطْلَقاً، وَيَكُوْنُ خِتَامَهُم، وَلاَ يَجِيْءُ بَعْدَهُ مَنْ فِيْهِ خَيْرٌ، بَلْ تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيَأَذْنُ اللهُ بِدُنُوِّ السَّاعَةِ.” (سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 1، الطبقه 1)
وقد نقل أحد العلماء المتأخرين بأن أفضلية المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على حضرة الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هي من الإجماع، فيقول الراجحي:
“عيسى عليه السلام نبيٌّ، أفضل من أبي بكر بالإجماع، وهو فردٌ من أفراد هذه الأمة” (الإعانة العظمى في شرح الإبانة الصغرى)
وهنالك أحاديث عديدة في هذا الباب تثبت أفضلية المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على الجميع بعد سيدنا حاتم النبيين مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وبما أننا نتحدث في الأفضلية فالشيء بالشيء يُذكر أنَّ الهند هي أفضل البلاد في الأرض بعد مكة المكرمة بحسب سيدنا عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حيث أخرج العلّامةُ الحافظُ ابْنُ أبي حاتم رحمه الله: عنه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“خَيْرُ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ وَادِي مَكَّة وَوَادي أرم بأرضِ الْهِنْدِ، وَشَرُّ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ وَادِي الأَحْقَافِ، وَوَادٍ بِحَضْرَمَوْتَ، يُدْعَى بَرَهَوْتُ يُلْقى فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ. وَخَيْرُ بِئرٍ في فِي النَّاسِ زَمْزَم، وَشَرُّ بِئرٍ فِي النَّاسِ بَرَهَوْتُ، وَهِيَ فِي ذَاكَ الْوادِي الَذِي بِحَضْرَمَوْتَ.“ (تفسير القرآن العظيم مُسنداً عن رسول الله ﷺ والصحابة والتابعين، الإمام الحافظ ابن أبي حاتم، رقم الحديث 18574، 3269/1، طبعة مكة المكرمة)
ووردَ نفس الحديث بلفظ آخر فيه “هبوط آدم في الهند” أخرجه العلّامة الحافظ عبد الرزاق إمام أهل الحديث المكنى بـ”أبي بكر” أحد أئمة ومُحدّثي أهل اليمن في مصنفه:
“عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «خَيْرُ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ ذِي مَكَّة، وَوَادٍ فِي الْهِنْدِ هَبَطَ بِهِ آدَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِ هَذَا الطِّيبُ الَّذِي تَطَّيَّبُونَ بِهِ، وَشَرُّ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ وَادِي الأَحْقَافِ، وَوَادٍ بِحَضْرَمَوْتَ، يُقَالُ لَهُ: بَرَهَوْتُ، وَخَيْرُ بِئْرٍ فِي النَّاسِ زَمْزَمُ، وَشَرُّ بِئْرٍ فِي النَّاسِ بَلَهَوْتُ، وَهِيَ بِئْرٌ فِي بَرَهَوْتَ تَجْتَمِعُ فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ.»” (مصنف عبد الرزاق، كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ زَمْزَمَ وَذِكْرِهَا ج 1 وج 5، 116، رقم 8909 و9118)
ولمعرفة سبب كون الهند هي خير أرض بعد مكة المكرمة يقول مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“وإنّ الله نظرَ إلى البلاد الهنديّة فوجدها مستحقّةً لمقرّ هذه الخلافة، لأنها كانت مَهْبَطَ الآدم الأوّل في بدْء الخليقة، فبعثَ اللهُ آدمَ آخرِ الزمان في تلك الأرض إظهاراً للمناسبة، ليوصِل الآخرَ بالأوّل ويُتمّ دائرة الدعوة كما هو كان مقتضى الحقّ والحكمة“. (الاستفتاء، ص 14-15)
أما نبوة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فقد آثبتناها في منشور سابق مفصَّل يمكن العودة إليه من هذا الرابط: لا خلاف عندنا على أن معنى خاتم النبيين هو آخر النبيين.
يقول أحد المرتدّين عن الجماعة الإسلامية الأحمدية: نتحدى الأحمدي أن يجيب عن السؤال في القبر من نبيّك ؟ نقول بأن شهادتنا التي تعلمناها في الإسلام ويشهد عليها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام نفسه هي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ فقط وليس فيها أي إضافة حيث يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“إنَّ ملّخص ديننا ولبهّ هو “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ“. إنَّ اعتقادنا الذي نتمسّك به في هذه الحياة الدنيا، وبه سوف نرحل من عالم الفناء هذا بفضل الله وتوفيقه؛ هو أنَّ سيّدنا ومولانا مُّحَمَّداً المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو خاتم النبيين وخير المرسلين الذي قد اكتمل الدينُ على يده، وتمّت النعمة التي بواسطتها يستطيع الإنسان أن يصل إلى الله ﷻ بسلوكه الصراط المستقيم.” (إزالة الأوهام، ص 182)
فعلى المرتد السائل أن يعرف عمّ يتكلم.
هنالك طرفة أخرى وردت في كلام المرتد، وهي:
“الكاهن القاديانى فى نقاشه مع علماء المسلمين مثله كمثل رجل عامى بسيط متعالم يجلس مع أحد الحاصلين على جائزة نوبل فى فزياء الكم فيريد أن يقنعه أن القنبلة الذرية تُصنع من حبوب نبات الذرة ،ثم يسترسل فى ذكر أدلته.” انتهى كلام المرتد
الطرفة أخي القاريء العزيز هي أنَّ جميع علماء المسلمين وتلاميذهم لم يقترب أحدٌ منهم لأي جائزة علمية دع عنك جائزة نويل، وأنَّ العالم المسلم الوحيد التابع لجماعة وخلافة إسلامية الذي حصل على جائزة نوبل هو مُسْلِم أحمدي اسمه البروفيسور مُحَمَّد عبد السَلام، وهو تابع بطبيعة الحال للخلافة الإسلامية الأحمدية. والطريف أن اختصاص البروفيسور عبد السَلام كان فيزياء الكمّ!
كذلك عبارة “الكاهن القادياني” اعتدنا أن نسمعها من فم كل مرتدٍّ جديد يريد أن يبرّر سبب ارتداده بإطلاق صفة الكهنوت ويقصد بالطبع عدم تحمّله التضحيات المالية التي يقوم بها جميع أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية جهاداً بالمال لبناء المدارس والمساجد والمستشفيات وغيرها، فلا يجد المرتدُّ ما يصف به خزيه هذا إلا التنابز بالألقاب وتبرير ضعف إيمانه، وإلا لماذا لم تكن الجماعة الإسلامية الأحمدية تسمّى بالقاديانية قبل يوم واحد فقط من ارتداده؟ وهكذا يتحول كُلُّ مرتدٍّ إلى نسخة كربونية من سلفه ويفضح نفسه بنفسه. نسأل الله تعالى العافية
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ