الشيطان هو كلب الله المسعور، الذي خلقه ليهاجم مستغلِّا كل نقطة ضعف يعثر عليها، وهو لديه حاسة شمٍّ قوية، ومعرفة دقيقة بالطبائع البشرية، كما أنه مزوَّد بطاقة هائلة لا تكلّ ولا تملّ، ساعيا لمهاجمة الإنسان، طامعا في إغوائه وإضلاله.
وقد يتساءل البعض:
لماذا خلق الله الشيطان وسلَّطه على الإنسان؟ هل يريد الله إضلال البشر وإلقاءهم في جهنم؟
والجواب هو: بالطبع لا، والحقيقة أنه تعالى لم يخلق الشيطان إلا لكي يتطهر الإنسان ويتكمَّل بنيانه الروحي ويتقوى، فيصبح حينئذ مؤهلا لقرب الله تعالى؛ الذي هو الجنة التي يبدأ الإنسان العيش فيها في هذه الحياة الدنيا ثم يراها متجسدة في الآخرة.
فكلما هاجم الشيطانُ الإنسان من نقطة ضعف معينة، ينبغي على الإنسان ألا يستسلم له، وأن يسعى لمقاومته مستعينا بالله، فإن فاز بهذه الجولة أصبح الشيطان غير قادر على مهاجمته من هذه النقطة، ولكنه سيعاود الهجوم مجددا من نقطة ضعف أخرى، وهكذا. فإن استمر في المقاومة مستعينا بالله أصبح في مأمن منه في النهاية، وهذا لن يحدث إلا إذا أمره الله أن ينصرف عنه، فيبتعد بعيدا جارا ذيول الخيبة والخسران ويائسا من هذا الإنسان الرباني الذي استعان بالله تعالى وانتصر عليه.
أما إذا خسر الجولة واستسلم للشيطان، فإن مناعته ودفاعاته النفسية ستنهار، وسيبدأ بالسقوط شيئا فشيئا في السيئات – إن لم يتب ويستغفر الله تعالى- إلى أن يصطبغ بصبغة الشيطان، ويصبح هو بنفسه ظلاً له وشيطانا بشريا لا عمل له سوى إغواء من استطاع وإضلالهم ليصبحوا كمثله. ويصبح هذا الشخص من حيث الطباع أيضا كلبا، كما يصفه الله تعالى في القرآن الكريم، يسعى لمهاجمة المؤمنين باللسان وبكل وسيلة، ولن يتوقف إن حاول أحد ردعه، كما أنه لن يتوقف إن تم تركه، إذ يقول تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (176) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (الأَعراف 176-177)
وفي هذه الآيات يتضح تماما أن تشبيه الشيطان بالكلب هو تشبيه رباني، وهو يتضمن حكمة بالغة. فالذي يغويه الشيطان يصبح هو كلبا، مما يدل على أن الشيطان في الأصل هو كلب، والذي أغوي وأصبح خاضعا لمشيئته أصبح كلبا لهذا السبب.
وعندما يضرب الله مثالا، فيجب أن ندرك أن هناك جوانب عديدة يمكن أن نستشفها من المثال الإلهي ستساعدنا في الفهم وفي حماية أنفسنا والاستفادة. فمن العجيب أن الكلب المسعور يكون مصابا بداء الكلَب، وهذا الداء ينتقل إلى الإنسان بعد أن يعضَّه الكلب، حيث ينتقل إلى الدماغ، ويبدي الإنسان تصرفات شبيهة بتصرفات الكلب، فيصبح يخاف من الماء والضوء، ويستولي عليه الذعر، وبعد فترة وجيزة يموت في هذه الحالة المزرية. وهذه ستكون نتيجة من يتعرَّض لهجوم الشيطان ويسقط في جولة، ولا يسعى للاستشفاء بالاستغفار والتوبة، فهو سيهلك بداء الكلَب الروحاني، ولكنه سيُمسخ قبل ذلك كلبا مسعورا عقورا يريد أن يوصل غيره إلى مصيره نفسه.
فلذلك علينا أن ننتبه إلى هذه الطبيعة الشيطانية، في الشيطان نفسه وفي أظلاله وأعوانه من البشر، لكي نكون حذرين من هجومه ونستطيع الوقاية منه.
لذلك يجب ألا يثير الحيرة ما يبذله أعوان الشيطان وأظلاله من جهد خارق في سعيهم لإضلال الناس. فهذه هي طبيعة الشيطان الشرير الذي أخذ على نفسه عهدا أمام الله تعالى بأن يبذل أقصى ما في جهده لإضلال الناس، إذ يقول مقسما بعزة الله:
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (83) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } (ص 83-84)
وقال أيضا:
{ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (17) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } (الأَعراف 17-18)
وقال الله تعالى عن أظلاله من الكافرين والمرتدين الذين كفروا بعد إيمانهم أو المنافقين الذين يحاولون إظهار الإيمان وهم يبطنون الكفر:
{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً } (النساء 90)
لذلك فإن هذا الأمر ينبغي أن يكون متوقعا وغير مستغرَب.
ما أود قوله في النهاية هو أن على المؤمن أن يدرك أنه لن يستطيع التخلص من هذا الكلب إلا بمعونة الله تعالى، لا بجهده. وهنا تحضرني قصة كررها المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام والخليفة الثاني رضي الله عنه في مناسبات عديدة، وهي قصة أحد الأولياء الصالحين وتلميذه. فقد روي أن تلميذا جاء ومكث مدة عند أحد الأولياء الصالحين ليتعلم منه، وبعد انتهاء مدة التعليم عزم على أن يعود إلى بلاده، فقال له الولي الصالح: قبل أن تغادر أريد أن أسألك سؤالا.
فقال: تفضل يا سيدي.
قال الولي: هل الشيطان موجود في بلادكم؟
فاستغرب التلميذ وقال: تعلم يا سيدي أنه موجود في كل مكان.
فقال الولي: وماذا ستفعل إذا هاجمك الشيطان هناك؟
قال التلميد: سأقاومه!
قال الولي: فإن هاجمك مرة أخرى؟
قال التلميذ: سأقاومه مرة أخرى!
قال الولي: يبدو إنك لم تتعلم الدرس جيدا، لذلك سأطرح عليك مثالا وأقول: إذا كنت تريد أن تزور صديقا لك، وعندما وصلت عند بيته جاءك كلبه يريد مهاجمتك لمنعك من الوصول، فماذا تفعل؟
قال: سأحاول أن أرمي له قطعة لحم
قال الولي: فإن أكلها وعاد؟
قال: سأرميه بحجر
قال الولي: فإن ذهب قليلا ثم عاد مرة أخرى، وهكذا؟
قال: إن قاومته مرارا ثم لم يرتدع فسأنادي صديقي ليمسك كلبه.
قال الولي: إذن، عليك أن تدرك أنك لن تتمكن من الخلاص من هجمات الشيطان إلا إذا استعنت بالله ودعوته كي يمسك كلبه ويمنعه عنك. فالشيطان هو كلب الله.
بقي أن أقول إن الشيطان هو رجيم مخذول في النهاية، ولن يفلح في مسعاه لإضلال الناس أجمعين، بل سينجو منه المؤمنون بفضل الله تعالى. وكل عمل يقوم به الشيطان سيؤدي في النهاية إلى توجيه المؤمنين إلى الإيمان وسيصبُّ في النهاية في مصلحة جماعة المؤمنين. ولكن على كل إنسان أن يسعى ليكون من المؤمنين الناجين لا من المعقورين الذين تغلَّب عليهم الشيطان وصبغهم بصبغته.
نسأل الله تعالى أن يحمينا من الشيطان الرجيم وهجماته بفضله وبرحمته، آمين.