المعترض:

حماقة معاصري الميرزا
جهل الأحمديين المعاصرين للميرزا فوق التصوّر، يقول الميرزا محمود في أول جلسة سنوية يعقدها بعد أن صار خليفة في الأحمدية: “عندما كنت آتي إلى هنا بالأمس حيَّاني بعض الناس- الذين بدَوا لي فلاحين قرويين- قائلين: “السلام عليكم يا رسول الله”. مما تبين لي أنهم لا يعرفون ما هو مقام الرسول….. فاعلموا جيدا أن الرسول هو وحده رسول ولا يكون كل إنسان رسولا”.
وتابع يقول: “بعض الناس يلمسون ركبتي أو قدمي. صحيح أنهم لا يقومون بذلك بنية الشرك، وإنما يقومون بذلك بعاطفة الحب المفرط والتعظيم، إلا أن مثل هذه التصرفات تؤدي حتما إلى الشرك … كنت أكره شخصيا تقبيل الأيدي، لكن الناس كانوا يقبِّلون يد المسيح الموعود وكان لا يمنعهم من ذلك. (بركات الخلافة عام 1914)
هذا كله حين كان محمود في الخامسة والعشرين من عمره.

الرد:

يذكّرنا المعترض في اعتراضه هذا بما قاله قوم نوح عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كما في قوله تعالى:

﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ هود ٢٨

يقول الطبري رحمه الله في التفسير:

وقوله: وما نراك اتَّبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي، يقول: وما نراك اتبعك إلا الذين هم سفلتنا من الناس، دون الكبراء والأشراف، فيما نرَى ويظهر لنا.” (تفسير الطبري، تفسير سورة هود، الآية ٢٨)

لن نطيل الحديث حول جواز تقبيل يد الولي والصالح وسنترك الصحابة والسلف يتحدثون، ولنأخذ الحديث التالي:

عن أم أبان بنت الوارع بن زراع عن جدها زراع رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وكان في وفد عبد القيس قال: لما قدمنا المدينة جعلنا نتبادر من رواحلنا فنُقبِّلُ يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ورجله.” (أخرجه البخاري في “الأدب المفرد” ٩٧٥ وفي “التاريخ الكبير” ٣/٤٤٧ وفي “خلق أفعال العباد” ٢٨ وأبو داود ٥٢٢٥ والطبراني في “المعجم الكبير” ٥٣١٣ وأحمد ٢/٧٠ وحكم الحافظ في “الفتح” على الإسناد بأنه جيد ١١/٥٧)

وعن ابن جدعان قال ثابت لأنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “أمَسَسْتَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بيدك؟ قال: نعم، فقبَّلها.” (أخرجه البخاري في “الأدب المفرد” ٩٧٤ وأحمد ٣/١١١)

وعن سيدنا حبان بن واسع عن أشياخ من قومه رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عدل الصفوف يوم بدر وفي يده قدح فمر بسواد بن غزية فطعن في بطنه فقال أوجعتني فأقدني فكشف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فاعتنقه وقبل بطنه فدعا له بخير.” (أخرجه الإمام أحمد ٢/٤٢٧ – ٤٨٨)

وعن سيدنا جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قبَّل يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.” (أخرجه الحافظ ابن المقرئ الأصبهاني في جزء تقبيل اليد مخطوط ١٦٦/ب)

وعن الشعبي: “أن زيد بن ثابت رضي الله عنه صلى على جنازة فقربت إليه بغلته ليركبها فجاء سيدنا عبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما فأخذ بركابها فقال زيد ابن ثابت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خل عنك يا ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال سيدنا ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء فقبَّل زيد بن ثابت يد عبد الله وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.” (أخرجه الحاكم ٥٨٠٨ وابن المقرئ في تقبيل اليد مخطوط ١٦٦/ب)

وعن ثابت قال: “كنت إذا أتيت أنسا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يخبر بمكاني فأدخل عليه فآخذ بيديه فأقبلها فأقول: بأبي هاتين اليدين اللتين مَسَّتا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأقبّل عينيه وأقول: بأبي هاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.” (ذكره الحافظ ابن حجر في “المطالب العالية” ٢/١١١)

وعن أبي مالك الأشجعي قال: “قلت لابن أبي أوفى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فناولنيها فقبّلتها.” (أخرجه الحافظ أبو بكر بن المقرئ الأصبهاني في جزء تقبيل اليد مخطوط ١٦٦/ب)

وعن سيدنا الوزاع بن عامر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: “قدمنا فقيل ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأخذنا بيديه ورجليه نقبلها.” (أخرجه البخاري في “الأدب المفرد” ٩٧٥)

وعن صهيب قال: “رأيت عليَّاً يُقبِّل يد العباس ورجليه.” (أخرجه البخاري في “الأدب المفرد” ٩٧٦)

وقال ابن كثير في “البداية والنهاية” في فتح بيت المقدس على يد عمر ابن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

… فلما وصل عمر بن الخطاب إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤوس الأمراء كخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان فترجل أبو عبيدة وترجل عمر فأشار أبو عبيدة ليقبل يد عمر فهم عمر بتقبيل رجل أبي عبيدة فكف أبو عبيدة فكف عمر.” (البداية والنهاية ٧/٥٥)

قال العلامة ابن حجر في “فتح الباري”:

قال الإمام النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه وعلمه أو شرفه أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة.” (فتح الباري ١١/٤٨)

وقال العلامة الطحاوي في حاشيته:

.. وفي غاية البيان عن الواقعات: تقبيل يد العالم أو السلطان العادل جائز وورد في أحاديث ذكرها البدر العيني.. ثم قال: فعلم من مجموع ما ذكرناه إباحة تقبيل اليد.” (حاشية الطحاوي ٢٠٩)

قال العلامة الاسفاريني في “غذاء الألباب”:

قال المروزي: سألت أبا عبدالله – الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله عن قبلة اليد، فقال: إن كان على طريق التدين فلا بأس وإن كان على طريق الدنيا فلا.” أهـ

قال العلامة اين حجر العسقلاني في “فتح الباري” ما يلي:

قال الإمام مالك: إن كانت على وجه التكبر والتعظيم فمكروهة وإن كانت (أي قبلة يد الرجل) على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز.” (فتح الباري ١١/٨٤)

الإعتراض حول سن المصلح الموعود

أما الاعتراض حول سن المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فهو اعتراض واه إذ العلم ليس بالسن فقط وإن كان السن له أثر هام على النضج ولكن العالم إذا تفقه في الدين في شبابه فلا يمنع من إجلاله وإكرامه خصوصاً إذا انتخب خليفة للمسلمين وخصوصاً إذا كان ابن نبي كالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. ومن أشهر ما جاء عند العرب كان حين اسْتُخْلِفَ عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله، وقَدِمَ عليه وُفُودُ أهلِ كلِّ بلد؛ فتقدَّم إليه وَفْدُ أهلِ الحجاز، فأشْرَأب منهم غلامٌ للكلام، فقال عمر: يا غلام، ليتكلمْ مَنْ هو أَسَن منك ! فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، إنَّما المرءُ بأَصغريه: قلبهِ ولسانِهِ، فإذا مَنَح اللَّهُ العبدَ لسانًا لافظًا، وقلبًا حافظًا، فقد استجاد له الحلية، ولو كان التقدم بالسن لكان في هذه الأمة من هو أحق بمجلسك منك؛ فقال عمر: صدقت، تكلّم؛ فهذا السحْرُ الحلال ! … فقال: عظنا يا غلام، وأوجز؛ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إن أناسًا غرهم حلم الله عنهم، وطول أملهم، وحسن ثناء الناس عليهم؛ فلا يغرنك حلم الله عنك، وطول أملك، وحسن ثناء الناس عليك، فتزل قدمك؛ فنظر عمر في سن الغلام، فإذا هو قد أتت عليه بضع عشرة سنة، فأنشأ عمر يقول :

تعلمْ فليس المرءُ يُخلقُ عالِمًا … وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ
وإنَّ كبير القوم لا علمَ عنده … صغيرٌ إذا ألتفَّتْ عليه المحافلُ

(“جمهرة خطب العرب” ٢/٤١٩؛ وهو في “مروج الذهب للمسعودي” ٣/١٩٧” وروى نحوه ابن عبد البر في “التمهيد” ٢٣/ ٢٠٤ عن العتبي قال: قال سفيان بن عيينة: قدم وفد من العراق على عمر بن عبد العزيز، فنظر عمر إلى شاب منهم يريد الكلام، ويهش إليه، فقال عمر: كبروا، كبروا؛ “يقول : قدموا الكبار” قال الفتى: يا أمير المؤمنين، إن الأمر ليس بالسن، ولو كان الأمر كذلك لكان في المسلمين من هو أسن منك؛ قال : صدقت، فتكلم رحمك الله؛ قال: إنا وفد شكر … وذَكَرَ الخبر)

وهكذا يصِفُ المعترضُ جميع الصحابة المعاصرين للنبي ﷺ وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان يصفهم جميعاً بالجهل والحمق. أفلا تتضح عقيدة الإلحاد بعد أن نضحت بما فيه الكفاية من ثنايا اعتراضاته التي تبعناها بفضل الله تعالى ومنته بالشهب فدمغتها فإذا هي زاهقة بقوة الله تعالى وتسديده. وعموماً فالمُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يحذِّر من فعل ذلك خوفاً من الوقوع في التعظيم والشرك، فلم يجد المعترض أرضاً يقف عليها فراح يتَّبع سنة الذين خلوا ولن تجد لسنة الله تبديلا.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد