ببعثة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ابتدأت الدنيا ترى وجه الإسلام الناصع وابتدأ المسلمون حول العالم يرفعون رؤوسهم اعتزازاً بقول وعمل ديننا الحبيب الذي ملخّصه عبادة الله تعالى وخدمة خلقه ومحبتهم ومواساتهم. لأن الله تعالى لطيف رؤوف رحمن رحيم ودود كريم، فكان كلما بغى البشر على بعضهم حَكَمَ تعالى بينهم من السماء وأرسل منهم بَشِيرًا ونذيراً وصَحَّحَ حياتهم وأعاد السعادة عبر تعاليمه الصالحة. أما الناس فللأسف كانت دائماً تعارض المرسلين ثم تضيّق على بعضها البعض وتجبر بعضها وتستغل بعضها البعض، وكان الله تعالى مستمراً في تعليمهم حتى أعطى كل ما يحتاجه الناس لنوال السعادة المنشودة لإنهاء التسلط بأنواعه وأشكاله. وقد كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هو المرسل الذي وعد الله تعالى الناس ببعثته في آخر الزمان ليمنع التطرّف والكراهية التي تلقي بهذه الممارسات السيئة على الله تعالى فتمارس كل سوء باسم الله ﷻ، فالإرهاب الديني والكراهية الدينية والعنف الديني وكل سيّء صار المتطرفون يربطوه بالدِّين. وفي مقالنا نتحدث اليوم عن حقائق تناولتها الصحف حول حملات التنصير في أفريقيا ونيجيريا تحديداً فلم يكن في مواجهة هذا الإكراه في الدين إلا الجماعة الإسلامية الأحمدية التي أعادت للمسلمين حريتهم الدينية وأرست أول مشاعل النور في تلك القارة إلى الأبد. وننقل بعضاً مما كتبته الصحافة النيجيرية بدمج الخبرين (هنا و هنا) معاً:

كان عصراً سادَ فيه دينٌ واحدٌ فقط على ربوع نيجيريا، ألا وهو المسيحية. كانت المسيحية تكتسح البلاد بلا منافس وتهيمن على جميع الأصعدة من التجارة إلى التعليم والتوظيف وكل مفاصل الدولة. وقد كان السبب الذي مكّنهم من ذلك كلّه منذ لحظة وصولهم إلى هذا البلد ولأمد طويل بعدها هو النشاط التبشيري القوي الذي استثمر في مجال التربية والتعليم والتدريب، ولكن فقط للمسيحيين حصرياً وخاصة للمتنصرين الذين يتركون الإسلام ويعتنقوا النصرانية.

وفق هذه الخطة قام المبشرون المسيحيون ببناء المدارس في مختلف مناطق البلاد، ولكن التعليم فيها كان مقتصراً على الأطفال المسيحيين وحدهم. فإذا ما أرادَ المسلمون أن يتعلموا هُم أيضاً فعليهم ترك الإسلام والدخول في النصرانية قبل النظر في قبولهم. فكان المسلمون في وضع العاجز الذي فقد جميع الخيارات.

لم يرق هذا الأمر لكثير من الأهالي، ولكن لم يكن بأيديهم ما يمكن فعله لوقف عملية تحويل أبنائهم من الإسلام إلى المسيحية. فأصبحوا يتعاملون بحذر شديد مع أطفالهم كي لا تفوت الفرصة على أطفالهم لتحصيل العلم الذي يعني الطريق نحو النجاح.

لم يحصل أيٌّ مِن هؤلاء الآباء على فرصة للتعليم في صغرهم ولم تكن هنالك مدارس يذهبون إليها؛ ولهذا كانوا يخشون على أطفالهم من تكرار هذه المأساة والوصول إلى مصيرهم نفسه. فقرروا بهدوء إنَّ أطفالهم يجب أن ينالوا التعليم مهما كلّف الأمر. أما بالنسبة للدين أي الإسلام فلا مناص من التضحية به للتخلص من واقع الجهل والتخلف بلا مدارس ولا تعليم.

لقد كانت المدارس الثانوية في نيجيريا تُعَدُّ على الأصابع في ذلك الوقت، إِذْ إنَّ معظمها كانت مملوكة للمبشرين المسيحيين، وكانت شروطهم صارمة وهي أن يتحوّل المتقدّم للتعليم إلى الديانة المسيحية أولاً قبل النظر في قبول طلبه. بل إنَّ من الشروط المفضّل توافرها في الطالب المسيحي والمتنصر معاً هي أن يكون على عقيدة مسيحية مطابقة للمدرسة. أما الطلاب المسلمين ففرصهم في القبول معدومة تماماً. كانت الفرصة الوحيدة أمامهم هي التخلّي عن الإسلام، ويتم توثيق ذلك عبر تغيير أسمائهم أيضا. وهكذا وبسبب هذه السياسة التعليمية فََقدَ كثيرٌ من المسلمين أسمائهم الأصلية في ذلك الوقت. فالذي إسمه موسى مثلاً صار اسمه الآن Moses، وسليمان صار اسمه Solomon، ويوسف جوزيف وهلمّ جرّا.

كان بعض الأهالي المسلمين في نيجيريا أو “مستعمرة لاغوس” يتابعون بصمت ما يحدث من حولهم وكيف تخلَّى بعض المسلمين عن دينهم، فكانوا يعملون بدأب لضمان مستقبل أبنائهم وإنقاذهم من الجهل من جهة ومن جهة أخرى يحاولون جاهدين تجنيبهم الوقوع في براثن التنصير والإبقاء على شُعلة الإسلام متّقدة في بيوتهم، فأدرك هؤلاء الرجال بأن إنقاذ الوضع ومساعدة الناس على الاحتفاظ بدينها يمكن فقط من خلال إنشاء مدرسة ثانوية مسلمة يؤول إليها الأطفال المجبرون على تغيير دينهم وغيرهم بعد تخرجهم من المدرسة الابتدائية المسيحية. فبدأت هذه الثلة من الرجال تكدح ليل نهار من أجل تحقيق حلم بناء المدرسة الثانوية. لذلك كرّسوا وقتهم وجهودهم لإتمام هذا لمشروع.

لقد كانت مهمة يجب إنجازها رغم أنها تنطوي على تبعات وتكاليف مادية ومعنوية وخطورة عالية.

كانوا رِجَالاً يحبّون دينهم، وهو ما يعرفه الجميع عنهم في أنحاء “مستعمرة لاغوس”. كان هؤلاء هم رجال الجماعة الإسلامية الأحمدية الذين رفضوا مشاهدة المسلمين يُجبرون على ترك الإسلام لتبتلعهم النصرانية مستغلة حاجتهم إلى التعليم، فقرّرت الجماعة الإسلامية الأحمدية إنشاء أول مدرسة ثانوية في غرب أفريقيا كلها تكون للمسلمين وتقبل غير المسلمين أيضاً. لكن كانت الجماعة الإسلامية الأحمدية في ذلك الوقت كانت لا تزال حديثة العهد وفي طور التثبيت. ولهذا، كان السؤال هو؛ مِن أين سيأتي المال لتمويل المدرسة الثانوية؟

إنها الهِمّة العالية التي تذلّل الصعاب، ولأن إرادة هؤلاء الرجال العظماء كانت عظيمة أيضاً فقََدْ اهتدوا بفضل الله تعالى إلى طريقة لتذليل جميع الصعاب. إنها التضحيات الشخصية بالمال والنفس وكل شيء التي استطاع من خلالها هؤلاء النبلاء أخيراً تأسيس أول مدرسة ثانوية للمسلمين في البلاد وغرب أفريقيا بأسرها في 5 أبريل من عام 1948، إنها الثانوية الأحمدية في لاغوس.

حَمَلَت المدرسة الثانوية الأحمدية اسم “ساكا تينوبو” الذي كان رئيس الجماعة الإسلامية الأحمدية من عام 1930 إلى عام 1940، والذي كان يشرف على المدرسة وتوفّي في الوقت الذي تأسست فيه هذه المدرسة في العام 1948.

ومنذ ذلك الوقت لم تعد النصرانية تتفرد بالبلاد بل أصبح المسلمون ينضمّون إلى المدرسة الأحمدية التي تحوّلت فيما بعد إلى كُلّية الأحمدية ينضمّون بالأفواج. فكانت المدرسة الأحمدية أو الكلية الأحمدية هي الحجر الذي كسر قيد التنصير إلى غير رجعة.

بقيت الكلية الأحمدية التي افتتحت في عام 1948 تخرَّج الدفعات تلو الدفعات من الطلاب وتملأ البلاد بالرجال والنساء الناجحين، وبقي اسمها “الكلية الأحمدية” حتى عام 1976 حين قرّرت الدولة أن يتم تغيير الإسم إلى “كلّية أنوار الإسلام” فتمّ ذلك بموافقة الجماعة طاعة للقانون وهي بالفعل أنوار الإسلام التي حملها أولئك الرجال العظام وأسسوا أول مدرسة ثانوية في غرب أفريقيا كلها، ولا زال الطلاب حتى هذا اليوم يتداولون الإسم السابق أي الكلية الأحمدية ورجالها المؤسسون الذين يعتز بهم جميع المسلمين في نيجيريا.

كانت هذه إحدى ثمار شجرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كاسر صليب الإستغلال واستعباد الناس الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً كما قال سيدنا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد