فيما يلي يستشهد الإمام ابن القيم رحمه الله بأهم الأدلة عنده لإثبات صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في مجادلة النصارى وغير المسلمين ألا وهو استحالة التقول على الله تعالى معتبراً ذلك من أدلة وجود الباري عَزّ وجلّ أيضا، حيث يقول:
“وأهل الكتابين مجمعون على أن نبيا يخرج فى آخر الزمان وهم ينتظرونه ولا يشك علماؤهم في أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وإنما يمنعهم من الدخول في الإسلام رئاستهم على قومهم وخضوعهم لهم وما ينالونه منهم من المال والجاه … ودار بيني وبين بعض علمائهم مناظرة في ذلك فقلت له في أثناء الكلام : «ولا يتم لكم القدح في نبوة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إلا بالطعن في الرب تعالى والقدح فيه ونسبته إلى أعظم الظلم والسفه والفساد تعالى الله عن ذلك» فقال : «كيف يلزمنا ذلك ؟» قلت : «بل أبلغ من ذلك لا يتم لكم ذلك إلا بجحوده وإنكار وجوده تعالى وبيان ذلك أنه إذا كان محمد عندكم ليس بنبي صادق وهو بزعمكم ملك ظالم فقد تهيأ له أن يفتري على الله ويتقول عليه ما لم يقله ثم يتم له ذلك ويستمر حتى يحلل ويحرم ويفرض الفرائض ويشرع الشرائع وينسخ الملل ويضرب الرقاب ويقتل أتباع الرسل وهم أهل الحق ويسبي نساءهم وأولادهم ويغنم أموالهم وديارهم ويتم له ذلك حتى يفتح الأرض وينسب ذلك كله إلى أمر الله تعالى له به ومحبته له والرب تعالى يشاهده وما يفعل بأهل الحق وأتباع الرسل وهو مستمر في الافتراء عليه ثلاثا وعشرين سنة وهو مع ذلك كله يؤيده وينصره ويعلي أمره ويمكن له من أسباب النصر الخارجة عن عادة البشر وأعجب من ذلك أنه يجيب دعواته ويهلك أعداءه من غير فعل منه نفسه ولا سبب بل تارة بدعائه وتارة يستأصلهم سبحانه من غير دعاء منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ومع ذلك يقضي له كل حاجة سأله إياها ويعده كل وعد جميل ثم ينجز له وعده على أتم الوجوه وأهنئها وأكملها هذا وهو عندكم في غاية الكذب والافتراء والظلم فإنه لا أكذب ممن كذب على الله واستمر على ذلك ولا أظلم ممن أبطل شرائع أنبيائه ورسله وسعى في رفعها من الأرض وتبديلها بما يريد هو وقتل أولياءه وحزبه وأتباع رسله واستمرت نصرته عليهم دائما والله تعالى في ذلك كله يقره ولا يأخذ منه باليمين ولا يقطع منه الوتين وهو يخبر عن ربه أنه أوحى إليه أنه لا {أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} (الأنعام : 93) فيلزمكم معاشر من كذبه أحد أمرين لا بد لكم منهما : إما أن تقولوا : لا صانع للعالم ولا مدبر ولو كان للعالم صانع مدبر قدير حكيم لأخذ على يديه ولقابله أعظم مقابلة وجعله نكالا للظالمين إذ لا يليق بالملوك غير هذا فكيف بملك السماوات والأرض وأحكم الحاكمين ؟ الثاني : نسبة الرب إلى ما لا يليق به من الجور والسفه والظلم وإضلال الخلق دائما أبد الآباد لا بل نصرة الكاذب والتمكين له من الأرض وإجابة دعواته وقيام أمره من بعده وإعلاء كلماته دائما وإظهار دعوته والشهادة له بالنبوة قرنا بعد قرن على رؤوس الأشهاد في كل مجمع وناد فأين هذا من فعل أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين فلقد قدحتم فى رب العالمين أعظم قدح وطعنتم فيه أشد طعن وأنكرتموه بالكلية ونحن لا ننكر أن كثيرا من الكذابين قام في الوجود وظهرت له شوكة ولكن لم يتم له أمره ولم تطل مدته بل سلط عليه رسله وأتباعهم فمحقوا أثره وقطعوا دابره واستأصلوا شأفته هذه سنته في عباده منذ قامت الدنيا وإلى أن يرث الأرض ومن عليها» فلما سمع مني هذا الكلام قال : «معاذ الله أن نقول : إنه ظالم أو كاذب بل كل منصف من أهل الكتاب يقر بأن من سلك طريقه واقتفى أثره فهو من أهل النجاة والسعادة في الأخرى» قلت له : «فكيف يكون سالك طريق الكذاب ومقتفي أثره بزعمكم من أهل النجاة والسعادة ؟» فلم يجد بدا من الاعتراف برسالته ولكن لم يرسل إليهم قلت : «فقد لزمك تصديقه ولا بد وهو قد تواترت عنه الأخبار بأنه رسول رب العالمين إلى الناس أجمعين كتابيهم وأميهم ودعا أهل الكتاب إلى دينه وقاتل من لم يدخل في دينه منهم حتى أقروا بالصغار والجزية فبهت الكافر ونهض من فوره.” (زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم الجوزية، فصل في ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعث إلى حين لقي الله عز وجل 3/557)
لقد اعتبر الحافظ ابن القيم رحمه الله هذا من أهم الأدلة على وجود الله ﷻ بالإضافة لصدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأنه لا يمكن لأحد أن ينسب الوحي الكاذب إلى الله تعالى فيؤيده الله ﷻ وينصره وينشر دعوته لثلاث وعشرين سَنَة بدون تدخل إلهي للقضاء على المتقول وانهاء دابر دعوته بدل مساعدته على نشرها ونصرته ومن معه وتأييدهم بالتكريم والانتشار والسمعة الطيبة في كل مكان وجعلهم هم السابقين في كل خير لنشر الإسلام الصحيح والعدل ورقي وسعادة البشرية بالضبط كما تقول الجماعة الإسلامية الأحمدية وتعتبره أحد أدلة صدق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بينما من جانب آخر ينكر معارضو الجماعة الإسلامية الأحمدية هذا الدليل مدّعين أنه لا يصلح دليلاً على صدق المدّعي حيث أفلحَ برأيهم الكثيرُ من المتقولين على الله والعياذ بالله عَبر التاريخ، ويعتبر المعارضون هذه الآية والوعيد بقطع الوتين خاصة فقط بسيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأنَّ لغيره ﷺ حرية التقول كما يشاء. بذلك يتبين للقاريء الكريم مَن مِن الفريقين يسير وفق منهج السلف الصالح رحمة الله عليهم أجمعين.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ