أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ
الله تعالى هو الحق، وقد تأذَّن أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وهذه سنة الله تعالى التي لا تتغير ولا تتبدل.
فلا بد للحق أن يظهر ويُرغِم أنوف الخصوم، بل من عجائب قدرة الله تعالى أنه يجبرهم على الاعتراف به والعمل بحسبه مرغمين، بعد أن كانوا يعارضونه ويعملون بخلافه. وهذا ما رأيناه وما نراه دوما. فنحمد الله تعالى ونشكره.
فعلى سبيل المثال، عندما كنا نقول منذ أكثر من مائة عام أن نظرية الجهاد التي تتغلل في مدارس الفكر الإسلامي جميعها على السواء، والتي تقوم على أن واجب المسلمين حرب الكافرين لنشر الدين، إنما هي نظرية خاطئة، وأن الجهاد لم يشرَّع إلا دفاعا مقابل عدوان المعتدين، وأن نشر الدين لا يكون إلا بالحجة والبرهان بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالسيف والسنان، وأن نشر الدين بالقتال لم يحدث مطلقا من قبل في تاريخ الإسلام كما يعتقدون، وعندما طهرنا الإسلام من الشبهات المتعلقة بالقتال وما يتبعه، اتُّهمنا بأننا نعطِّل الجهاد أو ننسخه تماما خدمة لأغراض أعداء الدين، وقامت الدنيا علينا ولم تقعد! ولكن ما لبث الغالبية العظمى من المسلمين الآن يقول بما نقول تماما، طوعا أو كرها، سواء كانوا صادقين في قناعتهم بعد أن رأوا تطبيق هذا الجهاد المزعوم على أيدي المجرمين وشذاذ الآفاق أو هم يقولون ذلك خوفا ونفاقا أو نتيجة ضغوط معينة. فما لم يقبلوه من قبل طائعين نرى أن الله تعالى يلجئهم إليه مرغمين.
كذلك كنا قد بينَّا مرارا أن عاقبة معارضتنا هي الفشل والخزي والخسران، وأن من سنة الله أنه لن يفلح المفترون الكاذبون المكذبون للأنبياء والمبعوثين الربانيين، وسيجرُّون أذيال الفشل والخزي والهزيمة حتما، عاجلا أو آجلا، فعندما كنا نقول ذلك فإننا كنا نرجو أن يتعظ المعارضون الذين يبرزون حديثا والذين يستزلُّهم الشيطان وتأخذهم العزة بالإثم، فيدركوا أن معركتهم خاسرة ونتيجتها معروفة. وكُنَّا نذكِّر بعاقبة معارضينا عبر التاريخ الذين باءوا بالفشل الذريع واندرست آثارهم -سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو دولا – لعلَّهم يتذكرون أو يخشون. ولكن البعض غلبت عليهم شقوتهم ولم يستمعوا لكلامنا. ولكن أخيرا سيجدون أن سنَّة الله تأتي عليهم، فيضطرون إلى ترك المعارضة مرغمين خوفا أو نفاقا أو لأي سبب آخر، لأن الله تعالى سيخلق ظروفا وأسبابا ستجبرهم على ذلك. ولا شك أن منهم من سيُعذَّب ومنهم من سيرى عذاب غيره، ولكن الجميع سيرون كيف يأتي الله تعالى الأرض ينقصها من أطرافها.
ومن الأمثلة العجيبة لهذه السنة الإلهية ما رأَينا أنه عندما تورطت السعودية وهيئة علماء المسلمين فيها في تكفير الجماعة في عام 1975، خرج من بين ظهراني علمائها من ينطلق من المنطلقات نفسها التي كفَّروا بها الجماعة ليكفِّروا العلماءَ بل والحكامَ أيضا. ومن العجائب أنهم أخذوا يطلقون عليهم لقب “قاديانيون جدد” لأنهم لا يمارسون الجهاد المزعوم الخاطئ الذي يُفترض أن هؤلاء العلماء والحكام يؤمنون به! ورغم أن هؤلاء يدعون أنهم يحكمون بالشريعة فرأينا أن من خرجوا عليهم أخذوا يكفِّرون الحكام لأنهم لا يرونهم يطبقون شرع الله! وشنَّ هؤلاء التكفيرون حربا داخلية وقاموا بسلسلة عمليات إرهابية داخل السعودية لسنوات راح ضحيتها الأبرياء في التسعينات وإلى أوائل الألفين. ثم بعد ذلك انتقل هذا الإرهاب إلى دول أخرى وأدى إلى تشكيل القاعدة وطالبان وداعش وأخواتها. فلو وعى من لم يستمعوا لقولنا لِما كنا نقول باكرا لكانت ظاهرة الإرهاب هذه ظاهرة معزولة منذ البداية لا يقول بها سوى المجانين، ولما كان هنالك حاجة اليوم للضغط على العلماء والمشايخ ليجددوا الخطاب الديني أو ما إلى ذلك من عمليات ترقيعية مرجوَّة بضغط من الحكام الذين أحرجهم هذا الفكر وقاسى بسببه المجتمع بكامله وأدى إلى ضغوط خارجية أيضا.
والعبرة هنا أنَّ رفْض معارضينا لفكرتنا قد ارتد عليهم نظريا وعمليا، واضطروا أخيرا إلى تبنّي ما نقول، وأصبحوا مستعدين لفهم ما لم يفهموه من قبل. وأن ما اتهمونا به وما أرادوه لنا ارتد عليهم.
وقلنا وما زلنا نقول إن الافتراء والكذب علينا وشنّ حملات الكراهية والحقد والتحريض والدعوة للإيذاء والتضييق على الأحمديين المزركشة بالسب والشتم والكلام البذيء والاتهامات بالباطل سترتد على أصحابها، وأن من يقوم بذلك فإما أن يقنعه الله تعالى ويريه ما لم يرَ من قبل لو كان فيه شيء من الخير، أو لا بد أن يرتد عليه فعله بالخزي بل وبالعاقبة السيئة في الدنيا قبل الآخرة بوسائل وأساليب وأسباب يخلقها الله تعالى، لينال جزاءه في الدنيا قبل الآخرة، ما داموا لا يرجون حساب الله في الآخرة ولا يتوقعونه. ولكن أنّى لهم الذكرى، حتى حاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فأخذوا يرتدون إلى قيمنا وأخلاقنا ويتحدثون عن اللطف والحكمة والموعظة الحسنة وترك فحش الكلام وبذاءته ويقدمون أنفسهم وكأنهم أهل ذلك وأحق به! ورأوا بأنفسهم تحقيق السنة الإلهية التي جاءت في وحي الله تعالى للمسيح الموعود عليه السلام:
“إني مهين من أراد إهانتك”
حيث ارتدت الإهانة التي أرادوها للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وجماعته عليهم وحاقت بهم، وشهدوا بأنفسهم على أنفسهم أن فعلهم الذي تورطوا به إنما هو فعل خاطئ وجرائم شنيعة.
ولكن رغم ذلك نقول: فعلوا خيرا إن كانوا قد ثابوا إلى الحق فعلا، أما لو كان خلف ذلك الخوفُ من الدنيا وأسبابها وأربابها أو أي شيء آخر فلا فائدة ترجى من ذلك. ولكن نترك أمرهم إلى الله.
أخيرا إن الفضيلة هي أن يعرف الشخص الحق ويلتزم به ويؤمن به ويتصرف بحسبه بصدق القلب قبل أن ينزل به العذاب أو تبدأ بوادره بالنزول، وإلا فعندما يبدأ العذاب بالنزول ويعاين هؤلاء الفشل الذريع لجهودهم فسيكون حال هؤلاء كحال فرعون الذي قال له الله تعالى عندما أدركه الغرق:
{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } (يونس 92)
لطالما كان الأنبياء يرجون أن يعي قومهم ما ينذرونهم منه فيُرفع عنهم العذاب قبل فوات الأوان، إنما للأسف، قلَّما استفاد هؤلاء من الوعظ. ولكن الفرصة متاحة أمام الجميع ليتداركوا أمرهم.
سنَّة الله تعالى أنه يأتي الأرض ينقصها من أطرافها، أي يحقق عمليا ما يبعث الرسل لأجله فينصرهم ويقضي على معارضيهم. وهيهات لهؤلاء أن يكونوا الغالبين. وصدق الله وسلام على عباده الذين المصطفيْن، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله تعالى عليكم”ان الله يري آياته في انفس المعارضين .