بدأ منذ زمن سابق وبالأخص في القرن التاسع عشر بعضُ الملاحدة وأعداء الدين بدأوا بترديد وتداول السؤال التالي:
هل يستطيع الله أن يخلق صخرة يعجز عن حملها؟ هل يستطيع الله ان يقتل نفسه؟ أو هل يستطيع أن يموت؟ وحيث أن الإنسان قادرٌ على خلْق أو صناعة صخرة يعجز عن حملها ويستطيع أن يقتل نفسه، فهل معنى ذلك أن الإنسان قادرٌ على شيء يعجز الله تعالى والعياذ بالله عنه؟
وقد اختلفت الردود حول هذه المسألة في ذلك الوقت بين صواب وخطأ وخلط بين الاثنين، فمنهم من قال لا يستطيع كي لا يوجد منافس له في الملك والخلق، ومنهم من قال يستطيع ولكنه لا يفعل لأنه لا يليق به، ومنهم قائل بل لا يستطيع لأنه مخالف للكمال، أما جواب المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام الذي ينقله لنا ابنُه المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حين تعرّض لهذه المسألة بعد تفسير آيات سورة البقرة فهو كالتالي:
“بمناسبة قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سأل بعضُهم: هل تعني هذه العبارة أن الله تعالى قدير على أن يكذب أو يموت؟ مثل هذا التساؤل لا يصدر إلا عن قلّة تدبّر وضآلة فكر. فوصف القدير صيغة مبالغة من (قدر) وتعني ذو القدرة الكاملة. وليس الكذب والموت من الكمال في شيء بل هما من النقائص، وذو القدرة الكاملة منزِّه عن النقص، ومن ثم فإن صفة القدرة لا تتعلق بهذه النقائص. وإنه لمن السخف أن يقول قائل: إنَّ فلاناً عظيم الشجاعة حتى أنه ليفرّ من الفأر! إن الشجاعة والفرار لا يجتمعان، كذلك كمال القدرة والنقائص لا يتفقان. كما أن قوله {كُلِّ شَيْءٍ} يعني كل ما يريد، لأن (شَيْءٍ) مصدر بمعنى المشيئة والإرادة، فمعنى العبارة أن الله تعالى قديرٌ على كل ما يريده. وإرادة الله تعالى كاملة، والكذب والموت وما إلى ذلك بعيدٌ عن الكمال، والله جلّ وعلا لا يعلّق إرادته ومشيئته ومقدرته على النقائص التي لا تليق بجلاله.” (التفسير الكبير، الآية 21 من سورة البقرة، ص 109-110)
ويواصل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“كانت هناك نقاشات وسوء فهم لمفهوم القدرة الإلهية قبل بعثة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام؛ فبعضهم كان يقول: لمّا كان الله تعالى على كل شيء قدير فيمكن أن يكذب أو أن يفنى، بينما يقول الآخر: إن صفاته ﷻ هي هي كما بينها الله تعالى وليس من بينها الكذب فهو ليس بقادر عليها. ولقد بتَّ المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في هذا النـزاع أيضاً وقال: يجب أن تتدبروا في صفة الله القدير بعد وضعها أمام الصفات الأخرى. فإذا كان الله تعالى قديراً فهو الكامل أيضاً، والفناء ضد الكمال. فلو قال أحدٌ: إنني بطلٌ عظيمٌ وقوي، فهل يجوز أن يقال له: لا نسلّم بقوتك ما لم تأكل السمّ وتموت؟ لا يدل ذلك على القوة بل على عكسها. فلا يعني كمال الله تعالى أن به عيباً وضعفاً. الحقيقة أنهم لم يفهموا معنى قدرة الله تعالى، فهل يمكن أن يقال لمن يدعي القوة: إذا كنت قوياً فلتأكل القذارة؟ لا يدل ذلك على القوة بل هو ضعف، ولا يمكن أن يطرأ أي ضعف على ذات الله تعالى لأنها تتسم بالكمال.” (إنجازات المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد خليفة المسيح الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ص 41)
ما أجمل هذا المثال: (لو قال أحدٌ: إنني بطلٌ عظيمٌ وقوي، فهل يجوز أن يقال له: لا نسلّم بقوتك ما لم تأكل السمّ وتموت؟) ! فالموت معاكس للقوة والعظمة! هذا أمرٌ يلحق بالإنسان لأنه عاجز ومعرّضٌ للموت، بينما الله تعالى قادر، والقادر هو عكس العاجز، فإما قادر أو عاجز وليس قادراً وعاجزاً معا!
إذن الموت والكذب والخوف والعجز ليست قدرات ولا يصح أن يقال (هل يستطيع) وإنما هي نقائص وعيوب المخلوقات ولا توجد في الله تعالى لأنه ﷻ مبدأ ومنتهى كل شيء، ولو وُجدَ إلـهٌ قادر على أن يقتل نفسه ويموت فلا بد أن هنالك إلـهٌ فوقه لا يمكن أن يموت لأنه هو نهاية كل شيء، ولذلك فليس الإله الميت هو الله على الإطلاق بل هو إله مزيف، فالنقيصة والعيب لا بوجدان في الله جلّ جلاله الكامل الذي لا يتمكن منه عيب ولا نقص تبارك وتعالى. لهذا، لا تجتمع الاستطاعة والقدرة مع عدم الاستطاعة والقدرة. وبذلك يكون المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هو أول من ردّ على الطبيعيين والملاحدة في القرن التاسع عشر.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ