ملاحظة: نرجو من القارئ الكريم الأخذ بعين الإعتبار أن المقالة التالية كتبت أثناء عدوان إسرائيل على غزة عام 2014، وننقل لكم المقالة التالية للعبرة والفائدة.
إرهاب إسرائيل
يُعرَّف الإرهاب على أنه استهدافُ المدنيين لتحقيق أهدافٍ سياسية أو عسكرية، وهذا ما تقوم به إسرائيلُ حرفيا في غزة. فهي تقتل الأطفال والنساء والمدنيين الآمنين للضغط على حماس وحركات المقاومة، أو كي تحدث ثورة شعبية ورفض تجاههم. إضافة إلى أنها تعاقب المدنيين على تقديمهم بيئةً حاضنة لهم.
والحقيقة أن الإرهاب الإسرائيلي وهذا العقاب- بل إن سلوك إسرائيل على تاريخها- يُعتَبر رحمة وإنسانية نظرا إلى تعاليم الكتاب المقدس، الذي لا يؤمن بالإرهاب، بل يتجاوزه إلى الإبادة الجماعية لكل نسمة بل للدواب أيضا، والذي لا يؤمن بأي نوع من المواطنة للشعوب المهزومة، بل يطلب أن يتحول نساؤهم وأطفالهم إلى عبيد بعد إبادة رجالهم إن حاربوهم، وإن سالموهم فيمكن استبقاء الرجال عبيدا، حيث جاء في الكتاب المقدس:
«حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. 13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 15هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. 16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا، 17بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا: الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ» (اَلتَّثْنِيَة 20 : 10-17)
وهذا ما طبقه بنو إسرائيل تجاه الشعوب والأمم في فلسطين وما حولها في العهد التوراتي. وهنالك نصوصٌ أخرى في الكتاب المقدس تخبر بهذه الأفعال. فالمدن القريبة يجب أن تُقتل كل نفسٍ فيها من أطفال ونساء ومدنيين آمنين، بل ينبغي قتل البهائم فيها. أما المدن البعيدة فيجب قتل كل الرجال، واستعباد النساء والأطفال. وحكم غزة وفقا لهذا النص هو أن يتم قتلُ كلِّ من فيها وينبغي ألا تبقى فيها نسمة، لأنها من المدن القريبة، ولأنها حاربتهم!
ومن هنا يمكن فهم ارتياح الضمير الجمعي للإسرائيلين على نطاق واسع هذه الأيام على ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة من إجرام. فإسرائيل تنازلت ولم تطبق تعاليم الرب يوما بحذافيرها. وإرهاب إسرائيل هو رحمةً قياسا إلى هذه الأحكام، لأن هدف هذا الإرهاب هو تحقيق هدفٍ سياسي وعسكري لا إبادةً كاملة على كل حال. وإسرائيل تعطي الفلسطينين الذين لم يهاجروا من ديارهم داخل أراضي 1948 حقوقا وحرية تفوق كثيرا ما ينبغي؛ لأنهم ينبغي أن يكونوا عبيدا مسخرين لهم، والواجب أن يشكروا إسرائيل على منتها وصنيعها لأنها لم تُبِد رجالهم وتحرِّمهم بحد السيف عندما حاربوها. وما يتمتعون به من حقوق هو رفاهية زائدة وتسامحٌ يجب أن يشكروا إسرائيل عليه ليل نهار!
أما إجراءات إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد احتلالها فحدِّث ولا حرج عن إنسانيتها ورحمتها! وما يُرى أنه فصل عنصري هناك هو تسامح إلى أقصى حد، فلا يستحق هؤلاء الذين لم يُنفَّذ فيهم حكم التوراة أكثر مما يستحقه العبيد. وهذه الأرض مستباحة لبني إسرائيل بكل خيراتها، وإعطاء الفلسطينين فرصة للاستفادة منها إلى الحد الأدنى هو كرم وإنسانية يبدو أن الفلسطينين لا يقدِّرونها. ولهذا، فمن الطبيعي أن يتراجع الإسرائيليون عن إنسانيتهم كلما تواقح هؤلاء ونسوا المنَّة والفضل الإسرائيلي عليهم، ونسوا أن إسرائيل قد خالفت تعاليم الربِّ واستجلبت غضبه بسبب أنها لم تطبق تعاليمه من أجلهم!
ولا ينبغي أيضا استغراب الدعم الأمريكي والغربي لهذه المجازر وسكوتهم المطبق الذي تتداخله أصوات خجولة بين فترة وأخرى كلما بلغت المجازر حدودا تفوق التصور، لأن هذه الأحكام والأساطير التوراتية قد شكلت ضمير الغرب المسيحي أيضا، وهي المصدر الحقيقي لتعاليم الحرب والقتال عندهم. فعلى سبيل المثال، ينتشر في أوروبا تمثالٌ إباحيٌّ مقيت يجسِّد قصة شمشون التوراتية الذي قتل ألف فلسطيني بفك حمار؛ حيث يجسد التمثال شمشون عاريا ممسكا برجل عارٍ آخر ويهوي على رقبته بفك الحمار. وفي متحف فكتوريا وألبرت في لندن وحده شاهدت ثلاث نسخ على الأقل لهذا التمثال المقيت. فانتشار هذا التمثال في أوروبا إنما يدل على أن هذه الأساطير هي التي تشكِّل عقيدة الحرب والقتال المسيحية الغربية. ومن الشواهد المعلومة والمثبتة أنه في حروب الإبادة التي مارسها المستوطنون الجدد في أمريكا تجاه السكان الأصليين، كانت هذه الأساطير حاضرة على ألسنتهم وفي أدبياتهم.
إن الإنسانية واتخاذ معايير عدم استهداف المدنيين في الحروب هي عبارة عن قشرة رقيقة لا تستطيع الصمود طويلا فيما لو شعرت إسرائيل والغرب بتهديد حقيقي، حتى ولو كان ضئيلا. ومعاهدات جنيف وغيرها ليست دينا، ولم تشكِّل ضمير هذه الشعوب أو عقيدتهم في وقت الحروب، ويمكن الالتفاف عليها والتنصل منها بسهولة، ولكن من المفضَّل استبقاء الحدّ الأدنى من ورقة التوت على جسد شمشون الذي يظهر عاريا تماما بدونها في متاحفهم وفي ضميرهم.
لم يعرف العالم تعاليم الإنسانية والرحمة في وقت الحروب إلا من خلال الإسلام العظيم. ولم يتبنَّ الغرب والعالم المتحضر حاليا هذه التعاليم إلا بسبب جمالها وإنسانيتها، وبعد أن رأوا تطبيق المسلمين لها في زمن قوتهم وانتصارهم.
ولا شك أن الفطرة الإنسانية التي أودعها الله تعالى في البشر ترفض هذه التعاليم المنسوبة ظلما وعدوانا إلى الله تعالى، وتميل إلى الإنسانية والرحمة التي نصَّت عليها تعاليم الإسلام. ولا بد أن ينتفض العالم لنبذ هذه التعاليم ومن يروجون لها، وأن يتخذ العالم المتحضر موقفا حازما وقاطعا نحوها. ليس من حقِّ يهودي أو مسيحي أو مسلم أن يتبنى تعاليم تأمر بالقتل والإبادة التي تتفوق على الإرهاب ويُعتبر مقابلها رحمة وإنسانية. ينبغي الإدراك أن الله تعالى لا يمكن أن يأمر بالإجرام والهمجية والإبادة الجماعية أو الإرهاب. ينبغي القيام بثورة فكرية ومراجعة وحملة لتنقية الأديان ومحاسبة المتطرفين ومنعهم من ترويج أفكارهم الإجرامية، ورفع غطاء الدين والقدسية عنهم وعن النصوص التي يستندون عليها؛ لأن الفكرة ستجد طريقها إلى التنفيذ يوما، وهي الخطر الحقيقي الذي يوجِّه الأفعال. هذه هي الخطوة الأولى نحو أن تقترب الإنسانية من إنسانيتها، وأن تتعرف إلى خالقها الإله الحق، فيسود العدل والسلام في العالم.