بعد أن أنفد عمره محاولا أن يستعيد أرضه المسلوبة برفع القضايا في المحاكم على مدى سنوات طويلة، تلك الأرض التي كانت تعني له الكثير بصفتها ميراث الآباء الذين أقاموا فيها حاضرة للإسلام في أرض الهند أسموها “إسلام بور”، وبعد أن وجد أنه لم يتبقَّ لديه سوى القليل من تلك الأراضي والضياع، قرر أن يبني مسجدا في تلك المنطقة النائية من البنجاب ويسميه “المسجد الأقصى” تيمنا بالمسجد الأقصى في بيت المقدس في فلسطين، ليكون خاتمة أعماله وأبقاها وأكثرها جدوى، مدركا ومؤكدا على رسالة أن ميراث الأرض بيد الله تعالى وبرضاه ومشيئته وليس بالجهود البشرية، راجيا أن يلقى الله تعالى ويحظى بقبوله وبرحمته ومغفرته.
كان هذا زعيم منطقة قاديان التي حُرِّفت بالأصل من اسمها “قاضي إسلام بور” بلسان السكان المحليين، وكان مقدَّرا لهذا الرجل أن يكون والد الإمام المهدي المعهود والمسيح الموعود للأمة، وأن يصبح مسجده هذا مسجدا محوريا في مسيرة الإمام المهدي وسيرته وأن يحمل رسالة هامة يُذكِّر بها بالرسالة الأساسية التي من أجلها أنشئ الأقصى الشريف في بيت المقدس. فكان هذا المسجد ظلا للمسجد الأقصى الذي كان مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بورك حوله أيضا ببعثة ذلك الخادم المخلص والمحب الصادق للنبي صلى الله عليه وسلم، الذي ببعثته سيكتمل تحقيق النبوءات وستُستأنف البركات.
أما كيف ذلك؟ فلا بد أن نعي القصة من أولها.
فلقد حملت حادثة الإسراء نبوءة وبشارة ورسالة هامة للمسلمين، إذ كانت تحمل في طياتها -من ضمن ما تحمله من بشارات- أن الإسلام سيصل إلى بيت المقدس وسينُشَأ فيها مسجد أقصى يكون علامة انتصار الإسلام وميراثه للنبوة والكتاب التي كانت لبني إسرائيل، وسيرث المسلمون فلسطين وبلاد الشام بل وأرضا لم يطأوها من قبل على امتداد العالم، وستمتد المساجد القصوى على طول الأرض وعرضها.
وقد أشار الله تعالى إلى هذا الوعد والميراث في قوله تعالى:
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ }
(الأنبياء 106-107)
ولقد تحقق هذا الوعد بكل جلاء، وما هي إلا سنوات معدودة حتى فتح المسلمون بلاد الشام وبيت المقدس في عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما هي إلا سنوات أخرى حتى بُني المسجد الأقصى تذكارا لحادثة إسراء النبي صلى الله عليه وسلم وإعلانا أن المسلمين قد ورثوا رضى الله تعالى وعُدُّوا الصالحين في نظره، وذلك على يد الأمويين في عهد عبد الملك بن مروان. ثم مضت السنوات وشهد الإسلام مجدا لأكثر من ألف عام كان المسلمون فيه ورثة الأرض وسادتها.
وعندما بدأ الانحطاط الديني يصيب الأمة، ولم يُعد المسلمون صالحين في عين الله تعالى، كان واجبا أن تبدأ الأرض تتناقص تحت أقدامهم، بل ويقعوا هم وأراضيهم في براثن أعدائهم، ويبدو وكأن الإسلام قد أوشك على الفناء. وهذا كان طبقا للوعد الإلهي الذي تضمَّن أنهم سيرثون الأرض ما داموا صالحين عابدين، وأنهم سيفقدونها إذا تركوا الصلاح والعبودية لله تعالى. وهذه الحال كان يجب أن تكون ولا تزال مؤشرا وتذكارا هاما لا يغيب عن بال المسلمين، ويبين لهم أن العلَّة هي في أنهم لم يعودوا صالحين عابدين في نظر الله تعالى، وأنهم أصبحوا من المغضوب عليهم المعذبين، وأن السبيل الوحيد هو العودة إلى الله تعالى، وأن الجهود كلها في غير هذه السبيل ضائعة لا فائدة منها.
أما كيف العودة؟ فإنما هي باتِّباع ذلك المبعوث الذي أرسله الله تعالى لإحياء الإسلام وإعادته إلى مجده طبقا لأنباء القرآن الكريم والحديث الشريف، وكما هي سُنَّة الله تعالى فإنه إذا بعث مبعوثا فلن ينفع الناس إيمانهم ولا صلاتهم ولا عبادتهم ولا دعاؤهم ما داموا معرضين عنه، وسيجدون أنفسهم يوما فيوما في تخسير، وسيأتي كل يوم بما هو أسوأ.
لقد ضاعت فلسطين قبل سبعين عاما، وسقط الأقصى وخرج من يد حكم المسلمين قبل خمسين عاما، بل وقع في يد من غضب الله عليهم منذ آلاف السنين وأعلن فسادهم الأبدي وتخلى عنهم ليقول للمسلمين إنكم قد أصبحتم مثلهم، وكان ينبغي لهذه الصدمة أن توقظ الموتى وتعيدهم إلى الصراط المستقيم، ولكن مع شديد الأسف ما زال المسلمون يتخبطون، ويستجدون حقوقهم من أيدي أعدائهم الذين سلبوهم كرامتهم بعد سلبهم أرضهم وثرواتهم، وإذا أرادوا التحرك تحركوا بما يخرب بيوتهم ويزيدهم بؤسا على بؤسهم. ولكن الطريق الصحيح لعودة الأقصى بل ولميراث الأرض بكاملها إنما هو الاستجابة لصوت الداعي الذي انطلق ساريا من الأقصى إلى الأقصى حاملا رسالة الإسلام الأصيل النقي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. فما دام المسلمون لا يستجيبون، فقد حق عليهم قول الله تعالى:
{وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }
(الأَحقاف 33)
نسأل الله تعالى أن يزيل الغشاوة عن عيونهم سريعا ويريهم طريقهم فيكونوا من الفائزين، آمين.
أستاذي الكريم : تميم أبو دقة
للوهلة الأولي لقراءتي عنوان المقال [ إسراء من الأقصي للأقصي ] تبادر لذهني رؤية المسيح الموعود عليه السلام للرسول صلي الله عليه وسلم في بيت الرياضة ببيت المسيح عليه السلام ورؤية الكثير من الانبياء والصالحين وكما تعلم حضرتكم هو ملاصق للمسجد الاقصي بقاديان التي اكرمني الله بزيارتها ورأيت البركة حول الاقصي هناك والايات الكريمة تعطي جملة الصلة [ الذي باركنا حوله ] هل يمكننا القول انه المسجد الذي تشد له الرحال كما في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وبقوةاستاذي لقد سئلت نفس السؤال يوم تجمعنا مع حضرة اال المسيح بسراي وسيم وعالجني وقتها أستاذا محمد الشربف بان هذه نقطة يشرح لنا حضرتكم وانتقلنا لموضوع اخر ارجو التوضيح بوركتم امع وضعب في اعتباري ماذكرته حضرتكم من ضياع وراثة الأرض التي كانت مسري النبي صلي الله عليه وسلم بعدم صلاح المسلمين واقتران عودته لهم بصالحهم من جديد واتباع المسيح الموعود عليه السلام .
بارك الله فيكم أختي الكريمة وجزاكم أحسن الجزاء
لقد بيَّن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام أن للنبي صلى الله عليه وسلم إسرائين؛ الإسراء المكاني الذي كان الرؤيا إلى بيت المقدس في فلسطين، والتي أنشئ فيما بعد المسجد الأقصى تخليدا لذكراها، والإسراء الزماني وهو بعثة النبي صلى الله عليه وسلم الثانية التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى “وآخرين منهم لما يلحقوا بهم” والتي تمت من خلال خادمه المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام.
فالرحال تشد إلى المسجد الأقصى في القدس وإلى المسجد الأقصى في قاديان أيضا بصفته تذكار البعثة الثانية للإسلام وبصفته مسجد المسيح الموعود والإمام المهدي عليه الصلاة والسلام.