من أجل تبيان إنجازات المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، والتي قد يتعذر الإحاطة بها إلا لمن درس أعماله دراسة مستوفية، قدَّم الخليفة الثاني حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد رضي الله عنه كتابا موجزا يذكر جانبا من هذه الإنجازات ويشرحها بإيجاز شديد. وهذا الكتاب في أصله كان خطبة ألقاها حضرته في الجلسة السنوية في قاديان في 28 كانون الأول عام 1927م.
هذا الكتاب يقدِّم خدمة هامة تساعد في فهم الصورة كاملة ويساعد في نظْم أفكار القارئ وتركيزه لدى قراءته كتب المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام القيِّمة التي لا غنى لأحد عن قراءتها، بل لا بد من إعادة قراءتها مرارا لجني شيء مما تحتويه من درر عظيمة ومعارف هائلة. وسأقدم هذه الإنجازات في حلقات بتلخيص مني، مستعينا بالله تعالى، وداعيا إلى قراءة هذا الكتاب لمزيد من الإيضاح.
الإنجاز الأول: إثبات وجود الله تعالى من خلال صفاته الكاملة
من أهم الأهداف التي من أجلها يرسل الله تعالى الأنبياء والمبعوثين هو أن يقدِّم برهانا على وجوده وتصرُّفه ولكي يرى الناس آيات وجود الله وقيومته التي يُظهرها للنبي وعلى يديه.
فببعثة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام انتقل الفكر الإسلامي من مرحلة نظرية تعتمد على إثبات صدق الإسلام بأدلة عقلية ونقلية طال عليها الأمد إلى مرحلة عاين الناس فيها دفعة جديدة وقوية من مظاهر حياة الدين ووجود الله تعالى وقيوميته وذلك بإظهار الآيات العملية. وهذا تحقق من خلال أن الله تعالى قد أنبأ المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بجملة من الأنباء ثم حققها بصورة إعجازية مذهلة رغم معاكسة الظروف وبروز الأمر وكأنه مستحيل نظرا إليها.
وقد شهدت حياة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام المرحلتان من إثبات صدق الإسلام. ففي المرحلة الأولى أعلن أنه سيقدِّم الأدلة النظرية العقلية والنقلية على صدق الإسلام، وأعدَّ 300 دليل على ذلك، وبدأ بمشروع البراهين. فما أن قدَّم دليلا واحدا، وهو حاجة العصر، وشفعه بالهوامش العديدة التي تتضمن مئات الأدلة التفصيلية أيضا، إلا وحقق هذا الكتاب الغاية منه وبرز أن الإسلام هو الدين الحق مقارنة مع الأديان الأخرى، نظرا إلى هذه النوع من الأدلة.
ولا شك أنه قد قدَّم في الأجزاء الأولى من كتاب البراهين كمَّا هائلا من الوحي والإلهامات التي أنزلت عليه، ولكنه قدَّمها من باب أن الله تعالى ما زال حيا قيوما وما زال الإسلام هو الدين الحق، وكان يلزم إثبات صدق هذا الوحي والإلهامات عمليا، وذلك بتحقق ما ورد فيها من أنباء.
كانت حياة حضرته حافلة بالوحي ثم بتحققه في وقته، واستمرت هذه الآيات تظهر الواحدة تلو الأخرى، حتى جاء وقت جمع حضرته فيه عددا كبيرا من هذا الوحي وبيَّن كيف قد تحقق بجلاء بشهادة الشهود والمعاصرين، وهذا كان في الجزء الخامس من البراهين الأحمدية. وكذلك فقد قدَّم هذا أيضا في كتب عديدة من قبل ومن وبعد كترياق القلوب ونزول المسيح وحقيقة الوحي، وما على القارئ إلا أن يعود إلى هذه الكتب ليجد فيها عددا كبيرا من هذه الأدلة التي إنما هي في الواقع أدلة على وجود الله تعالى وقيوميته.
وقد قدَّم الخليفة الثاني في كتاب إنجازات المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام تحت هذا البند مثالا واحدا لوحي واحد وكيف تحقق، وهو: “جاء نذير في الدنيا، فأنكروه أهلها وما قبلوه، ولكن الله يقبله ويظهر صدقه بصول قوي شديد، صولٍ بعد صول“، وقدَّم أيضا مثالا آخر وهو وحي: “سأبلغ دعوتك إلى أقصى أطراف الأرض“. ويمكن للقارئ الرجوع إلى هذا البند لرؤية جوانب تحقق هذا الوحي وكيف قد خدم هذا الغرض.
فيما يلي رابط الكتاب