تاريخيا كان المنافقون يحاولون تبرير نفاقهم وأعمالهم التخريبية التي يبغون بها فتنة الضعفاء والبسطاء بالتجديدات وبتقديمهم مفاهيم مشوهة ساذجة كذريعة للتمرد والعصيان.
ففي زمن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، برر المنافقون والمرتدون ومن عاونهم من الكفار وشذاذ الآفاق عصيانهم للخلافة بقولهم إنهم لا يجدون دليلا في القرآن يأمرهم بتأدية الزكاة إلى أبي بكر أو يدعوهم لطاعة الخلافة، بل وعدُّوا الصحابة الكرام قد انحرفوا عن القرآن الكريم الذي أمر بدفع الزكاة للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر بدفعها لغيره من بعده! ثم شنوا عدوانا على المسلمين ظانين أن الفرصة مؤاتية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فباءت جهودهم بالفشل الذريع ولحقهم الخزي إلى أبد الآبدين.
وليس صعبا للمنافقين أن يبتدعوا بين فترة وأخرى نقطة يحاولون من خلالها تبرير نفاقهم وعصيانهم ويملأون بها الدنيا ضجيجا. وليس صعبا على المؤمن الصادق أن يعرفهم مباشرة عندما يرى سلوكهم، ولكن المشكلة أن هنالك بعض ضعفاء الإيمان السمّاعون لهؤلاء والذين قد يستدرجونهم ليشاركوهم بتمردهم ونفاقهم وكفرهم. فالمنافق لا يكلُّ ولا يملُّ ساعيا لاستدراج غيره ليصبح مثله، كما يقول الله تعالى عنهم:
{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً } (النساء 90)
ينبغي أن يتذكر المؤمنون أن القرآن الكريم كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون، وأن كشف أسراره منوط بعباد الله الصالحين الذين طهَّر الله قلوبهم؛ حيث قد يمنُّ الله عليهم بين فترة وأخرى بثمرات طيبة تقوي إيمانهم، ولا يمكن أن يطلع الله تعالى أسرار كتابه على من لم يكن تقيا نقيا طاهرا تتسم حياته بالطهارة والنقاء والتفاني في خدمة الدين. ومسلك المؤمنين الصادقين هو أنهم إن نالوا شيئا من هذا حمدوا الله تعالى وصمتوا صمت العارفين المطمئنين، فإن رأوا أن هناك فائدة قد تعمُّ مما أطلعهم الله تعالى عليه فيرفعونه إلى خليفة الوقت ويؤدونه له كأمانة يجب أن تؤدى إلى أهلها، لأنهم يدركون أنهم لم ينالوا هذا إلا باتباعهم الصادق للخلافة، وأن ما منَّ الله تعالى به عليهم هو لها وليس لهم.
أما المنافقون فيكونون معروفين بسلوكهم المنحرف وحياتهم البعيدة عن الطهارة، فأنَّى لهؤلاء أن يطلعوا على أسرار القرآن؟ هؤلاء بسبب إفكهم وتورطهم في الإثم تتنزل عليهم الشياطين ببعض الشبهات، ثم ينفخون في صدورهم كبرا ما هم ببالغيه، فيبدأون بترويج أفكارهم الفاسدة التي هي ليست سوى ذريعة لتبرير سلوكهم التمردي العصياني ولاستدراج أكبر عدد من السمَّاعين لهم ليصبحوا مثلهم، ثم يبدأون بمهاجمة الخلافة والمؤمنين، وشيئا فشيئا يتطاولون حتى يرفضوا كلام المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ويدعوا أنه خاطئ لأنه ليس وحيا صريحا! هؤلاء هم الذين يفرِّقون بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، هؤلاء الذين يقول الله تعالى عنهم:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } (النساء 151-152)
لذلك فليحذر السمَّاعون الذين يظنون أن مسلك هؤلاء في طرح اجتهاداتهم الفاسدة بهذه الطريقة مسلك مشروع فيؤيدوهم فيها؛ فمن يفعل ذلك فهو على شفا جرف هارٍ نسأل الله تعالى أن ينقذه من السقوط فيه في نار جهنم، عافانا الله تعالى وإياكم، آمين.