بسم الله الرحمن الرحيم

{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)

الحلقة الرابعة- معجزة اللغة العربية

في الردّ على الاعتراضات حول معجزة المسيح الموعود عليه السلام أن الله عز وجل قد علمه أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة

الاعتراض:

يقول المعترضون تكذيبا لهذه المعجزة: إنها لوحدثت بالفعل لملأ سيدنا أحمد عليه السلام كتبه بها ولكررها كثيرا. وبما أن ذلك لم يحدث فهذا دليل على أنها كذبة.

الردّ:

كون هذه المعجزة قد حدثت فعلا ‏لا يلزم أن يكررها سيدنا أحمد عليه السلام، إذ قد ظهرت آثارها في كتبه العربية الفصيحة والبليغة التي ‏تحدى بها خصومه ولم يستطيعوا الردّ عليها، وما زالت هذه الكتب ماثلة أمامنا ‏تشهد على قدرة حضرته الإعجازية التي لا ينكرها إلا متحامل متجاهل.‏ وبمعنى آخر فهذه المعجزة مكررة في كل كتاب وفقرة وسطر وعبارة من الذي كتبه حضرته عليه السلام بشكل فعلي، فهي من المعجزات الجارية إلى يوم القيامة، ليتسنى لكل شخص معاينتها ورؤيتها والتحقق منها في كل وقت وعصر، فما الداعي إلى تكرار ذكر حدوثها إذن!؟

الاعتراض:

يدعي المعترضون أن من الإثباتات على الكذب في ادعاء هذه المعجزة، إنه أحدا من الذين شهدوها من صحابة المسيح الموعود لم يتحدث عنها، ولم يحدثوا عن انطباعاتهم إزاء هذه المعجزة .

الردّ:

هذا القول منقوض ‏بروايات ثلاثة من صحابة سيدنا أحمد عليه السلام، وهم المولوي عبد الكريم السيالكوتي، وغلام ‏نبي سيتهي، والحافظ صوفي غلام محمد. وأحدى هذه الروايات ليست مجرد ‏رواية، بل هي دليل قطعي منشور وموثق، وهي أقوى من الرواية وهي المنشورة في جريدة الحكم عن عبد الكريم السيالكوتي رضي الله عنه. أما ‏انطباعات الصحابة وتعجبهم التي تساءل عنها المعترض فهي مذكورة في ‏مقالة المولوي عبد الكريم السيالكوتي وفي رواية غلام نبي سيتهي. حيث جاء في رواية سيتي: ولما عاد ( سيدنا أحمد عليه السلام) جاء بشيء مما كتبه بالعربية، فلما رآه ‏المولوي نور الدين والمولوي عبد الكريم ذُهلا لدرجة أن المولوي عبد الكريم ‏قال إنني قرأت الكثير من العربية، ولكني لم أرَ مثل هذه العربية الرائعة”. وفي مقال عبد الكريم السيالكوتي جاء :” وقد كتب لغة عربية فصيحة وبليغة بحيث كتب أحد ‏الأدباء العرب بعد قراءته إلى المسيح الموعود عليه السلام: تمنيت بعد قراءة ‏التبليغ أن آتي إلى قاديان ماشيًا على رأسي فرحًا ونشوة.” فهذه هي بعض من انطباعات من شاهد هذه المعجزة. ونعود ونقول إنها معجزة جارية إلى الأبد وماثلة أمام الجميع ومعظم من يقرأ كتبه العربية بإنصاف يشهد لحضرته عليه السلام على الإعجاز في لغته العربية ‏إلا من حق عليه القول:وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها.

الاعتراض:

يورد المعترضون لإثبات الكذب المزعوم في هذه المعجزة قولا لسيدنا أحمد عليه السلام من كتاب التحفة الغرولوية يقول فيه حضرته: “لا يوجد أيُ معجزةٍ أو ‏أمرٍ خارق للعادة لنبي من الأنبياء إلا ويشاركه فيه ألوف من الناس” . وبناء على قول حضرته هذا يتساءل المعترضون مَن مِن الناس أو مِن أفراد الجماعة شارك المسيح الموعود بهذه المعجزة وعلمه الله اللغة العربية في ليلة واحدة، ويجزم المعترضون أنه لا أحد في العالم شارك المسيح الموعود بهذه المعجزة، فهو إذن، وفقا لقوله السابق يشهد بنفسه على كذبِه في ادعاء هذه المعجزة والعياذ بالله .

الردّ:

نقول ‏إن حضرته عليه السلام ردّ بنفسه على هذا الاعتراض من قبل في كتاب البراهين الأحمدية، إذ أكَّد أن آدم (أو ‏الأوادم الذين كانوا في بدء الخلق) قد تعلموا من الله تعالى اللغة تعليما تلقائيا، ‏وهذا لعدم وجود المعلم حينها. والقرآن الكريم يؤكد هذا الأمر في قوله تعالى: ‏‏{الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } (الرحمن 2-5) وفي ‏قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (البقرة 32) فالمشاركة حاصلة من ‏قبل مع البشر الأوائل أو الأوادم الأوائل الذين كانوا في بدء الخلق، والذين تعلموا تلقائيا من الله تعالى اللغة والبيان علما أن عدد هؤلاء الأوادم قد يكون بالآلاف أو مئات الآلاف. وهذا ما ‏أورده الخليفة الثاني رضي الله عنه في التفسير الكبير، إذ ذكر تعليم آدم اللغة تلقائيا من ‏الله تعالى وذكر معها تعليم المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بنفس ‏الطريقة.‏

الاعتراض:

يحاول المعترضون دحض هذه المعجزة بقولهم إن سيدنا أحمد عليه السلام كان متمكنا من اللغة العربية قبل هذه الحادثة أو المعجزة، بقولهم إن حضرته عليه السلام ذكر بحثه ‏في أن اسم “الهند” أنه معروف عند العرب قبل الإسلام واستشهد حضرته عليه السلام ببيت من معلقة طرفة بن العبد، ثم يذكر المعترضون تحقيق المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في ‏مسألة لفظة التوفي عند كتابة كتاب إزالة الأوهام الذي كان قبل هذه المعجزة ‏بسنتين، وبناء على كل هذا يقول المعترضون إن هذا يدل على أنه كان متقنا للغة من قبل.‏وليس كما يدعي الأحمديون أنه لم يكن يعرف اللغة فدعا الله فعلمه في ليلة واحدة.

الردّ:

نقول أولا، متى ادعت جماعتنا أن سيدنا أحمد عليه السلام لم يكن يعرف اللغة العربية أبداً من قبل؟! ألم تؤمن الجماعة الأحمدية بأن سيدنا أحمد عليه السلام قد قرأ القرآن الكريم مئات المرات وتدبر فيه وقرأ كتب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ كتب المتقدمين والمتأخيرين؟! فمن لم يعرف اللغة العربية هل يمكنه أن يقرأ هذه الكتب ويتدبر فيها ويستنبط منها ويستدل بها؟

ثانيا، إن هذا الاعتراض ناجم عن عدم إدراك المعترضين لطبيعة المهارات اللغوية في أية لغة ‏والتي تتفاوت عند كل شخص. فهنالك ثلاث مهارات وهي القراءة والإنشاء ‏والمحادثة، وقد يتمكن الإنسان من القراءة والتحقيق بمعرفة مبادئ أية لغة أو ‏بمعرفة بسيطة نسبيا لها، أما الإنشاء فهو مهارة تتطلب مقدرة لغوية عالية ‏ومعرفة جيدة باللغة، فكيف إذا كان الإنشاء على درجة عالية من الفصاحة ‏والبلاغة، فهذا ليس بمقدور أي إنسان. وأما المحادثة فهي مهارة أخرى أيضا ‏قد لا يتقنها من يستطيع القراءة ويعرف قواعد اللغة بصورة جيدة ويعرف ‏الإنشاء بصورة متوسطة وهي تحتاج تدريبا وممارسة.‏

ومعروف أن هنالك باحثين يجرون بحوثا متقدمة في أمور مختلفة بلغات أخرى ‏غير لغاتهم الأصلية وهم لا يستطيعون التحدث بهذه اللغة إلا قليلا جدا ولا ‏أن يكتبوا فقرة واحدة فيها، ناهيك عن إنشاء كتب على درجة عالية من ‏الفصاحة والبلاغة. فهذه البحوث لا تدل على مقدرة عالية في الإنشاء، بل ‏على معرفة مقبولة، وهذا ما تقوله الجماعة عن حضرته ولا تنكره، ولا تقول بأنه في هذه المعجزة علمه الله اللغة العربية من الصفر.