ينبغي أن يكون واضحا أن نظام الخلافة في الجماعة الإسلامية الأحمدية قويٌ ومتينٌ للغاية، وقد بلغ أشده واستوى كما قال الخليفة الرابع رحمه الله، ولن تستطيع قوى العالم مجتمعة أن تقضي على هذا النظام أو تضرره. وهذا ليس مرجعه فقط القوة الداخلية لهذا النظام الرصين الذي ثبتت قوته في مراحل وتجارب صعبة للغاية، بل بسبب أن الله تعالى قد تعهد ببقاء الخلافة إلى يوم القيامة وبأنها ستحقق غلبة الإسلام على الدين كله، وهذا ما تسير نحوه بعزم وثبات ويتحقق كل يوم بفضله تعالى.
وما يجب أن يدركه كل مؤمن هو أن نجاته وفلاحه مرتبط ارتباطا وثيقا بالالتزام بالخلافة التي هي حبل المتين. فمن سعى بكل قوته ليكون سلطانا نصيرا للخلافة نجى ونال الفلاح والنجاح واستفاض من فيوض النصرة المقدرة لهذه الخلافة وبارك الله في علمه وعمله بصورة خارقة. ويجب أن يكون واضحا أيضا أن الالتزام بالخلافة يعني الالتزام بنظام الجماعة التابع للخلافة أيضا؛ فعليه أن يطيع نظام الجماعة بكل إخلاص وتفان، ويحترم المسئولين من أعلاهم إلى أدناهم. فهذا هو مقتضى الطاعة الحقيقية والالتزام الحقيقي بالنظام. والذي يعرف تقاليد الجماعة جيدا يعرف أن الجماعة تطيع المسئولين في أدنى الأمور، وتظهر مشاهد محيرة من الالتزام بالنظام، كثيرا ما ذُكرت أمثلة عديدة منها في خطب الخليفة وانطباعات الضيوف الذين يراقبون هذه الأمور بدقة.
ولعل من أكثر المشاهد تأثيرا، والتي هي في الواقع بمنزلة معجزة تربوية سلوكية، كان المشهد بعد انتخاب الخليفة الخامس أيده الله تعالى بنصره العزيز، ثم خروجه مع كبار المسئولين في الجماعة على باب المسجد الفضل ليلقي خطابه الأول ويأخذ البيعة العامة، فما أن رآه الناس لأول مرة، ولم يكونوا يعرفونه من قبل، كما لم يكونوا قد بايعوه بعد، قُذف في قلوبهم حبه وحب طاعته، وكانوا جميعا وقوفا، فأشار حضرته بيده وأمرهم بالجلوس، فجلس الجميع دفعة واحدة في ساحة المسجد ثم في الشوارع التي حول المسجد عندما سمعوا صوته، حيث كان يحتشد الناس بالألوف. فالأحمديون الذين تربوا على الطاعة كانوا ينتظرون رؤية خليفتهم ليطيعوه، وبالفعل فقد أوفوا بعهدهم من اللحظة الأولى وما زالوا على عهدهم بفضله وبرحمته.
لذلك يجب أن يكون مفهوما أنه لا خوف على الخلافة، فلن يستطيع أن ينالها أحد بضرر أو بسوء. وعندما ذكرت سابقا في مقالتي أن الجماعة الإسلامية الأحمدية هي جماعة الآخرين الملتحقة بالأولين، ويلزم أن يكون هنالك تشابها في الأحوال والظروف بين الجماعتين اللذين هما في الحقيقة جماعة واحدة بينهما انفصال زمني لا غير، فقد ذكرت أنه كما تعرضت الخلافة الأولى لهجوم المنافقين والمرتدين والكفار كذلك ستتعرض الخلافة الثانية وقد حدث هذا. ولكن ما ينبغي أن يكون مفهوما هو أن التشابه لا يعني التطابق؛ فالخلافة الأولى كان مقدرا لها أن تُرفع، ورغم أنها قد انتصرت على أعدائها في كل موطن، إلا أنه كان مقدرا لها أن تُرفع بعد فترة من الزمن، ولم يكن هذا نتيجة جهود المنافقين أو ثمرة نجاح مكايدهم. أما الخلافة الثانية فإن القدر الإلهي معها في انتصارها الدائم على المنافقين والمرتدين والمعارضين في كل موطن من ناحية، كما أن الله قد قدَّر لها أن تستمر إلى قيام الساعة في تقدم وتطور وازدهار من ناحية أخرى. وما ظهور المنافقين والمرتدين والمعارضين من الكفار وغيرهم إلا لتتم المشابهة، ولتكون علامة للمؤمنين على أنها جماعة الله الحقة. وإلا فإنهم أتفه وأذل من أن يحققوا شيئا أو أن يطالوا الخلافة أو المؤمنين بأدنى سوء. ولا يمكن أن يقتنع بهم أو يتفهمهم ويتفهم سلوكهم، أو ينعم لهم ويعجب بكلامهم، إلا من في قلبه مرض والذي عليه أن يتدارك نفسه قبل أن يهلك تماما، وهؤلاء أيضا هم فئة قليلة جدا. وفي الواقع فقد أتاح لهؤلاء أن يعملوا على هذا النطاق الضيق لتتم المشابهة التي هي سنة الله التي لا تتبدل من ناحية، وليميز الخبيث من الطيب، وينقي جماعة المؤمنين من الشوائب، ويبعد عنها كل من لا يستحق أن يبقى فيها.
ما أريد أن أقوله هو أنه من المؤسف والمخجل أن الشيطان الرجيم المخذول قد وصل إلى هذه الحالة البائسة في هذا الوقت؛ فقد عجَّم أعواده وبحث في جعبته فلم يجد إلا أن يرمي الخلافة وجماعة المؤمنين بهؤلاء الذين لا يمكن أن يحتار شخص لديه أدنى بصيرة وتقوى في أنهم ليسوا سوى أولياء للشيطان من الدرجة الدنيا؛ فليس فيهم من كانت له في يوم من الأيام علاقة بالفضيلة أو العلم. هذا يدل على أن الشيطان الرجيم يواجه صعوبة بالغة مع هذه الجماعة، وأن غالبية الجماعة هي من عباد الله الذين ليس له عليهم من سلطان، وأنه قد أنفد حيله كلها وواجه فشلا ذريعا، وقرب يوم غلبته الأبدية التي قدرها الله تعالى على يد النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق جماعته الآخِرة. ويجب أن يدرك هؤلاء هو أننا لا نبالي بهم ولن نلتفت إلى تفاهاتهم وفحشهم وسوء أخلاقهم التي يحاولون قذفنا بها، وكلما ازدادوا فحشا زادهم الله ذلة وانكشف أمرهم للمؤمنين أكثر، وزادنا الله تعالى بفضله وبرحمته من بركاته وتأييداته. ويجب أن يعلموا أننا ندرك الحكمة من وجودهم، وأن وجودهم لا يشكل مصدر قلق لنا، بل هو يبعث فينا الفرح بأن الله تعالى ما زال يظهر سنته مع جماعة المؤمنين الآخرين الملحقة بالأولين، وأنهم بمنزلة العينة اليسيرة الضئيلة التي يلزم وجودها لتتم المشابهة وليعمل جهاز المناعة في الجماعة ويطورها وينقيها. فليخرجوا كل ما في جعبتهم من فحش وبذاءة وكذب وافتراء، وليُجمعوا أمرهم وشركاءهم، فهم لا يضرون إلا بأنفسهم.
وفي الواقع فإن ردودنا العامة وتوضيحاتنا ليس مصدرها إدراكنا أنهم يشكلون شيئا مذكورا، ولا تستهدف أشخاصا لا نراهم أصلا جديرين بالاهتمام، وإنما نستهدف بها حالة عامة. وهدفنا بالدرجة الأولى إنقاذ من يمكن أن يكون قد تأثر ولو بشيء قليل ببعض الوساوس، ونحن سنستمر بالقيام بواجبنا ببذل كل جهد لإنقاذ من استطعنا من الإخوة رحمة بهم ومواساة لهم. علما بأن الله تعالى غني عن العالمين، وجماعته لن تضرر بانحراف أحد عنها، وستستمر في مسيرة التقدم والازدهار التي اختطها الله تعالى لها، حتى ينتصر الإسلام على الدين كله، ولو كره الكافرون. وهذا وعد الله الذي من أجله خلق السماوات والأرض.