مقالة كتبها الأستاذ تميم أبو دقة عام 2015، نعيد نشرها لأهميتها
بفضل الله تعالى، ننعم نحن في الجماعة الإسلامية الأحمدية، بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة، تحقيقا لوعد الله تعالى في القرآن الكريم ولنبأ النبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي أنبأ بقيامها أول مرة خلافةً راشدةً على منهاج النبوة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ثم لتتحول الخلافة إلى ملك عاض ثم ملك جبري ثم لتعود خلافةً راشدةً على منهاج النبوة تستمر إلى يوم القيامة.
ولا شك أن هذا النبأ جليٌّ جدا، بل لعل هذا النبأ وحده يكفي لإثبات صدق الجماعة الإسلامية الأحمدية؛ لأنها الوحيدة التي يتحقق فيها النبأ، بينما عند غيرها الخلافة انقطعت وزالت! وهذا خلاف نبأ القرآن ونبأ النبي صلى الله عليه وسلم الذي يؤكد بأن وعد الاستخلاف وعد دائم لا ينقطع؛ وإن كانت ستطرأ عليها تحولات تلائم حالة الأمة في الفترة الوسطى بين مرحلتي الرقي الروحاني للإسلام التي كانت في أوله ثم في آخره.
وقد قامت الخلافة الأحمدية بفضل الله تعالى في ظروف صعبة للغاية، وقد واجهت تحديات عظيمة على مدى مئة وسبعة أعوام حتى اليوم، ولكنها صمدت صمودا أسطوريا، ولم يفلح الشيطان في القضاء عليها، وشهدت تطورات هائلة في مسيرة الجماعة لا يملك المراقب المنصف إلا أن يقرَّ بأن تأييد الله تعالى كان معها دوما، ونصرها في كل موطن، وأهلك أعداءها، وحقق لها فتوحا محيرة للعقول والأبصار. وهذا ما يجب أن يستحضره كل أحمدي مخلص ليعلم أن تأييد الله تعالى كان دائما مع الخلافة. كذلك هذا درسٌ لأعدائها ليعلموا أن مكايدهم لن تفلح، وإنهم سينالون الخيبة والخسران حتما وفي كل حين.
لذلك يجب على كل أحمدي مخلص أن يدرك ما حظي به من نعمة وفضل من الله تعالى بأن جعله يبايع الخلافة وينضوي تحت لوائها، فيتحقق له الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. وعليه أن يدرك أيضا أن الشيطان اختار منذ الأزل أن يكون عدوا للخلافة، وأنه لن ينفك في سعيه لإبعاد المؤمنين عنها ليتسنى له الانفراد بهم ثم الانزالق بهم إلى مهاوي الخطايا والسيئات. ولكن الذي يدركه الشيطان، والذي يجب أن يعيه الجميع أيضا، أنه لن يفلح في إيقاع الضرر بالخلافة بتاتا، وإن كان سينجح في إغواء وفتنة من كان في قلبه مرض لإبعاده عنها. فيجب أن يكون كل مؤمنٍ واعيا لمكيدة الشيطان هذه كي لا يقع فريسة له.
ومكايد الشيطان تجاه الخلافة معروفة تماما، وقد بيَّنها القرآن الكريم ذلك الكتاب الكامل أيَّما بيان، وهي كلها تنصبُّ على تقديم مبررات لعصيان الخلافة كليًا أو جزئيا، أو التصرُّف بما لم توجِّه إليه الخلافة أو ما لم تختره في وقت ما، حتى وإن لم يبدُ ذلك عصيانا ظاهريا؛ أي أن جهوده وتوجهاته ووساوسه كلها منصبة على عصيان الخلافة والخروج من تحت ظلها بأي وسيلة. والمبرر خلف كل هذه التصرفات الشاذة التي يزينها الشيطان لأوليائه هو المصلحة العامة والإصلاح العملي والحسنى والحرص على الإيمان وعلى جماعة المؤمنين أو تصحيح العقائد أو تقديم الاجتهادات التي ستؤدي إلى تقدم جماعة المؤمنين. وقد ينخذع بعض الذين في قلوبهم مرض بهذه الدعوات وبمطلقيها من المنافقين، ويرون أن مطلقيها من المنافقين بالفعل يريدون الحسنى، أو أنهم مظلومون، أو أنه من الأفضل لجماعة المؤمنين أن تستمع إليهم وتتبع نصائحهم وتأخذ باجتهاداتهم المزعومة، أو أن جماعة المؤمنين قد اشتدت عليهم وعاملتهم بظلم أو بما لا يليق. ولكن ينبغي على هؤلاء أن يدركوا أن نظام الخلافة هي نظام رباني يدار بتوجيه إلهي مباشر، وقد أودع الله فيه نظاما للتجديد والتصحيح والتنقية تحت توجيه الخليفة الذي يوجهه الله تعالى بالوحي، وأن ما عليهم إلا أن يخضعوا للخلافة وينصاعوا لها، وألا يقلقوا حيال التجديد والتصحيح، وبعد ذلك سيرون كيف أن ما اختارته الخلافة وما سارت عليه كان هو الصحيح حتما، والذي سخَّر الله تعالى له جنود السماوات والأرض ليعطي أفضل الثمرات من التقدم والازدهار.
أما الوسوسة الشيطانية القائمة على الظن بأن هناك نظاما بديلا للخلافة وأن الخلافة يجب أن تزول أو تتحول إلى مجرد إدارة دنيوية، وأن هناك أنبياء سيبعثون في الإسلام بعد قيام الخلافة، فهو الكفر والإلحاد بعينه، لأن هذا يعني تكذيب القرآن وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله. وهي حيلة سخيفة لا يقع فيها إلا مريض القلب قليل العقل. ما ينبغي إدراكه بوضوح هو أن النبوة انقطعت بعد النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين، وأنه ليس في الإسلام مبعوث سوى الإمام المهدي والمسيح الموعود الذي أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بنزوله، والذي قدَّر الله تعالى أن تنشأ بعد نزوله سلسلة الخلافة على منهاج النبوة مجددا وتبقى إلى يوم القيامة. أما مقام النبوة في الأمة المحمدية فهو مقام الأولياء الصالحين الذين يحظون بمراتب روحانية ووحي وصلة بالله ومعجزات وكرامات كالتي كان يحوزها الأنبياء في الأقوام الأخرى بل ويتفوقون على أكثرهم. ولكن ليس لأحد منهم أن يُسمى نبيا ويعرَّف، لأن النبي لا ينال درجة النبوة إلا إذا أراد الله أن يكلفه برسالة، وفقا لقوله تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (الجن 27-28)، ولم يُعرَّف المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام على أنه نبيٌّ إلا بسبب أنه مكلف برسالة أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان واجبا الإيمان به وتصديقه والالتحاق بجماعته. هذا فضلا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سماه نبيا في حديثه، وسماه الله تعالى نبيا في وحيه. أما الظن بأن هناك مبعوثين سيبعثون بعد أن قامت الخلافة الراشدة الثانية فهو فهم سقيم أو ضلال وإضلال يسعى به بعض المنافقين ومن سار خلفهم ومالأهم من السُذَّج. أما مقام النبوة فهو مقام محفوظ في الأمة، شرطه الفناء في حب النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته، وهناك كثير من الأولياء الذين هم في مقامات الأنبياء عند الله تعالى، وهؤلاء سُيعرفون بكونهم أكثر الناس طاعة وانصياعا للخلافة، ومن بين هؤلاء يصطفى الله خليفته في كل مرة.
الخلاصة أن الطريق بيِّنٌ وواضح، وأن البوصلة تشير بوضوح إلى الاتجاه الصحيح الذي لا يزيغ عنه ولا يشذ عنه إلا هالك. فيجب على كل أحمدي أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وأن يعضَّ عليها بالنواجذ، وأن يجعل نفسه فداء للخلافة، عسى أن يتقبله الله تعالى فينال الفلاح في الدنيا والآخرة. وليعلم كل من يشذون من المنافقين أنهم مبشَّرون بالخيبة والخسران والخزي في الدنيا والذي سيرونه عذابا إليما في الآخرى. وليعلم الذين في قلوبهم مرض أنهم مما ظنوا بأنفسهم فإنهم لن يحققوا شيئا خارج الخلافة وسيرون الخزي والخذلان في كل موطن. وليعلم أعداء الجماعة ممن التحق بهم بعض المرتدين أيضا أنهم يناطحون صخرة صلبة بقرون من طين، من سقط عليها ترضرض ومن سقطت عليه سحقته. وليعلم المؤمنون أن النجاة والفلاح والتقدم والازدهار في الدنيا والآخرة منوط باتباع الخلافة والتفاني في الإخلاص والوفاء لها. هذا وعد الله تعالى وسنته الدائمة المستمرة، ولن تجد لسنة الله تبديلا.