ننقل ما جاء في التفسير الكبير للمُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} -النساء 34
معنى الآية: الرِّجَالُ هم المسؤولون عن البيت ورعايته والنفقة عليه، وعلى الزوجةِ أن تطيع زوجها، فهو صاحب القرار النهائي في البيت، وليس هنالك شركة من دون مسؤول قطّ، فالمسؤول هو الزوج في هذا النظام.
ما الحلّ إن قرّرت الزوجة التمرد والنشوز؟ هل الحلّ أن يطلقها فورا؟ أم يضربها؟ أم يشتكي للمحكمة؟ أم يوافق على قرارها ويتبعها هو بدل أن تتبعه هي؟
الحلّ ليس أي واحدة مما سبق، بل هنالك ثلاث مراحل على الترتيب، فإذا حققت المرحلة الأولى الغاية فلا يُلجأ للمرحلة الثانية، وإذا لم تحقق وحققت الثانية فلا يُلجأ للثالثة، أما إذا لم تحقق الثانية فإنه يُلجأ للثالثة، إلا إذا طلبت المرأة الخلع.
وهذه المراحل هي: الوعظ والهجر في المضاجع، والضرب ضربًا غير مبرّح.
والسؤال: كم نسبة نساء العالم اللاتي يقررن النشوز؟ والنشوز هو التمرد على الزوج؟
هذه نسبة بسيطة جدا، لا تكاد تُذكر. وهذه لا بد أن ينفع معها الوعظ، ثم الهجر في المضاجع.
فإن لم ينفع معها ذلك كله، ولا تأبه بهجر زوجها لها، مع أنه يمكنها أن تطلب خلعه وتخلعه، فهي امرأة غير طبيعية، وحالتها النفسية معقّدة، ومع أنه يمكن للزوج أن يطلقها، لكن يمكنه قبل ذلك أن يستخدم علاج الضرب الخفيف لعله يصلحها، فإن لم ينفع، فعليه ألا يستمر فيه، بل عليه أن يسعى لتطليقها عبر خطوات الطلاق المنصوح بها، وهي أن يبعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها.
ويمكنه أن يطلقها قبل ضربها، فالوسائل الثلاث هذه ليست إلزامية، ولكن على المرء أن لا يضع الطلاق في ذهنه إلا بعد أن يوقن ألا حلّ آخر. فواضح أن غاية الوسائل الثلاث هو المحافظة على الأسرة، مهما كانت نوعية المرأة. وهذا الحكم يدلّ على شمولية الدين، الذي يحلُّ قضايا أسوأ النساء، والذي يعالج كل الأمراض، ولا يكتفي بالحديث عن الفاضلات؛ “فشريعة الله مثل صيدليةَ الصيدلي”.
وفيما يلي بعض الأحاديث النبوية:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ. (البخاري، باب ما يكره من ضرب المرأة)
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً فَقَالَ أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ. (الترمذي، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها)
والفاحشة هنا ليس المقصود بها الزنا، فالزانية لا بدّ من تطليقها، بل المقصود هو التصرفات الواضحة في فحشها وقبحها وتمردها.. أي النشوز الواضح.. أي التمرّد على الزوج.
وعَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَدْرُونَ فِي أَيِّ شَهْرٍ أَنْتُمْ وَفِي أَيِّ يَوْمٍ أَنْتُمْ وَفِي أَيِّ بَلَدٍ أَنْتُمْ……. فَاتَّقُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا وَإِنَّ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقًّا أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا غَيْرَكُمْ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا وَبَسَطَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ (أحمد)
يقول المسيح الموعود عليه السلام: “إن ضرب الأولاد في رأيي يندرج تحت الشرك، وكأن الضارب الجلف يريد أن يُشرِك نفسه (مع الله تعالى) في الهداية والربوبية. عندما يعاقب الشخص الثائر (طفله) على أمر فإنه يتمادى في فورة غضبه بحيث يصبح كالعدو، فيعاقب أكثر من الجرم بكثير. أما لو كان ثمة شخص رزين هادئ حليم وقور قادر على ضبط نفسه حقًّا، فيحق له أن يعاقب الطفل أو يرمقه بنظرة عتاب في الوقت المناسب إذا اقتضى الأمر. ولكن المتهور وطائش العقل الذي يستشيط غضبًا فلا يستحق أن تُعهَد إليه تربية الأولاد. ليتَ المتحمسين لعقاب الأولاد ينصرفون إلى الدعاء بنفس الحماس والجهد، ويواظبون على الابتهال والدعاء من أجل الأولاد بحرقة والتياع، ذلك لأن دعاء الوالدين في حق الأولاد يحظى بقبولية خاصة عند الله تعالى“. (الملفوظات ج 2 ص 4)
فالضرب الانتقامي شرك، سواء كان للولد أم للزوجة أم للدابة، أما الضرب التأديبي في وقته المناسب فشيء آخر.
ولا يخفى على أحد أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضرب زوجةً قط.
أما “فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ” فيعني أن الرجال أفضل في حالات، والنساء أفضل في حالات أخرى، والمقصود: أن الرجال يتقنون أمورا، والنساء يتقنّ أمورا أخرى.
أما “للرجال عليهن درجة“، فليس ذلك “من حيث الحقوق، لأن المرأة والرجل متساويان، ولكن من ناحية النظام والإدارة، فللرجال على النسوة نوع من الفوقية. مثال ذلك القاضي. فهو متساوٍ مع سائر الرجال في الحقوق، وكما أنه لا يجوز لأي إنسان صغُر أو كبُر، أن يظلم.. كذلك لا يجوز هذا للقاضي، ولكنه لكونه قاضيا يحظى بدرجة على غيره، لأن عنده السلطة لإنزال العقوبة على الآخرين بحسب القانون. كذلك تماما فيما يتعلق بالمعاملات الدينية والمدنية فإن الرجل والمرأة سيان، لكن أعطى الله الرجل نوعا من الفضيلة لكونه قوّاما. وفي نفس الوقت زوّد الله المرأة بقوة استمالة قلب الرجل مما يجعلها في كثير من الأحيان غالبة عليه. إنّ النسوة في البنغال -كما هو مشهور عنهن -يملكن من الفتنة والجمال ما يسحرن به الرجال. وبالفعل هناك كثير من النسوة يتحكمن في الرجال بسبب هذه الفتنة حتى يبدو كأن الأمر كله في يد المرأة. فالحقيقة أن سلطة وحكم كل إنسان مختلف عن غيره. ففيما يتعلق بتنفيذ أحكام الشرع وتوطيد النظام فإن الله تعالى قد وهب الرجل فضيلة على المرأة. فمثلا، يأمر شرعنا بأنه لا يجوز للفتاة الزواج إلا بأذن أبيها (البخاري، النكاح)…. قوله تعالى (والله عزيز حكيم) ينبه الرجال أن لا يستغلوا ما أعطاهم الله من درجة على النساء فيهضموا حقوقهن، وليتذكروا أن هناك حاكما عزيزا فوقهم، يملك القوة الحقيقية. وتدل كلمة (حكيم) على أن السلطة التي أُعطِيَها الرجل لإدارة الأمور وإقامة النظام مبنية على الحكمة الكاملة، وإلا ضاع الأمن من البيوت. لا بد للزوجين أن يعيشا معا، ولا يمكن أن يتوطد النظام ما لم يكن لأحدهما درجة. ولهذا السبب أعطي المرء درجة. وفي موضع آخر بيّن سببًا آخر لذلك وقال لأن الرجل ينفق على المرأة فاستحق بذلك الفوقية لإدارة الأمور (الرجال قوامون على النساء).” (التفسير الكبير)
المكتب العربي
للقراءة المزيد حول موضوع المرأة في الإسلام نرجو الضغط على الروابط التالية:
الشريعة الإسلامية و ضرب المرأة
تفسير آية حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ